أثيريات

كيف يستثمر التعليم في صيف الطلبة؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

بعد انتهاء اختبارات طلبة الدبلوم العام سيكون الطلبة في إجازة صيفية ، تمثل لهم فرصة ترويحية لالتقاط الأنفاس بعد عام دراسي حافل بالعطاء والانجاز والجهد وبذل الوسع، ولعل ما يميز صيف هذا العام أنه جاء بعد اكثر من عامين قيدت فيها حركة الطلبة والاسر من السفر والتنزه أو تنفيذ برنامج صيفي يلبي احتياجات الطلبة وتوقعاتهم نظرا لإجراءات المنع والاغلاق ، فإن القرار الأخير للجنة العليا المكلفة برفع جميع الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقائية لجائحة كورونا ( كوفيد19) في السلطنة يؤسس لفرص جديدة لصيف السياحة لهذا العام، ولذلك فالمتوقع أن يكون صيف هذا العام مليء بالمفاجآت والفرص ، كمما يتوقع أن تحكون الجهات المعنية بتنفيذ البرنامج الصيفي سواء كانت الحكومية والخاصة والقطاع الاهلي قد استفادت من الدروس والمواقف المرتبطة بالجائحة، كما فتح لها المجال للتفكير خارج الصندوق لصيف يحمل الكثير من الفرص والبدائل والمعطيات والخيارات التي تتيح للطلبة تحقق أهداف البرنامج الصيفي.

ولمّا كانت التوقعات المأمولة من صيف الطلبة لهذا العام كبيرة نظرا لما أشرنا إليه من معززات، فإن آليات عمل البرنامج الصيفي بما يحمله من سياسات وخطط وبرامج ونماذج ومحتوى وتطبيقات يفترض ان تقدم صورة نموذجية تتناغم مع رغبات الطلبة وطموحاتهم، وتجدد فيهم عزيمة الإنجاز ورغبة العطاء بأسلوب تنافسي، ومنهج علمي متوازن يجمع بين احتواء أفكار الطلبة وقناعاتهم ومهاراتهم واستعداداتهم وبين توفير المزيد من البدائل والخيارات وتجريبها والتوسع فيها بالشكل الذي يضمن قدرتها على نقل الطلبة من حالة التكرارية إلى الابتكارية ومن الاستهلاكية إلى انتاج أفكار متجددة، بما يعنيه ذلك من أهمية ان يتبني البرنامج الصيف خط سير واضح يتناغم مع أولويات رؤية عمان 2040 والتوجهات الوطنية الساعية لتعزيز البناء الفكري للأجيال، واحتواء الشباب، وتقدير المهارة، وتعزيز التجارب وصقل الخبرات، وبناء الأطر، وتحصين الشباب من الأفكار التحريضية والاحادية والتفكير المزاجي، وتأصيل الثقافة الحقوقية وبناء فقه القانون ثم الوقوف على التحديات التي باتت تواجه الشباب خاصة التحديات الفكرية والنفسية والأمنية والنفسية والاجتماعية وإعادة انتاج دوره في منصات التواصل الاجتماعي، والتأكيد على الأولويات الوطنية التي وجه إليها جلالة السلطان المعظم فيما يتعلق بتربية النشء، والمحافظة على الهوية العمانية، وتعزيز القيم العمانية الأصلية وتأصيل المهارات وبناء المواطن الصالح القادر على رسم ملامح القوة في كل مواقف العمل والمسؤولية.

وبالتالي فإن المرجو أن تتفاعل أهداف البرنامج الصيفي وإنجازاته ومحتوياته مع طموحات الطلبة في مختلف الاعمال والمستويات الدراسية ، ويضع في الحسبان إعادة رسم ملامح التحول في محتوى الرسالة التي يقدمها للمجتمع والصورة الأخرى التي تعكسها على ممارساتهم ، ليكون صيف الطلبة بيئة تعليمية تفاعلية وتدريبية أكثر تقنينا واحتواء ، وتتسم بالمزيد من الفرص التي تتيح للطلبة اختيار طريقة تعلمهم مع إعطاء مكونات الهوية والقيم والعمل الاجتماعي والتطوعي المصحوب بالممارسة الميدانية أهمية كبيرة، بالإضافة إلى تعريض الطلبة ومن خلال تقديم البرامج التدريبية لهم في مختلف الشركات ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية إلى بعض النماذج والمهام العملية واكتشاف مستوى امتلاكهم للمهارات التي تؤسس فيهم امتلاك المهرات الناعمة القادرة على إدماج هذه المهارات في سوق العمل العلى حل المشكلات والتواصل وإدارة الأزمات والتعامل مع الحشود وإدارة المشاريع الاحترافية وغيرها من المهارات الناعمة التي باتت تمثل قيمة مضافة في تعلم الطلبة.

