أثير – د. رجب بن علي العويسي
لمّا كانت نتائج الفرز الأول للقبول الموحد قد حملت معها الكثير من المواجع والأخبار غير السارة لدى الكثير من الطلبة الذين تبددت أحلامهم نتيجة عدم حصولهم على مقعد لهم بالرغم من ارتفاع المعدل العام، كما أن الكثير من الطلبة الذين حصلوا على القبول في الفوز الأول لم يتم قبولهم في مؤسسات التعليم العالي والجامعات ذات الأولوية في اختياراتهم الدراسية والتخصصات التي وضعوا أحلامهم نحوها الأمر الذي عاشت خلاله الأسر أياما عصيبة وانقلبت حال البيوت إلى مراثي عزاء وصراخ وصياح نتيجة هول الصدمة، وصورة باهته غير واضحة في معايير القبول والمتطلبات التي يتم الاعتماد عليها في تحديد الاختيارات وآلية الفرز على الرغم من التعديل المتاح للطلبة في اختياراتهم بعد نتائج الفرز التجريبي، ولم يبقى بعد ثقتهم بالله القادر على تحويل هذه المحن إلى منح وتفاؤل بقادم مشرق، إلا أن يجدوا في الفرز الثاني مساحة أمان لهم في مقاعد لهم في مؤسسات التعليم العالي داخل السلطنة وخارجها.
على أن ما أثاره الطلبة أنفسهم وأولياء الأمور من نقاشات وتساؤلات عبر منصات التواصل الاجتماعي حول الضمانات والموجهات والبدائل والخيارات التي يجب على منظومة القبول الموحد أن تتعاطى معها في سبيل الحد من حالة الاحتقان المتكررة سنويا في هذا الملف والتأثيرات الناتجة عنها على قناعات الطلبة حول التعليم، بما يقلل من ردّات الفعل السلبية وتؤسس لمنظومة إدارة مشاعر الطلبة واحتوائهم والأخذ بأيديهم، يؤكد الحاجة إلى مراجعات جادة تأخذ في الحسبان هذه المحطات وجوانب القصور وكيفية الحد منها، وإنتاج صورة أكثر تفاؤلية واحترافية تعكس تطويع هذا النظام وتكييفه بما يراعي رغبات الطلبة من جهة ويتوافق مع عدد المقاعد المتاحة للطلبة في مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة وفي الداخل والخارج، وإعادة قراءة الواقع التعليمي لضمان تحقيق معادلة القوة التي تصنع للتعليم حضورا نوعيا وثقة مستمرة في فقه الطلبة، وتصبح مسألة إعادة إنتاج وتصحيح المسار أولوية يجب أن تدرك للحد من عامل القلق، ورفع سقف التوقعات النوعية والاعلاء من الدوافع الإيجابية لدى الطلبة، ليجد مخرجات الدبلوم العام في مثل هذه المراجعات فرصة لالتقاط الأنفاس واستشعار حجم الاهتمام الذي تقدمه منظومة التعليم نحو مخرجاتها، الأمر الذي سيكون له أثره في مستقبل الطالب وحياته الأكاديمية، وينعكس إيجابا على شخصيته وامتلاك الأدوات والممكنات والمعينات التي تساعده للوصول إلى المستوى العلمي والتحصيل الأكاديمي في حياته الجامعية، فتقل بذلك عقدة الانسحاب في السنة التأسيسية لطلبة الدبلوم العام في مؤسسات التعليم العالي، كما تتقلص مساحة الملاحظات الأكاديمية للطلبة التي باتت تمثل مسارا مقلقا في حياة الطالب الجامعي وأسرته والمؤسسة الأكاديمية ذاتها في ظل معاييرا الاعتماد الأكاديمي والاعتراف، بل سيكون لذلك انعكاساته السلبية على نظام التعليم عامة الذي يقرأ فيه الطلبة صورة أخرى غير مريحه لهم، كنتاج لعدم قدرته على صناعة الفرص واحتوائهم أو محاولة البحث في أفضل الممارسات التعليمية التي تشكلت لديهم في السنوات الماضية وتعظيم أثرها في مستقبلهم التعليمي.
