د. رجب بن علي العويسي – خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية-مجلس الدولة
العاشر من يناير من عام 2020 ، يوم جلل على عمان وشعبها، يوم الفقد الأكبر، والرحيل الصعب، والذكرى المؤلمة، والمواقف المحزنة، الذكرى الثانية لرحيل سلطان القلوب، الأب المربي، والقائد الملهم، فخر عمان وعزوتها، الراسخ حبا، والعظيم شأنا، سلطان السلام، ورجل المواقف، من ملك القلوب حبه، وعانقت الأرواح اسمه، وعلا الأنجم ذكره، فخر عمان وسيدها، وشموخها ومجدها، وعظيمها وسلطانها، وسيدها وسليل مجدها، باني نهضتها، ورافع شأنها، ومفجّر طاقات أبنائها، من جاء إليها في ظلام، فأوقد الله بنوره عُمان، ورسم به طريق الأمان، وفتح الله على يديه منابع الأمل، وصنوف الخير، وسعة العيش، واليسر بعد العسر، والسعة بعد الشدة والبؤس، والقوة بعد ضعف الحال وعظم اليأس، من زانت الألسن بذكره، وعظمت النفوس بشخصه، ورددت الأفواه والحناجر اسمه، فكان لـــ” أبشري قابوس جاء”، ” وصوت للنهضة نادى” ، “وبابا قابوس” مفاتيح حياة، في لسان كل طفل وقلبه، في ضحكة كل طفل وحزنه، في بسمة كل طفل ودمعة عينه، ذلكم هو الأب الحاني، والمربي العظيم، من قال يوما سأعمل من أجل جعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل” فحقق الله على يديه سعادة أبناء عمان، ومن قال ” سنعلم أبناءنا ولو تحت الشجر”، فانخرط الناس في التعليم زرافات ووحدانا رجالا ونساء شيبا وشباب ميممين شطر المدرسة والمعهد والجامعة، فانتشر التعليم وعمت مؤسساته كل شبر في عمان ، قابوس بن سعيد ، الخالد في ذاكرة الأجيال والآباء، والماجد في ذاكرة الوطن: الأرض والدولة والإنسان.
لم يكن رحيل السلطان قابوس بن سعيد، سهلا على قلوب أفجعها غيابه، ونفوس لطالما اشتاقت لرؤيته، لأطفال تسابقوا من أجله، تصدح حناجرهم بلحن الطفولة وأغانيها الجميلة وأناشيدها التي تلامس القلوب في صدقها وصفائها ونقائها، في أناشيد الطفولة وتراجيدها وكلماتها، لقد هالهم فقده، وصعب عليهم رحيله، كيف يرحل من كان لهم الأب والسند، من علمهم وأسبغ عليهم بفضل الله فرص التعليم، كيف يرحل ذلكم الشامخ في القلوب، حبيب الشعب، السلطان الإنسان، صاحب الرسالة والمبدأ، من نشر الحب والتسامح، والسلام والوئام، من رسم نموذجا للصفاء والنقاء في مجتمع التعددية، من شجع على العلم والعمل، والتطوير والتجديد، فبنى للعلم مرافئ، ونسج له في ظروف الحياة مرافئ، متجاوزا صعوبة التضاريس، ووعورة الطرق، فنشر التعليم، وبنى المدارس، وافتتح الجامعات، واستوعب أبناء عمان جميعهم، ينهلون من منابع العلم دررا، ويغترفون من بحوره دولا، فأنار لهم طريق الحياة والعمل، وفتح لهم آفاق العلم والمعرفة والأمل، وأصّل فيهم مسار الوعي والمنهج، وعزّز فيهم بناء الخطط وتحقيق الهدف، ورسّخ فيهم قيمة النموذج والتطبيق، وسلوك الابتكار والريادة، من جعل أبناء عمان جميعهم في ميزان واحد، فكان للمرأة حق كحق الرجل في التعليم والعمل.
