أثيريات

هل أصبح تطبيق مسار التعليم ثنائي اللغة في المدارس الحكومية ضرورة؟

هل أصبح تطبيق مسار التعليم ثنائي اللغة في المدارس الحكومية ضرورة؟
هل أصبح تطبيق مسار التعليم ثنائي اللغة في المدارس الحكومية ضرورة؟ هل أصبح تطبيق مسار التعليم ثنائي اللغة في المدارس الحكومية ضرورة؟

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

قد يرى البعض في طرحنا لهذا الموضوع نوعا من التهور والمجازفة، وإرهاق الطلبة بمسار تعليمي آخر فيه من الصعوبة والثقل بما لا يحتمله الطالب خاصة في ظل الثقافة العامة السائدة بشأن اللغة الإنجليزية، والصعوبة التي يواجهها أولياء الأمور في تعليم أبنائهم ، والالتزامات المالية الكبيرة التي تتطلبها في حالة ما إذا تم اعتماد الدروس الخصوصية كحل مؤقت في التعويض عن الفاقد التعليمي في هذه المسألة، ومع الاتفاق مع هذا الطرح، وإدراك كونه مجازفة قد تثقل كاهل زوالي الأمر وتضعه أمام واقع جديد، إلا أن طرحنا لهذا الموضوع جاء في ظل مسوغا واقعية ومبررات أفرزها واقع نظام التعليم والممارسة التعليمية الحاصلة بالمدارس.

ذلك أن كون اللغة الإنجليزية لغة الاقتصاد والعمل والمجتمع الوظيفي والمشاريع الاقتصادية والتسويق والبحث العلمي وريادة الأعمال والترويج والتعامل مع المصطلحات التي أفرزتها التقنية وعالم منصات التواصل الاجتماعي ، واعتماد اللغة الإنجليزية شرطا أساسيا في التوظيف في الشركات والقطاع الخاص والوظائف الهندسية والطبية وغيرها؛ وجعل اللغة الإنجليزية واختبار الآيلتس في بعضها محطة لقبول الطالب في الدراسات العليا ، ناهيك عن أن نتائج القبول الموحد، وما أفصحت عنه من عدم الاعتماد على المعدل التراكمي العام في قبول الطلبة في التخصصات الجامعية بقدر اعتمادها على المعدل التنافسي للطلبة في اللغة الإنجليزية ، حيث أظهر الأمر عدم قبول بعض الطلبة الذين تجاوز معدلهم التراكمي 80% نظرا لكون معدلهم التنافسي في اللغة الإنجليزية أقل من غيرهم ممن هو حاصل على معدل تراكمي عام أقل من 80% بينما تم قبوله في إحدى مؤسسات التعليم العالي.

يضاف إلى ذلك أن الحديث عن المهارات الرقمية والمهارات الناعمة كالتواصل وحل المشكلات واستخدام التقنيات والمنصات الاجتماعية والتسويق الإلكتروني، والتعامل مع مفاهيم الابتكار وبراءات الاختراع، والبحث العلمي وريادة الأعمال والمنافسة والمشاركة الخارجية للطلبة، تضع التعليم اليوم أمام مراجعات تتجه به إلى مسار ثنائي اللغة باعتباره الحل الأنسب لمواجهة هذا الهدر الحاصل في الكفاءة الوطنية ، وارتفاع عدد الطلبة غير المقبولين ممن أصبح يقرؤون في بقائهم في البيوت فشلا ذريعا للتعليم الذي لم يستطع أن يؤهلهم للعيش في ظروف جديدة وواقع متجددة الأمر الذي يقلل من كسب الثقة فيه واعتماده مدخلا للاحتواء، وما زال أكثر الطلبة لا يمتلكون أدنى المهارات التي يحتاجها سوق العمل المحلي أو الشركات والقطاع الخاص، الذي يشترط امتلاك الخريج أو الملتحق به لمهارة اللغة الإنجليزية كتابة وتحدثا، وفي الوقت نفسه ما يفصح عنه واقع التعليم ومؤشراته من أن نظام التعليم في إطاره الحالي غير قادر على إعداد مخرجات سوق العمل، أو تلك التي تمتلك مهارات اللغة الإنجليزية والتي يمكنها أن تصنع من هذه المهارات فرصة متجددة في التحاقها بسوق العمل أو انضمامها إلى التعليم العالي الخاص من خلال تحملها الشخصي للمصاريف الدراسية، الأمر الذي بات يفرض التزامات مالية كبيرة إن لم يكن الطالب يمتلك مهارة اللغة الإنجليزية، فهو عليه بالتالي أن يقضي سنة تأسيسية في اللغة الإنجليزية بحسب المستوى الذي حصل عليه الطالب في اللغة الإنجليزية والذي يؤهلة لدخول التخصص، بما يعني أن امتلاكه لهذه اللغة فرصة له في الدخول المباشر للتخصص مما يقلل من حجم المصاريف المالية.

