أثير – ريـمـا الشـيخ
الحزن والغضب اللذان يلازمانا في بعض الأحيان ليسا دائما صفتين غير محببتين، فأحيانًا يوجِدان فينا مسارًا رائعًا، لتبرز طاقاتنا في صور رائعة لما في داخلنا، ونعبر بها بما يجول في خاطرنا، لتظهر للواقع على شكل لوحة يعكسها فكرنا للوجود.
هذا ما عملت به الفنانة السيدة بشرى بنت حمود بن نصر البوسعيدية، خريجة صيدلة من جامعة Strathclyde بمدينة جلاسكو-اسكوتلندا، التي تعمل حاليًا رئيسة لقسم معلومات الأدوية في مستشفى جامعة السلطان قابوس، حيث تواصلنا معها أثناء مشاركتها في معرض فني بعنوان “الفقد”.
فما قصتها، وكيف جمعت بين الصيدلة والرسم؟
بدأت قصة بشرى في عالم الرسم منذُ عام 2017م، حيث كانت تعيش أيامًا صعبة مشحونة بضغوطات كثيرة وحزن كبير، كفقدان والدها، والعمل والتزاماته، ثم تشخيص أصغر أبنائها بطيف التوحد.
تقول بشرى عن ذلك لـ “أثير“: أصبحت في تلك الفترة إنسانة عصبية غير قادرة على التركيز في أي شي إيجابي، لكني أخذت بنصيحة صديقة لي، وهي المحاولة لإيجاد وقت لعمل شيء لنفسي، فقررت المشاركة بورشة عمل لصبغ الأثاث مدتها 3 ساعات، تعلمت فيها أساسيات الصبغ، وبعد ضبط طريقة العمل قررت إعادة صباغة بعض قطع الأثاث في المنزل كطاولة المنزل والكراسي، وكانت الساعات التي أقضيها في صبغ تلك القطع من الأثاث تمنحني الهدوء وراحة لذهني.
وتضيف: قررت المحاولة في مجال الرسم، وقمتُ برسم أول لوحة لي للبحر، حيث استلهمت الفكرة من رسامة تابعتها على منصات التواصل الاجتماعي، ومنذُ ذلك الوقت قررت المتابعة بهذا المجال، فكل ما أحسست بضغط، أو إرهاق أو غضب أقوم بالرسم، والغريب بالأمر بأن جميع لوحاتي التي رسمتها تعبر عن مشاعري السلبية، لكن في النتيجة هناك لوحة جميلة تحوي الكثير من التفاصيل.
وتذكر بشرى بأنها لم تجمع بين عالمي الصيدلة والرسم فقط بل أكثر من ذلك، قائلة: أنا صيدلانية وأم، ولدي حساب على منصات التواصل الاجتماعي متخصص لطبخ الكعك، كما أقوم بورشات للأطفال في المنزل لتعليمهم بعض المهارات المختلفة، وأيضًا أعمل كمعالجة باستخدام الطاقة الحيوية ”البرانا“، وكوني أمًا لأربعة أولاد، وقادرة على عمل كل هذا في المنزل فهذا يعد نعمة من رب العالمين، وقد وجدت الدعم المعنوي الكبير من زوجي وكذلك أولادي.
وعن مشاركاتها في المعارض تقول بشرى البوسعيدية: لقد شاركتُ في معرض للرسم قبل 3 سنوات مع مجموعة من الأصدقاء بعد تردد كبير، ويمكنني القول بأنه كان بداية موفقة لي كوني لم أدرس الفن في جامعات أو مدارس كمعظم المشاركين في ذاك الوقت.
وتوضح عن مشاركتها في معرض “الفقد” بقولها: مشاركتي بهذا المعرض هو فرصة أخرى لي، وأشكر القائمين عليه لتوفيرهم هذه المساحة مع كثير من التسهيلات، وقد اخترت بعض اللوحات القريبة مني لعرضها في هذا المعرض الذي بدأ بتاريخ 1 من سبتمبر وسيستمر إلى نهاية الشهر بإذنه تعالى، حاملةً معي رسالة واحدة وهي “هناك حل لكل شيء مهما كانت الحياة صعبة، فالله عز وجل يرى ما في القلوب وسيرعاها بكل تأكيد”، وعندما نجد عملًا نتقنه، سنخرج من أزماتنا.
لم تتبع البوسعيدية فنًا معينًا في الرسم، معللة ذلك بقولها: لا أستطيع القول بأني أتبع نوعا معينا من الفن، فطريقة الرسم لدي تختلف بين الفينة والأخرى، على حسب ما أمر فيه وأشعر به، فأحيانًا تلهمني المناظر الطبيعية، وفي مرات أخرى الشواطئ، لكن هناك أوقات لا أستطيع فيها رسم المناظر الطبيعية أبدًا وأتجه إلى الرسم التجريدي أو رسم صور لوجوه، وكنت أشعر بعدم الثقة بعض الشيء كوني لم أدرس الفن، لكن الدعم المستمر من الأهل كان الحافز الكبير لي، فبالنسبة لي الرسم هو متنفس قبل أن يكون فنا، فمن أحب رسمي فأنا ممتنة له ومن لم يحبه فأنا أيضًا ممتنة لإبداء رأيه.
“لكل من تمر بضغوطات في الحياة وأخص بالذكر أمهات أطفال التوحد، ابحثي عن مساحتكِ الخاصة، وتذكري أنكِ لستِ وحيدة”، بهذه الكلمات ختمت السيدة بشرى البوسعيدية حديثها مع “أثير”، شاكرةً كل من قدم لها الدعم المعنوي للمواصلة في مجال الرسم وتقديم الأفضل.