أثير- الروائي العربي واسيني الأعرج
أثير- الروائي العربي واسيني الأعرج
بعض الحالات الأدبية التي لها تماس بالواقع والعواطف الإنسانية العميق في ظل نظام قبلي قاهر، تتحول مع الوقت إلى أسطورة. أسطورة تعيش مع الأجيال وتتلون بقصصهم وآلامهم وأشواقهم. لا تموت لأنها تعيش في أعماق الناس. لا توجد قصيدة ملحمية أثارت كل هذا الجدل بفنّها الكبير وبمحتواها الإنساني المتجدد، الذي جاءنا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مثل قصيدة “حيزية“ التي كتبها الشاعر محمد بنڨيطون (ابن قيطون)بأحاسيس ملتهبة، ثم انطفأ، ليظهر صوفياً في مكان آخر. وكأن ما حدث في الوسط كان شديد القسوة قاده نحو العزلة والتصوف. حتى أن القصيدة، كما في كل النصوص العظيمة، أكلت مع الزمن شاعرها، محمد بن قيطون. تكفي كلمة حيزية لتتجلى القصة ولا أحد يتعمق في سؤال كاتبها، مثل ألف ليلة وليلة، ودون كيخوتي، وزوربا، وكارمن وغيرها من النصوص العظيمة التي تنوب فيها العناوين عن كتابها، وهذه واحدة من سمات خلود النصوص الاستثنائية التي أنتجتها البشرية.
بعض الحالات الأدبية التي لها تماس بالواقع والعواطف الإنسانية العميق في ظل نظام قبل
ي
قاهر، تتحول مع الوقت إلى أسطورة. أسطورة تعيش مع الأجيال وتتلون بقصصهم وآلامهم وأشواقهم. لا تموت لأنها تعيش في أعماق الناس.
لا توجد قصيدة
ملحمية
أثارت كل هذا الجدل بفنّها الكبير وبمحتواها الإنساني المتجدد، الذي جاءنا من
النصف الثاني من
القرن التاسع عشر، مثل قصيدة
“
حيزية
“
التي كتبها الشاعر
محمد
بن
ڨ
يطون
(ابن
قيطون
)
بأحاسيس ملتهبة،
ثم انطفأ، ليظهر صوفياً في مكان آخر.
وكأن ما حدث في الوسط كان شديد القسوة قاده نحو العزلة والتصوف.
حتى أن القصيدة، كما في كل النصوص العظيمة، أكلت مع الزمن شاعرها، محمد بن قيطون. تكفي كلمة حيزية لتتجلى القصة ولا أحد يتعمق في سؤال كاتبها، مثل ألف ليلة وليلة، ودون كيخوتي، وزوربا،
و
كارمن
وغيرها من النصوص العظيمة التي تنوب فيها العناوين عن كتابها، وهذه واحدة من سمات خلود النصوص الاستثنائية التي أنتجتها البشرية.
القصيدة كانت مهملة، محفوظة في ذاكرة أهل الجنوب الصحراوي، في سيدي خالد، ليس بعيداً عن مدينة بسكرة (الجزائر) ومحيطها، حتى جاء الباحث الفرنسي كونستانتان لويس سونيك Sonieck في سنة 1899، ونشرها مترجمة إلى الفرنسية مع النص الأصلي مع خمس قصائد مغاربية تحت عنوان “ستّ أغان عربية بالعامية المغاربية (Six chansons arabes en dialecte maghrébin)، في مجلة الجريدة الآسيوية ((Journal Asiatique وترجمها إلى اللغة الفرنسية، وأخرجها من الغياب نهائياً، ثم أعاد نشرها في مؤلف له مع قصائد أخرى في سنة 1902 بعد أن أجرى عليها بعض التعديلات. أي خمس سنوات قبل وفاة كاتبها وافترض أن التعديلات حدثت بعد لقائه بكاتبها أو بمن يعرفه جيداً، لكن لا توجد أية علامة تدل على هذا اللقاء بسبب الوضع الذي يكون قد عاشه الشاعر بنڨيطون بعد شيوع قصيدته العشقية الجريئة جدا. بعدها بدأ المهتمون يولونها عناية خاصة بوصفها من المراثي العظيمة، قبل أن يستلمها مترجمون آخرون، جزائريون هذه المرة، معتمدين ترجمة سونيك كأرضية، فأدخلوا عليها بعض التعديلات المحلية التي غابت عن سوبييك، كما فعل الدكتور حاجيات، وبعده الدكتور سهيل ديب.
