أثير- مكتب أثير في تونس
حاوره: محمد الهادي الجزيري
حكاية عمر كما يقال ، عرفته منذ ما يقربُ من أربعين سنة، وكنّا نحضر للكبار من مبدعينا، كان بيته في ليبيا ويحجّ إلى تونس، ومرّ الزمن وانخرط في العمل الدبلوماسي فأوغل في الأرض ثمّ وقع الذي وقع في بلدينا فانكمش كلّ واحد على حزنه وشعره وآلامه وطموحاته، وفجأة فُتح باب الحوار عبر أدوات التواصل الاجتماعي فكان هذا الدفق الحميم وكان مثلما أعرفه صريحا بهيّا وباح فرج العربي بكلّ ما عنده لقرّاء أثير :

-أستغل عنوان إحدى مجاميعك الشعرية بتصرّف منّي العمر دفعة واحدة أعطيته للشعر والقراءة والكتابة ، وتقول إنّ لك مشاريع أخرى في المستقبل ، مثل ” أنا وعطرها مجموعة شعرية ” وقراءات ودراسات في الشعر العربي تحت عنوان ” صمت اللغة فضاء الشعر ” ومخطوطات أخرى لم تكتمل، أمازلت نبعا للحبّ والسلام في زمن الحروب، نودّ أن نعرف ماذا تعدّ لنا من مشاريع كتابة ؟
هو هكذا أحسنت ياصديقي عنوان يختزل حالة الوقت والزمن والحياة ويحملنا إلى اختزال أعمارنا فالحياة قصيرة مهما امتدت سنوات العمر ومشاريع الكتابة هي محاولة للتعبير عن أنفسنا من خلال ما نواجهه في هذا العالم، حالة الفوضى والحروب وانهيار منظومة الأخلاق والعلاقات الإنسانية وهذه المخطوطات لا تمثل سوى جزء يسير مما أعيشه، ففي أحيان كثيرة لا نستطيع التعبير عن كل ما نشعر به وقد نكتفي في أحيان أخرى بممارسة الحياة دون القدرة على الكتابة.