وعليه فإن تحقيق هذه الموجهات التي اشرنا إلى بعضها مرهون بحجم الممكنات التي يمتلكها البرنامج الصيفي في الاستثمار في صيف الطلبة، بحيث تتعدى المسالة مجرد دخول شكلي للطلبة في البرنامج على مستوى المحافظات إلى تعميق فرص الاستفادة في ظل طبيعة المهارات التي يمتلكها الطلبة إلى تقييم كيفية الاستفادة منها في حياتهم اليومية ، وعبر إطار منهج علمي كفؤ واستراتيجيات أداء متكاملة ، واجندة عمل واضحة وحقيبة تدريبية وتعليمية يتم دراسة متطلبات تنفيذها مع المؤسسات التعليمة الحكومية والخاصة بما يراعي طبيعة المحتوى والابعاد الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية عبر التركيز على المحتوى النوعي ذي القيمة النوعية المتناغم مع طبيعة المرحلة والملبي لمعطيات رؤية عمان 2040 فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع والهوية والقيم، و يعمل على خفض درجة القلق والخوف وكسر الحاجز الجليدي الذي يواجه الطلبة في تعلمهم ، الأمر الذي سيشكل تحولا نوعيا في طبيعة البرنامج وحجم الاستفادة منه والصورة التي يقدمها للمواطنين، والروح التي يبرزها والمواهب التي يصقلها والتي تتم عبر منح الطلبة فرص اكبر للاكتشاف واستيعاب الواقع وتبني استراتيجيات تقييمية تصنع الفارق، هذا الامر بدوره بحاجة إلى تبني اطار وطني واضح للبرنامج الصيفي بحيث يتجاوز التنازع في الاختصاصات و الازدواجية في العمل إلى ضم قطاعات الدولة المختلفة في رؤية عمل واحدة وموجهات تحفظ حق الطلبة في تعلم يتسم بالتنوع والمهنية والأولوية ويتيح للطالب فرص أكبر لإدارة ممارساته والتقليل من الهدر و الصرف الاستهلاكي، وفاقد العمليات المتكررة وفق مرجعية واضحة وبرنامج عمل يضم بين دفتيه محتوى علمي ثقافي وفكري وديني وقيمي أكثر ثباتا ووضوحا، بحث تجند له الخبرات الوطنية ممن هي على مقاعد العمل مع الاستفادة من المتقاعدين في إعادة التسويق له وإدارة متطلباته على مختلف المحافظات.

من هنا تأتي أهمية مراجعة برنامج صيف الطلبة بشكل يقلل من الممارسات المتكررة فيه ويركز بشكل اكبر على الأبعاد المهمة ذات القيمة المضافة فيما يتعلق بتدريب الطلبة المهني وصقل مهاراتهم الفنية والتقنية، مع المحافظة على بناء سلوك ترويحي يصنع منه الطلبة فرص استجمام لتغيير نمط التفكير لديهم وزيادة مستوى المخاطرة عبر الاستكشاف والبحث وتعلم المهارات وتجريبها وتدريس القيم والعمل التطوعي والانتقال إلى تطبيقاته ونقل برنامج صيف من كونه نسخه مكررة من التعليم إلى مساحة ترويحية ثقافية فكرية سياحية وفضاء تعليمي يتنقل الطلبة في بستانه مع المحافظة على درجة الثبات والاستقرار في هوية البرنامج وإطار عمله، الأمر الذي سيقد ابعاد ترويحية واستجمام فكري يبحث خلاله الطالب عن فاكهة الصيف بروح ملؤها الشغف والرغبة ، فهل سيضع برنامج صيف الطلبة مكتسبات الجائحة مبررا لتطويره ، وهل ستسهم جهود مؤسسات التعليم في استقطاب الدعم ومبادرات القطاع الخاص والشركات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبحث العلمي والابتكار والريادة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في توجيه الأنظار إلى برنامج صيف الطلبة ؟

Your Page Title