على أن واقع التعليم المدرسي اليوم يفصح عن أن تدريس اللغة الإنجليزية عبر مادة واحدة رغم ارتفاع نصيبها من الحصص الأسبوعية وزيادتها بدخول نظام التعليم الأساسي إلى السلطنة في العام 98/ 98، حيث كان تدريس اللغة الإنجليزية يبدأ من الصف الرابع، بينما اتجه بنظام التعليم الأساسي إلى الصف الأول وارتفع عدد الحصص لتصل إلى عدد أيام الأسبوع، ومع ذلك ما زالت مخرجات التعليم الأساسي وما بعد الأساسي في المدارس الحكومية غير قادرة على إتقان مهارة اللغة الإنجليزية مع وجود بعض الاستثناءات للطلبة بحسب البيئة الاجتماعي والأسرية واهتمام الوالدين والتركيز على إدخال الطالب في مراكز ومعاهد تدريب اللغة الإنجليزية لفترات متتالية، أو أن تكون مدخلات المدارس الحكومية طلبة التعليم في المدارس الخاصة ثنائية اللغة أو المدارس الدولية.

لقد اتخذت وزارة التربية والتعليم مشكورة بعض الخطوات الجادة التي استهدفت التوسع في تدريس مادة اللغة الإنجليزية ومن خلال إلغاء نظام التشعيب، والتركيز على تنوع الخيارات في الخطة الدراسية وبشكل خاص في التعليم ما بعد الأساسي؛ إلا أن المردود الناتج عن ذلك لم يكن بالمستوى المطلوب، حتى مع اتجاه الوزارة في العقدين الماضيين إلى تأهيل مخرجات الكليات المتوسطة أو الدبلوم المتوسط من معلي اللغة الإنجليزية إلى مرحلة البكالوريوس وعبر جامعة ليدز وفق برنامج متكامل استمر لسنوات طويلة، الأمر الذي أسهم في الإعداد الكفء والمتكامل للمعلمين مع مزيد من الإتقان لمهارات اللغة واستخدام أنماط تدريسية عالمية عالية التأثير والجودة والفاعلين في الموقف الصفي إلا أن التأثير الناتج عن ذلك لدى الطلبة لم يكن بتلك القوة نظرا لأسباب كثيرة قد تكون خارج المنظومة التعليمية كالمغيرات الثقافية والاجتماعية والقناعة المجتمعية، ثم مستوى حضور اللغة في سلوك مجتمع الطلبة وخطابه وحواره اليومي.

ومع ما تم طرحه أيضا من خطط وتوجهات قادمة لتدريس اللغة الفرنسية والألمانية أو غير ذلك يبقى التأكيد على إعادة مسار تدريس اللغة الإنجليزية ، الحل الضامن لتحقيق تأثير إيجابي في مسار إتقان الطالب لمهارات هذه اللغة في حياة الشخصية، وسلوكه وثقافته وحواراته اليومية؛ بمعنى أن تتم إعادة تدريس اللغة الإنجليزية ليس كمقرر واحد أساسي أو اختياري، بل عبر نظام ثنائي اللغة بأن تكون اللغة الإنجليزية لغة التدريس في المدارس لمواد أخرى كالرياضيات والعلوم والفيزياء والأحياء والكيمياء والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي والمهارات الرقمي وغيرها من المواد سواء كان للتخصصات الإنسانية والاجتماعية أو التخصصات التطبيقية والطبيعية ، سيكون له أثره الإيجابي في إتقان الطلبة للغة الإنجليزية وتجسيدها في مساقات تعليمية أخرى.

أخيرا، نعتقد بأنه آن الأوان لتقييم بنية التعليم المدرسي بسلطنة عمان، وتصحيح المغالطات الحاصلة، رغم القناعة بأن ما يتم تدريسه اليوم من محتوى تعليمي غير مؤهل لصناعة مخرجات تمتلك المعرفة العملية والمهارات المنتجة التي تلتصق بسوق العمل الوطني أو حتى بمتطلبات الحياة اليومية، وتشكَل جزءا من نسق تعليمي متفرد، يحافظ على هوية المتعلم ، ويعيد إنتاجها بصورة أكثر تمازجا وتناغما مع الثقافات والأفكار والمستجدات التي يفصح عنها الواقع، فهل سيعاد تدريس اللغة الإنجليزية وفق رؤية جديدة تتناغم مع مستهدفات رؤية عمان 2040 ؟، وهل سيتم تقييم مسار التعليم الحالي ليتجه إلى التنويع والتنافسية، وتعزيز حضور اللغة الإنجليزية كمهارة أساسية يتقنها الطالب ويستدركها باعتبارها كمحطة أساسية لانتقاله إلى المرحلة القادمة؟، الأمر الذي سيكون له مردوده في العمل على منح المهارات الناعمة والرقمية حضورا أوسع في بنية التعليم.. تساؤلات تبحث عن إجابة مقنعة عبر مراجعة جادة وصادقة تصنع الفارق.

Your Page Title