كما أن ما تفصح عنه طريقة التعاطي مع نتائج طلبة الدبلوم العام، والمقاعد الدراسية المتاحة لهم، وتدخل بعض المواد في تحديد توجه الطالب وتقرير مصيره الدراسي وغيرها من المتغيرات الدقيقة التي باتت بحاجة إلى مراجعات وتصحيحات مستمرة، يؤسس للحاجة إلى الاستفادة من هذه السقطات أو التحديات لتعريف طلبة الدبلوم العام بها وهم على مقاعد الدراسة، بحيث تتخذ المدارس بناء على هذه النتائج والرصد المستمر للطلبة المقبولين في مؤسسات التعليم العالي والجامعات جملة من الإجراءات الثابتة في عمليات التوجيه المهني والأكاديمي للطالب، وتصبح هذه النتائج مائدة تعليمية للطلبة يستفيد منها قطاع التوجيه المهني والاكاديمي في المدارس حول الصورة التي يجب أن يستدركها الطالب وولي الأمر حول النتائج، لقد أوجدت هذه المتغيرات الكثير من حواجز الصد في مستقبل الطالب الدراسي، وشكّلت تحديا للطموحات وكسرا للخواطر، نظرا للتغيير المستمر فيها أو غياب البعد التوعوي والتثقيفي والتوجيهي نحوها، أو ضبابية هذه المسار لدى ولي الأمر، والقناعة حول المجموع الكلي أو المعدل العام للطالب، في حين أن واقع نظام القبول يثبت غير ذلك، لذلك كانت الحاجة إلى هذه التصويبات للمسار والمراجعة لآليات العمل والوقوف مع مشاعر الطالب النفسية باعتبارها المحك الذي تدور حوله هذه المنظومة، والتي إن لم تستدرك من قبل نظام القبول الموحد، وتتفق بشأنها الجامعات وتتفاعل الأدوات والموجهات في تقليل التباين في معايير قبول الطلبة من مخرجات الدبلوم العام لتضع ها جميعا أمام مسار تقييمي واحد ومدخلات موحدة لقبول الطلبة، ومع تكرر هذه الممارسات ومعاناة مخرجات الدبلوم العام وما ترتب عليه من تعقد فرص الالتحاق والازدواجية في العمل التي لم يستطيع نظام القبول الموحد أن يوجد لها معالجة شاملة بحيث تتنازل فيه بعض المؤسسات التعليمية عن سلطتها ومعاييرها الخاصة لتندمج مع عدالة معايير الوطن.
عليه فإن المسؤولية الأخلاقية والوطنية والإنسانية تؤكد اليوم ضرورة إنصاف مخرجات الدبلوم العام ومراعاة أنظمة القبول الموحد لكل هذه المعطيات، وانعكاسات ذلك على مستقبل الطلبة في سلوك اللامبالاة والإهمال، وارتفاع معدل القلق والتشتت الفكري والتذبذب المعرفي، لتكون النتائج على غير المأمول، فتنهار قواه الفكرية، وتنسد أمامه أبواب المستقبل، وتنغلق مصابيح الأمل، فيتعكر مزاجه، ويصبح رهين صراعات داخلية وأفكار أحادية وقناعات سلبية ونوازع تتجه به إلى التنمر والعدائية والتذمر وعدم الرضا، فالآمال قد تحطمت أمامه، والأبواب قد أغلقت في وجهه، والفرص قد سلبت منه عنوة، والحق قد غمط عليه، والرزق قد قطع عنه، فتزول منه الحيوية ودافع الإنجاز وحب المبادرة ورغبة المنافسة وفسحة التحدي وضمير المسؤولية والثقة في النفس والتعليم، لتصبح هذه النظرة التشاؤمية في الحياة والمستقبل، والصورة الذهنية الباهتة التي تتولد لدى الطلبة وهم في سن الزهور، وبداية الحياة الإنتاجية، تراكمات تسيطر على مدارك التفكير لديهم، وتقلل من مستوى الإنتاجية والطموح والتوقعات، فيصبح هذا التفكير ملازما لهم، والنظرة التشاؤمية رديفة لمستقبلهم، تسير معهم أينما ساروا، ويتجهون بها أينما استقروا في حياتهم الأكاديمية والمهنية والوظيفية، لتتجه أصابع الاتهام إلى نظام التعليم بكل تفاصيله ومكوناته وعناصره، وأن الواقع الذي وصل إليه، إنما بسبب هذه الفجوة في أداء المنظومة، لقد ضاع المستقبل وضاعت معه الفرص واختزلت منه جماليات الحياة ومهاراتها ومقومات النجاح التي ظل الطالب محافظا على الصدارة فيها لسبعة عشر عاما.