أثيريات

أولياء الأمور يسألون: من المستهدف من تدريس الحلقة الأولى؛ الطلبة أم الأمهات؟

أكثر من 1100 معلم في العام الجديد… ومعلمين من الخارج للولايات البعيدة
أكثر من 1100 معلم في العام الجديد… ومعلمين من الخارج للولايات البعيدة أكثر من 1100 معلم في العام الجديد… ومعلمين من الخارج للولايات البعيدة

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

تثير الممارسة التعليمية الموجهة في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي بعض علامات الاستفهام حول ما إذا كان المستهدف من تدريس هذه المرحلة الطلبة أم الأمهات؟، إذ الصورة الأخرى التي باتت تتشكل لدى الطلبة حول المدرسة والتعليم وأساليب التدريس ووسائط التعلم والبيئة الصفية وسلوك الممارسين، والهواجس التي بات يُسقطها الطلبة على مسارهم التعليمي في ظل زيادة حجم التكاليف المنزلية من واجبات وأنشطة ومشروعات والتزامات تستدعي المزيد من التأمل في غايات هذه المرحلة وفجوة التباين بينها والسلوك التعليمي الممارس.

ويظهر في الوجه الآخر من الصورة الاستخدام غير المقنن لجروبات الواتس اب بين الأمهات والمعلمات في هذه الحلقة والتي أعطت أكثر ضبابية حول دور المعلم التواصلي مع الطالب وإلى أي مدى أفقد تواصل معلمات الحلقة الأولى مع الأمهات عبر مجموعات الواتس اب اريحية التواصل بين الطالب والمعلمة، الأمر الذي أضر بمساحة الخصوصية التعليمية التي يجدها الطالب ، وأصلت لمنظور آخر حول مفهوم الرقابة الاسرية خاصة في ظل الاستخدام غير المقنن لهذه الجروبات والذي قد يثر نوعا من إشكالية الفهم بإرسال المعلمة للأنشطة والتفاعلات والمشاركات التي يقدمها الطلبة في الجروبات ليكون اعلام الطلبة بهذه الواجبات والتكاليف والالتزامات عبر أمهاتهم ، دون فهم من الطالب لما يجري في الموقف التعليمي او ادراك لجوانب القوة والتدني لديه وإفصاحه عن العقبات والصعوبات التي يواجهها مع طريقة تدريس المعلمة أو استيعابه للواجبات البيتية المرسلة. ناهيك عن أن هذا الأمر أوجد حالة من التباينات بين الأمهات والأبناء في ظل لغة المقارنات التي تنتشر بينهن والتجاذبات التي يظهر فيها نوع من عدم الارتياح، وعلامات الاستفهام التي تثار حول دور المعلمة، مما نتج عنه ردات فعل سلبية وبعض الصدمات التي يتلقاها الطفل وانطباعاته حول بعض أقرانه.

ولأن المسألة بدأت من التشعب ما أثقل كاهل الطلبة، فالمدارس المسائية واختصار الحصة الدراسية إلى نصف ساعة في مقابل زيادة حجم كثافة الطلبة في الصف الدراسي والإجراءات التي تحتاجها المعلمة في التهيئة لعملية التدريس ، والتغير المستمر للمعلمات نظرا لإجازات الوضع والأمومة أو غيرها، واتساع دور المعلمات بالأجر اليومي مع ما يشير إليه الطلبة أنفسهم بتفاوت أداء المعلمات وحالة عدم الجدية من البعض كل ذلك وغيره أسهم في مزيد من الهدر والفاقد التعليمي في الالتزام بزمن التعلم الممنوح للطالب، وحصول الطالب على حقه في الحصة الدراسية، وما بات يثيره ذلك من عدم الاريحية لدى الطالب وصعوبة تكيفه مع هذه التباينات في ظل الفروق الفردية وتكافؤ الفرص، ناهيك عن تدني مستوى التنسيق والتكامل بين معلمات الحلقة الأولى في تحديد واجبات الطلبة، فالكل يكلف الطلبة بالواجبات دون ان تسأل نفسها هل تم إعطاء الطلبة واجبات أخرى من معلمات أخرى أو في مجالات غيرها، كما يتم تكليف الطالب بالواجبات والتكاليف دون استيعاب الطالب لما يجري في الموقف الصفي، ولماذا تم تكليفه بهذه الواجبات؟، ولأن المتوقع أن يكون الواجب البيتي عقد اتفاق بين الطلبة والمعلمة بعد استيعابهم لهذا الدرس ليبحثوا عن الإجابة أو الحلول من خلال توظيف الرصيد المتحقق لديهم من شرح المعلمة، أو عبر دعوتهم إلى التأمل في الدرس القادم وتحضيره لتعميق الحوار بشأنه فالمسألة في تقديري الشخصي اصبحت تشوه صورة التعليم وتتجانب مع أولويات هذه المرحلة.