سيبقى الوطن في ترانيم الطفولة، قصة عطاء لا تنتهي، ونبض وفاء لن يتوقف، واستحقاقات تصنعها حناجرها وابتسامتها الصادقة وضحكاتها البريئة في سكونها وهدوئها، وصخبها ونشاطها، وذوقها وبراءتها، بكل نبرة بوح، وصرير قلم، وريشة فنان، وابتسامة شفاه، بشدو شاعر، وترنيمة طفل، وفكرة شاب، ودمعة عين، وحزن قلب، بألم يعتصر النفس، ويقض مضاجع الرجال، ببكاء الطفولة، ونواح اليتامى والأرامل والكبار، ببوح القصيد، وعبق النشيد، وعمق التجربة ووصف الحدث، بأقلامهم وكتاباتهم، بكل ذلك وأكثر مما سطره أجيال النهضة في حب قابوس الوالد، وبما تستنطقه من قيم الوطن ،وشموخه ومجده وعزته وكرامته، وتبوح به من درر الكلام ولطف الكلمات، وعمق المعاني، في أناشيد وأغانٍ وطنية تبقى حاضرة في النفس ترددها الألسن وتعي كلماتها القلوب، وتجسدها مشاعر صادقة في حب سلطان القلوب، مهما غيبتها الأيام والسنون، وعرجت عليها الأعوام والدهور، ماكئة في القلب، حاضرة في الذاكرة، متربعة على عرش الفكر، تفصح عنها كل معالم النهضة ومواقعها، وشوارعها وبنيانها، وأرضها وبحرها، وسماؤها وصحراؤها.
أخيرا فإن حكايات الطفولة العمانية في رحيل ” بابا قابوس ” ، قصة لن تنتهي ، وشغف لن يتوقف، ولحظات لن تنسى، ومحطات متجددة تستذكرها الطفولة وتكتبها في دفاترها، وتقرأها في كتبها، وتثري أوراقها وهواياتها برسم صورة قابوس بن سعيد، كلما تأملت في منجزات هذا الوطن العظيم التي وسعت كل شيء، وانتقلت إلى الانسان العماني في كل مكان وموقع، وبدو وحضر، وجبل وبحر، وواد ومرتفع، وما تحقق فيه من نهضة وتطور، وأمن وسلام، وتعليم وازدهار، ترددها كلما تعاقبت الأيام وتسارعت الخطى، لتقف عند كل محطات التحول، وتعيد إلى الذاكرة كل المواقف والبطولات والتضحيات، لتنسج منها خيوط الوفاء الممتدة، وتحيي فيها روح الأمل بقادم أجمل يطل على عمان وشعبها بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، ذكرى عطرة تقف بكل شموخ وتأمل، مستحضرة قابوس بن سعيد في يوم الثامن عشر من نوفمبر، وتستذكر الثالث والعشرين من يوليو، وتقف صامتة ليوم العاشر من يناير، وتقرأ وصية السلطان قابوس في تجليات الحادي عشر من يناير ، كما تقف على يوم مولده، ويوم وفاته، وتستعيد أمجاد النصر المؤزر في الحادي عشر من ديسمبر، وانتشار الأمن والأمان وعمان تحتفل بيوم الخامس من يناير يوم الشرطة، لتظل مستعيدة الطلة السامية والهيبة القابوسية الشامخة في كل استعراض عسكري، في كل ذاكرة تحط برحالها مستحضرة في النفس ما قدمه سلطان القلوب لعمان وشعبها من تضحيات، وتحمّله في سبيلنا من مشقة، وواجهه من تحديات، محطات تستلهم من فكر الملهم الهمام قابوس بن سعيد في شخصيته وحكمته وجلاله وعظمته وشموخه وعفوه، ما يحيي في الطفولة حب عمان العظيمة وسلطانها المجدد، هيثم بن طارق المعظم حفظه الله. رحمك الله ” بابا قابوس” وأسكنك فسيح الجنات، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.