مسقط – أثير
يعد مفهوم الصورة الذهنية من المفاهيم المهمة التي حظيت بحضور واسع في الأبحاث الاتصالية والإعلامية إلى جانب حقول المعرفة الأخرى؛ وذلك لدورها البارز في تكوين آراء الأفراد وتوجيههم، فضلاً عن دورها الفعال في اتخاذ القرارات. وتعد قدرة الدول على خلق صور ذهنية إيجابية لها، والحفاظ على تلك الصور أحد أسباب قوتها؛ لذا أصبح رسم صورة ذهنية جيدة في مقدمة أهداف الإدارات والحكومات والأنظمة السياسية التي تبذل قصارى جهدها وجميع إمكانياتها لتحقيقها.
ونظراً لقلة الدراسات العلمية التي سلطت الضوء على الصورة الذهنية للسلطنة من وجهة نظر غير العمانيين، أعدت الباحثة رحمة بنت حارث بن ناصر الحراصية، طالبة الماجستير بقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس رسالتها تحت عنوان “الصورة الذهنية لسلطنة عمان لدى غير العمانيين/ دراسة ميدانية على أكاديمي جامعة السلطان قابوس”، بإشراف الأستاذ الدكتور عبدالله الكندي، رئيس قسم الإعلام، مشرفاً رئيساً، والدكتورة فاتن بن لاغة، أستاذ مساعد في العلاقات العامة مشرفاً ثانياً.
وتعد الدراسة الأولى من نوعها التي تتناول الصورة الذهنية لسلطنة عمان لدى غير العمانيين، إذ يوجد فراغ معرفي يتمثل في غياب معلومات موضوعية وعلمية محددة ومنتظمة عن طبيعة الصورة الذهنية لسلطنة عمان وعوامل تشكلها لدى غير العمانيين، ودور الإعلام والأنشطة الاتصالية في تشكيلها، ولا تتجاوز المعلومات المتوفرة في هذا الجانب –اعتمادًا على مسح التراث العلمي- مستوى الانطباعات والأفكار المبعثرة وغياب المعلومات والتفسيرات العلمية الموضوعية والمنتظمة لهذه المواقف والانطباعات. إضافة إلى ذلك، تركز الدراسة على العديد من الجوانب التي تسهم في تشكيل الصورة الذهنية للسلطنة لدى غير العمانيين، وبالتالي من الممكن أن تبنى عليها دراسات مستقبلية أكثر تخصصية بالشأن العماني في المجال السياحي، أو الثقافي، أو السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي.
وقد سعت الدراسة إلى الكشف عن الصورة الذهنية لسلطنة عمان لدى الأكاديميين غير العمانيين العاملين بجامعة السلطان قابوس قبل قدومهم للعمل في السلطنة وبعد قدومهم واستقرارهم فيها، وتحديد عوامل تشكل هذه الصورة لديهم، إضافة إلى دور الأنشطة الاتصالية التي تقدمها الجهات المعنية للتعريف بالسلطنة في تشكيلها، وذلك باستخدام الاستبانة الإلكترونية.
وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أبرزها أن تقييم المبحوثين لصورة سلطنة عمان كبيئة عمل وبيئة سياحية وبيئة ثقافية وصورة المجتمع العماني جاء مرتفعاً، وأن تقييمهم لصورة السلطنة كبيئة اقتصادية وبيئة سياسية جاء متوسطاً، كما أشارت النتائج إلى أن صورة سلطنة عمان لدى الأكاديميين غير العمانيين بشكل عام في جميع المحاور هي صورة إيجابية، فيما عدا صورتها كبيئة سياسية وبيئة اقتصادية فقد جاءت الصورة في هذين المحورين مختلطة نظراً إلى توجه المبحوثين إلى الحياد في هذين الجانبين، وهو أمر طبيعي نظراً لخصوصية هذين المجالين.
وكشفت الدراسة عن أهم العوامل التي أسهمت في تشكل الصورة الذهنية للسلطنة لدى الأكاديميين غير العمانيين وهي الاتصال الشخصي مع الأهل والأصدقاء، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأن أكثر عوامل تشكل الصورة الذهنية دقة وكفاية هي الاتصال الشخصي، وأقلها وسائل الإعلام في بلدان المبحوثين، كما أوضحت نتائج الدراسة أن المبحوثين تعرضوا لمجموعة من الأنشطة الاتصالية التي تقدمها السلطنة للتعريف بها، وكان أهمها المؤتمرات العلمية، والأنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان لهذه الأنشطة تأثير إيجابي على قرارهم للعمل في السلطنة.
وأوصت الدراسة بضرورة حث الجهات المختصة بالتعريف بالسلطنة، والتسويق لها لصياغة وتخطيط استراتيجيات اتصالية لمواقعها الرسمية، ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة لها، باعتبارها مصدراً للمعلومات، كما أوصت الدراسة الاهتمام بالأنشطة الاتصالية التي تسعى للتعريف بالسلطنة، والتسويق لها، وتوظيف عناصر الهوية الوطنية في إنتاج مضامين تفاعلية متنوعة من شأنها أن تسهم في التسويق للسلطنة، وبناء صورة ذهنية جيدة لها. إضافة إلى ذلك، أوصت الدراسة بإعداد أبحاث أكثر تعمقاً في مجال الصورة الذهنية لسلطنة عمان لكل جانب من الجوانب التي تم دراستها في الدراسة الحالية.