أخبار

كيف يُمكن للتعليم أن يحقق الطموحات الوطنية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

يمثل الافتتاح الرسمي لميناء الدقم في الرابع من فبراير من عام 2022، أكبر وأهم الموانئ في الشرق الأوسط حدثا اقتصاديا كبيرا، وتظاهرة اقتصادية عالمية تفتح أبواب الاستثمار الخارجي لسلطنة عمان، وهو بموقعه الإستراتيجي الفريد ، يمثل أهم مركز تجاري في المنطقة ، وبوابة تجارية تواصلية مع مختلف موانئ العالم ، حيث تنظر سلطنة عمان إلى ميناء الدقم خاصة والمنطقة الاقتصادية بالدقم عامة، بوابة المستقبل لتعزيز الاستثمارات، وإيجاد فرص عمل للشباب العماني، وفرصة إستراتيجية تعزز من بدائل السلطنة في التنويع الاقتصادي، مستفيدة من الموقع الجيوسياسي وما تحظى به السلطنة من تقدير العالم لسياستها الخارجية القائمة على السلام والتنمية والتعاون الدولي في ظل مبادئ الحق والعدل والمساواة، وبالتالي ما يعنيه ذلك من دور قادم لكل القطاعات التنموية – ومنها قطاع التعليم- في الاسهام الفاعل، والحضور النوعي، والمشاركة البناءة في تمكين هذه المنطقة من القيام بدورها الإستراتيجي في ظل طبيعة هذه القطاعات.

ولمّا كان قطاع التعليم اليوم يشكّل أهم القطاعات الاستثمارية في رؤية عمان 2040 لارتباطه بالبحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال والهوية واليم وبناء الانسان، وهي مرتكزات تصنع للتعليم حضورا مهما في عالم الاقتصاد الواسع، فإن المؤمل من التعليم ومؤسساته في مختلف المراحل أن يقوم بدور محوري في تعزيز الجهود الوطنية الساعية للترويح لهذه المنطقة الاقتصادية الواعدة وتوفير كل المنصات والخيارات الداعمة لاستقطاب الشركات العالمية والمستثمرين والاقتصاديين الدوليين حول العالم، ليتجه دور التعليم في توفير الفرص التعليمية والتدريبية والبحثية والاستشارية في المنطقة الاقتصادية بالدقم والتثمير فيها وتوفير خيارات التعليم عالي الجودة لاستقطاب الكفاءات وإنتاج القدرات الداعمة لعوامل الإنتاج، والتي ترفد سوق العمل بالمخرجات الكفؤة القادرة على الإسهام الفاعل في تنشيط الحركة الاقتصادية بالدقم، وتضع أمام الشركات خيارات تعليمية متعددة في التعليم المهني والتقني والفني والتخصصي لضمان صقل مواهب الشباب وتمكينه من إتقان المهارات، وتوفير الوظائف النوعية التي تعزز من انخراط الشباب العماني في مواقع العمل والإنتاج سواء كانوا من الباحثين عن عمل من مخرجات التعليم العالي والجامعي والدبلوم المتوسط والدبلوم العام، أو من خلال ما توفره من فرص للشباب العماني العامل في توظيف مهاراته وقدراته وبناء مشاريع اقتصادية منتجة، وإسهامه عبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إيجاد حراك اقتصادي يعزز من حضوره في الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية المشغلة للميناء وغيره من مراكز الخدمة والإنتاج الأخرى.
عليه، فإنّ الحديث عن دور التعليم في تعزيز هذه الطموحات الاقتصادية الوطنية يأتي من خلال جملة من الموجهات، التي على التعليم أن يؤصلها في سياساته وبرامجه وأن يستدركها في منهجياته وأطروحاته وأن يبرزها في منصاته ومؤسساته، والتي تبدأ من مسؤولياته في رفع سقف توقعات الطلبة التعليمية، وعبر الانتقال بالنموذج التعليمي إلى مرحلة الإنتاجية والاستثمار وصناعة الفرص وخلق الوظائف، فيعزز في التعلم قيمة المشروع، ودور المبادرة، وأهمية استغلال الفرص، وينتقل بالمتعلم عبر تراكمية المهارات الأساسية والممكنات وتعزيز مهارات المستقبل وكفاياته، وتقوية المهارات الناعمة المؤدية إلى خلق روح التغيير في الغايات التعليمية لتتحول إلى قيم حياتية ومبادرات منتجة، وبرامج عمل قادمة يوظفها الطلبة في تحقيق مشاريعهم الاقتصادية.