ــ من تدويناتك على الفيسبوك، كلمة حبّرتها سنة 2013 وقلت فيها التالي:
” ربما كانت الكتابة مرض كما قال ( بيكيت ) ذات زمن فلا مهرب من اللجوء إليها عندما تحاصرنا بشاعة العالم أو يحاصرنا الحب الذي نشتهي ويمنحنا سر الحياة، ربما كانت الكتابة ضرورة لمن أصيب بها و تبقى الحالة التي نجد فيها أنفسنا، حيث ﻻ مفر لنا من ذلك . ” أمازلت تحدس بمرض الكتابة وكونها علّة من العلل لا بدّ من الشفاء منها، وهل شفيت منها أم صرت هيَ، انغمست فيها وانتهى الأمر؟
الكتابة قد تكون ورطة أيضا خصوصا عندما ندمنها فلا مفر لنا منها وربما هي التي تعطينا المعنى لوجودنا، أقصد من لا يعرف غير الكتابة مثلنا وربما هي عملنا الحقيقي، الكتابة وحدها لا تكفي من أجل لقمة العيش لذلك نسعى في أعمال كثيرة ونكدح من أجل أن نأمن حياتنا ونستطيع أن نكتب دون قلق وأحيانا تكون الكتابة قاصرة عن التعبير لما نريد قوله إزاء القبح والجمال أيضا إزاء الفرح والحزن قد تكون حالة تشبثنا بالحياة وعدم اكتراثنا بالموت الذي قد يأتي في أي لحظة .
إزاء الموت هناك الرغبة الأكيدة في الحياة
إزاء الدماء التي تذرف بدون ذنب هناك رغبة أكيدة من اجل الاستحواذ على الغد الذي نراه قريبا باتساع احلامنا
هناك ضوء رغم ظلمة النفق واتساع دائرة الكراهية.
ــ مهووس بالسفر داخل الكلمات وخارج السرب، وقد وفّر لك اشتغالك بالسلك الدبلوماسي فرصة الجموح في الأرض ، كيف كانت تلك المغامرة، ومتى وأين أوغلت في العالم في عدة دول في آسيا وأوروبا وإفريقيا ؟
السفر ليس مجرد متعة في التنقل واكتشاف اماكن جديدة بل هو معرفة شاسعة لاكتشاف كل شئ ، كان لدي هوس بالسفر منذ كنت صبيا وطالبا بالمدرسة الثانوية ، حيث كنت أعمل أثناء العطلة الصيفية من أجل تدبير أموال للسفر وفي نهايتها كنت أسافر ومازلت أذكر أول سفرية لي كانت إلى أثينا وبعد اطلاعي على الفلسفة والأساطير الإغريقيه والرغبة في معرفة موطن الإغريق وحياتهم، واستمر هوسي بالسفر وما يزال وربما عملي فيما بعد بالسلك الدبلوماسي أتاح لي الإقامة في عدة دول وكانت تجربتي الأولى في أنقرة حيث قضيت عدة سنوات ولم أكتشف من خلالها فقط الأماكن ودراسة اللغة والبشر فقط بل اكتشفت نفسي لأول مرة ، واستمرت حالة السفر من خلال عملي لحضور مؤتمرات وندوات في عدة دول حيث ترجلت عند سور الصين العظيم وأقمت في عشق أباد حيث معبر طريق الحرير، شاهدت آثار خراسان القديمة ، وكتبت على جدرانها ذكرى عبورنا أنا وحبيبتي عندما كان حمل القوافل ثقيلا على ظهورنا، وذهبنا بعد ذلك إلى أقصى الشمال حيث لا تغيب الشمس وعبرنا بحر البلطيق من ستوكهولم الي هلسنكي على ظهر سفينة اسكندنافية، السفر لم يكن ممتعا دائما لأنه كان بين مكابدة العمل ومعرفة أماكن جديدة وبشر وعادات وعوالم مختلفة.
ـــ ” عندما فتحت باب البيت
وجدتُ الهواءَ أمامي شاغرا
واكتشفتُ أنني وحيد ” هذه خاتمة إحدى قصائدك القديمة ، هل فتحت الباب للآخر كما يجبُ، وهل تعتقد في قرارة نفسك أنّك وحيد ، جئت وحيدا وسوف تمضي وحيدا، ألا تؤانسك قصائدك أو نصوصك أو لا أحد ؟
هذا النص كتبته منذ سنوات طويلة عندما كنت وحيدا أثناء عملي في تركيا حيث أتاحت لي الوحدة ذلك الوقت إعادة قراءة تجربتي الحياتية وعلاقتي بالأصدقاء ومعرفة نفسي من جديد ، ولكن ليست هي تجربة حياتي الوحيدة لأنني بعد ذلك تغيرت ملامح حياتي عندما تعرفت إلى امرأة أثثت حياتي بحضورها وتؤانسني في وحدتي وصارت رفيقة العمر في السفر والترحال وصارت أهلي وناسي وأصدقائي فهناك من يشاركني وحدتي خصوصا بعد أن تغيرت العلاقات الإنسانية ولم تعد بتلك الحميمية التى كنا نعيشها

ــ شدّتني جملة في خاتمة تعريفك للفرج العربي وهي : ” تعنيني القراءة والحياة أكثر من الكتابة أحيانا لذلك أنا كسول في النشر رغم انه بحوزتي مخطوطات بحاجة إلى النشر ” ألا تعني القراءة كتابة أخرى، ألا تمثّل ترتيب جديد للعالم..؟
القراءة بالفعل أحيانا تكون كتابة أخرى وتمنحك المتعة في علاقتك بالعالم واكتشاف تجارب الآخرين والتعلم منها وأيضا ممارسة الحياة كما تحب وتريد كتابة من نوع أخر بل قد تغنيك عن حالة الكتابة بالكلمات والحروف ، هناك شعراء يمارسون الشعر دون أن يكتبوا حرفا واحدا، والأجمل دائما أن تعيش الشعر لا أن تكتبه