وبالتالي بات هذا الوضع الروتيني اليومي الممارس من مدارس الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، يثير حالة من الاستغراب لدى أولياء الأمور حول أهمية الوقت الذي يقضيه الطالب في المدرسة إذا كان في كل يوم يأتي بالواجبات والتكاليف إلى البيت، ذلك ان المفترض ان الجزء الأكبر منها يتم تنفيذه داخل المدرسة وبمشاركة المعلم ومجموعات الطلبة ، لضمان تمكين الطالب ان ينتقل إلى مرحلة متقدمة من الشعور الإيجابي بقيمة التعلم ودور المدرسة والحافز الذاتي نحو التعلم، إذ تعدى تأثير هذه المشتتات تحصيل الطالب الدراسي إلى البعد النفسي والقناعات التي يحملها حول المدرسة في ظل تراجع شغف الطلبة نحو التعلم، والقى بالحمل الأكبر على الأمهات اللاتي أصبحن يمارسن دور المعلمة لتحكي أروقة المنزل بما فيها من مجالس وصالات وما على أطقم الجلوس من حقائب وكتب واقلام وغيرها، صورة التعليم في البيوت ” صفوف مصغرة ” ، ليبقى الثقل الأكبر في معادلة تعلم طلبة الحلقة الأولى تتحمله الأمهات، وحالة الطالب في ظل هذه المعادلة والشحنات السلبية التي تخبرها بها أمه من خلال سردها للواجبات والتكاليف المرسلة من قبل المعلمات، عقبة جديدة في طريقة استيعابه للمحتوى التعليمي الذي يبدوا أنه يعيش حالة من الارتجالية وتدني مستوى التقنين والتي بدورها وضعت الأمهات والطلبة في صدامات يومية وصراخ ونزاع تعيشه الأسرة في عدم تقبل الطفل واستيعابه لهذه التكاليف ، وبين رغبته في الحصول على استراحة يعيد فيها التأمل في واقعه، والعيش في أجواء الطفولة بضجيجها البريء وشقاوتها المهذبة .

أخيرا يبقى على وزارة التربية والتعليم إعادة تقييم الممارسة التعليمية في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، وتكييف مفهوم زمن التعلم بما يحسن استخدامه في البيئة العمانية ويسهم في المحافظة على درجة التوازنات في شخصية الطالب المستقبل، وليس في إحداث زوبعة من الصراع في الأدوار، وتكبيل الطالب بقيود الواجبات البيتية والتكاليف غير الضرورة على حساب هواياته ورغباته وتوظيف مواهبة وقدرته في ان يصنع من بقية يومه مساحات أمان تجدد من نشاطه سواء بالقراءة أو ممارسة الرياضة بما يضمن نمو الحافز الإيجابي لدى الطفل حول تعلمه ، بما يتناسب وطبيعة المرحلة وما تتطلبه من مسارات أخرى تتكيف مع طبيعة الطفل المتغيرة وملكاته الفكرية والنفسية ومكنوناته الذاتية في حب التعلم والمدرسة والاقران، مع الاستفادة من التقنيات الحديثة وتوجيهها نحو مساعدة الطفل في بناء ذاته، وتشكيل اللبنات الأولى لشخصيته؛ محطة تفرض إعادة ترتيب أولويات هذه المرحلة وضبط مفهوم زمن التعلم وإعادة انتاجه في ظل المقومات النفسية والفكرية والترويحية التي يحتاجها الطالب، لتتجه المسألة إلى ضبط مدخلات هذه المرحلة من الكفاءة التدريسية والإدارية من خلال إعادة مسار اختيار وانتقاء الكفاءات النوعية لتدريس طلبة الحلقة الأولى، آخذة في الاعتبار المنهجيات والاستراتيجيات الحديثة المرتبطة بثقافة أدب الطفل وتأصيل أجندتها في برامج تدريب وتأهيل واعداد مدخلات هذه الحلقة الدراسية.

Your Page Title