وبالتالي فإن تحقيق هذا الطموح الاقتصادي من التعليم يرتبط بمستوى التحول في طبيعة الممارسة التعليمية ذاتها والتي يجب أن تنحو اليوم نحو الابتكارية والتجديد والمهنية، وتعزيز فرص البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال والتعمق في دراسة مهارات المستقبل وكفايات التعليم في الثورة الصناعية الرابعة واستخدام التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي وإدماج ذلك كله في مناهج التعليم وبرامجه ومساقاته التدريس والخطط الدراسية، بما يضمن قدرة المناهج التعليمة والأنشطة وعمليات التعليم والتعلم، على استيعاب متطلبا الواقعة واحتواء المكونات النوعية للأنشطة الاقتصادية واللوجستية التي تتعايش في هذه المنطقة وتتفاعل فيما بينها، وبالتالي تعزيز البنية الاقتصادية في أساليب التعلم ومناهج التعليم وترسيخ مفاهيم الاستثمار وبناء المشروع والإنتاجية وتعزيز مسارات ريادة الأعمال وإيجاد مسار أكبر للمواءمة بين التعليم كفكر وممارسة، ومبادئ وأخلاقيات والمسارات التعليمية الأخرى المتوقع أن تعيد هيكلة التعليم بما يتناغم مع المتطلبات الاقتصادية ورفد المشاريع الاقتصادية، هذا الأمر من شأنه أن يعزز من تدريس المهارة، ويؤسس للتنويع في مسارات التعليم خاصة في ظل ما تتطلبه الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية والنقل البحري من قوى وطنية ماهرة تمتلك القدرات والاستعدادات.

أخيرا، يبقى حضور التعليم في المشهد الاقتصادي عامة وفي منطقة الدقم الاقتصادية ومينائها العملاق بشكل خاص، مرهون بحجم التغيير الذي يجريه على منظومته وهيكلته وبرامجه وخططه وسياساته وممارساته، وقدرته على توفير البدائل وإنتاج الحلول وصناعة الفرص وإيجاد الوظائف التي تعزز من القوة الاقتصادية الوطنية في الدقم، وفي الوقت نفسه قدرته على إيجاد التحول في المسار الاجتماعي وعبر دور التعليم في بناء مجتمع الاقتصاد والاستثمار وريادة الأعمال مع المحافظة على تأصيل الهوية الحضارية للمنطقة الاقتصادية بالدقم، على أن الخصوصية الاقتصادية لهذه المنطقة وطبيعة الأنشطة الاقتصادية النوعية التي تتجه إلى اقتصاد المعرفة، بحاجة لأن تضعها مؤسسات التعليم العالي والجامعات في أولويات التخصصات التعليمية الأمر الذي يستدعي مراجعة دقيقة للتخصصات الحالية في ظل طبيعة الاستثمارات في المنطقة الاقتصادية بالدقم خاصة في مجال اللوجستيات وخدمات الشحن والتفريغ والصيانة والنقل العام والبحري والصناعات التحويلية، فإن إنشاء كلية الدقم الجامعية، أول مؤسسة للتعليم العالي في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم العام يمثل تحولا نوعيا في تعزيز دور التعليم العالي في خلق روح التغيير في التخصصات المستقبلية التي تحتاجها المنطقة، وبالتالي ما يتوقع أن تطرحه الكلية من مساقات وتخصصات تدريسية أكثر مهنية وارتباطا بطبيعة الاستثمارات الخارجية فيما يتعلق بالتدريب والتوظيف وريادة الأعمال في مجالات الخدمات اللوجستية والعلوم البحرية والتقنيات الحديثة وغيرها من المجالات المعززة لاقتصاد المنطقة الاقتصادية للدقم ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يأتي دور التعليم في مختلف مستوياته عبر فتح المراكز التعليمية والتدريبية التي ستوفر فرص أكبر للباحثين عن عمل والطلبة وغيرهم من العاملين في القطاعات الإنتاجية في تعزيز خبراتهم وصقل مهاراتهم من خلال وجود مراكز خبرة دولية ومعاهد متخصصة، ومراكز استشارات بحثية استراتيجية ، تعمل على غرس الثقافة المهنية في سلوك المتعلمين والاستفادة من البرامج المهنية المطروحة في الشركات والمؤسسات والميناء في سبيل تعزيز التدريب المهني والتقني والفني المتخصص ليتعمق هذا الدور في تنفيذ الدراسات البحثية التخصصية وغيرها في سبيل إيجاد حلول عملية للتحديات وتوسيع خيارات الأنشطة الاقتصادية التي تفتح للشباب العماني بيئات عمل أوسع، وتجارب أكثر عمقا تتناغم مع حجم التحول الذي يراد من المنطقة الاقتصادية بالدقم تحقيقه.

Your Page Title