أثير- د. سعيد محمد السيابي، أكاديمي في جامعة السلطان قابوس
يقال إن الطفل (ملكُ الأسئلة)، فكانت المرافقة الصغيرة (رسل) بحماسها الكبير تبحث في مطار مسقط الدولي عن الإجابات للكثير من الأسئلة عن كأس العالم، وعن الدول المشاركة فيه، وفي كل سؤال وآخر تذكر وطنها الجميل عمان بإمكاناته الكبيرة ومساحاته المترامية وحماس جيلها الذي يعايش اللحظات أثناء حدوثها بانتشار الإعلانات بمختلف أنواعها في وسائل التواصل، والسؤال الرئيس من هو المنتخب الذي نشجعه؟، ولماذا منتخب عمان لم يشارك بالبطولة العالمية؟
انتقلنا بدولاب الأسئلة من الشأن الرياضي إلى التنظيمي، وكان مفتتح الحديث: لماذا مطار مسقط هادئ بدون مظاهر عن كأس العالم؟ والإجابات البسيطة تتقدّم دائما اللسان ببديهية، إننا دولة غير مستضيفة للفعالية، ولكننا أمام تعقيد بالنسبة لشروحات أخرى، ربما الأجدر بالإجابة عنها الشركات العمانية الكبيرة التي تتنافس وتقود السوق الإعلاني بمنتجاتها، وخطف الأنظار التسويقية لهكذا فعاليات عالمية لها متابعون كُثر وتقام في المحيط الخليجي والإقليمي الذي يمكن التنافس على المستهلكين فيه، فإذا كانت دول العالم تستنفر جميع إمكاناتها وتسخر كل قدراتها الترويجية وهي في قارات متباعدة، فكيف بشركاتنا التي بعضها عالمية التوجه، والحضور الدولي بالنسبة لها مهم وأولية ولم نسمع منها شيئا، ولم نرَ لها دعاية واحدة!
تركت الإجابات المعلقة ولذت بالصمت مع نفسي لأخذ استراحة وانزويت كعادتي بركن قصيّ في المطار الذي تتناثر فيه الكراسي الخالية، فكانت لي هذه الخصوصية التي أُغلّف بها حركتي ومن خلفها طموحي، وربما تبرمج بها جيل سابق لي بذات الخصوصية!!
هبطت الطائرة وفككنا الأحزمة، وحملنا الحقائب والأعلام العمانية
ونزلنا في مطار حمد الدولي، فكان النشاط داخله كخلية النحل التي تستقبل خليتها عشرات القادمين في الوقت نفسه، فمن لحظة الدخول إلى بوابة القاعات نجد في استقبالنا عشرات العاملين الذين يوجهوننا كمشجعين إلى أماكن تخليص الإجراءات، مع انطلاق الجماهير المشجعة بهتافاتها داخل هذه الصالات وملابسهم وأعلامهم الوطنية تزين صدورهم ورقابهم ورؤوسهم، وكنا كذلك مثلهم يزين العلم العماني فخرنا بأعناقنا ولسان حالنا يقول نحن من هذا العالم المحب لهذه الرياضة ووجودنا لا يقل عن مشاركين آخرين يحبون أوطانهم ويعرفون العالم بألوانه وشعاره وأخلاق شعبه، ولأننا خليجيون ونفتخر بما أنجز من ملفات في هذا التعاون الإقليمي لشعوب منطقتنا وجدنا البوابات الخاصة بنا على مصراعيها في أرقى تعامل وتعاون من الأشقاء بدولة قطر.
وكان أول كتيّب يقع في يدي عنوانه (سحر الثقافة في قطر دليل 2022)، في ثماني وخمسين صفحة اشتملت على مفكرة الفعاليات الثقافية والتي احتوت على عنوان كبيرة باسم (الفعاليات العائلية) توزعت على الكثير من الأماكن المتنوعة داخل العاصمة الدوحة وخارجها، وانقسمت لستة فروع رئيسة هي: المتاحف والمهرجانات، والحفلات، والمعارض، والعروض الحية، والفعاليات الثقافية والفنية، فكان هذا الكتاب بالنسبة لي أنا الشغوف بالثقافة والفكر انطلاقة أخرى واضافة معرفية كبيرة، فإن سرقت الرياضة جلّ الاهتمام والرعاية بهذا الحدث العالمي الكبير، فإن القوى الناعمة القطرية كانت حاضرة بكل تفاصيل الزمان والمكان وقد ملئت الاأرجاء بتنوع الفعاليات واستمرارية العروض المحلية والدولية ومن ثقافات مختلفة فشهادة التنظيم المميز التي حظينا بها بهذه التجربة الرياضية الفريدة زادتها حلاوة الوصول للكثير من المكاسب الثمينة الثقافية والفنية المميزة والتي تابعناها من حفل الافتتاح الذي كان عالميا بامتياز وعربيا واسلاميا في القيم والبعد الحضاري لرسالتنا الإنسانية والكتابة عن ذلك اليوم الذي وصل المتابعون له لمليار نسمة ويزيد هو من أكبر النجاحات والبصمات التي سخّرت قطر لها كل طاقاتها فكان الحفل البهيج والبصمة العالمية الخالدة في تاريخنا العربي المعاصر والنهضوي الخليجي الذي حجز مكانته في قلوب وعقول العالم الحر وخريطته الذهنية.