القصيدة كانت مهملة، محفوظة في ذاكرة أهل الجنوب الصحراوي، في سيدي خالد، ليس بعيداً عن مدينة بسكرة
(الجزائر)
ومحيطها، حتى جاء الباحث الفرنسي
كونستانتان
لويس سونيك
Sonieck
في
سنة 1899،
ونشرها مترجمة إلى الفرنسية مع النص الأصلي مع خمس قصائد مغاربية تحت عنوان “ستّ أغان عربية بالعامية المغاربية
(Six chansons arabes en dialecte maghrébin)
، في مجلة الجريدة الآسيوية (
(Journal Asiatique
و
ترجمها إلى
اللغة الفرنسية، وأخرجها من الغيا
ب نهائياً،
ثم أعاد نشرها في
مؤلف له مع قصائد أخرى في سنة
1902 بعد أن أجرى عليها بعض الت
عديلات
. أي خمس سنوات قبل وفاة كاتبها وافترض أن ال
تعديلات
حدثت بعد لقائه بكاتبها
أو بمن يعرفه جيدا
ً
، لك
ن لا توجد أية علامة تدل على هذا
اللقاء بسبب الوضع الذي يكون قد عاشه
الشاعر
بن
ڨ
يطون
بعد شيوع قصيدته العشقية الجريئة جدا. بعدها
بدأ المهتمون يولونها عناية خاصة بوصفها من
المراث
ي
العظيمة، قبل أن ي
س
ت
لمها مترجمون آخرون، جزائريون هذه المرة، معتمدين ترجمة سونيك كأرضية، فأدخلوا عليها بعض التعديلات
المحلية التي غابت عن
سوبييك
، كما فعل الدكتور حاجيات، وبعده الدكتور سهيل ديب.
القصيدة، كما ذكرت، عبارة عن مرثية مكونة من رباعيات مضمرة تتوحد في القافية والبيت الرابع، تلتحق بالقافية العامة التي تتحكم في القصيدة كلها (يائية).
القصيدة، كما ذكرت، عبارة عن مرثية مكونة من رباعيات مضمرة تتوحد في القافية والب
يت الرابع، تلتحق بالقافية العام
ة التي تتحكم في القصيدة كلها (
يائية
).
ما شـــــــــــــــــــفنا من دلال
ما شـــــــــــــــــــفنا من دلال
كي ضيّ الخـــــــــــــــــــــيـــــــــــال
كي ضيّ الخـــــــــــــــــــــيـــــــــــال
راحت جدي الغزال
راحت جدي الغزال
بالــــــــــــزّهــــــــد عــــــــــليـــــــــّا
بالــــــــــــزّهــــــــد عــــــــــليـــــــــّا
مما يجعل إيقاعها غنائيا خفيفاً قابلاً للإنشاد. ليس غريباً أن ينشدها كثيرون كمن ينشد ترتيلاً دينياً، وغناها أكثر من عشرة مغنين، هم على التوالي: الحاج بن خليفة (في 1933)، البار اعمر، والشيخ خليفي أحمد، ورابح درياسة، والشيخ عبابسة وابنتاه: المرحومة نعيمة وفلة الجزائرية، ولزهر جلاّلي، وفيصل بن عيشة (ألحان وشباب)، وأعاد توزيعها وتحديثها الموسيقار العالمي الصافي بوتلة، وغنتها من جديد نعيمة عبابسة والفنانة الشابة فريدة رقيبة. وكلهم غنوها على المقامات الخفيفة الحزينة، بالقصبة كما عند خليفي أحمد ودرياسة، أو بالسانتي كما عند نعيمة عبابسة. أو بالآلات الحديثة (أنستريمونتال) كما هو الحال عند الفنانين الشباب، وحتى أكابيلا (من دون موسيقى) كما عند فلة الجزائرية (روتانا). وفي كل مرة تسمع القصيدة مغناة، تترك أثراً عميقاً من الحزن في وجدان من يسمعها، حاملة جرح مؤلفها الهارب والذي لا يعرف عنه الكثير. يظل إيقاع الياي يايالصحراوي هو المؤثر والحاسم كما عند أول من غناها خليفي أحمد، عندما كان يرافق خاله المداح المعروف الحاج بن خليفة، الذي سجلها بصوته وصوت ابن أخته، في تونس في 1933.
مما يجعل إيقاعها
غنائيا
خفيفاً قابلاً للإنشاد. ليس غريباً أن ينشدها كثيرون كمن ينشد ترتيلاً دينياً، وغناها أكثر من عشرة مغنين، هم
على التوالي
:
الحاج بن خليفة (في 1933)،
البار اعمر، والشيخ خليفي أحمد، ورابح درياسة، والشيخ عبابسة وابنتاه:
المرحومة
نعيمة وفلة الجزائرية، ولزهر جلاّلي، وفيصل بن عيشة (ألحان وشباب)، وأعاد توزيعها وتحديثها الموسيقار العالمي الصافي
بوتلة
، وغنتها من جديد نعيمة عبابسة والفنانة الشابة فريدة رقيبة. وكلهم غنوها على المقامات الخفيفة الحزينة، بالقصبة كما عند خليفي أحمد ودرياسة، أو
بالسانتي
كما عند نعيمة عبابسة. أو بالآلات الحديثة (
أنستريمونتال
) كما هو الحال عند الفنانين الشباب، وحتى أكابيلا (من دون موسيقى) كما عند فلة الجزائرية (روتانا). وفي كل مرة تسمع القصيدة مغناة، تترك أثراً عميقا
ً من الحزن في وجدان من يسمعها، ح
املة جرح مؤلفها
الهارب والذي لا يعرف عنه الكثير
. يظل إيقاع
الياي
ياي
الصحراوي هو المؤثر والحاسم كما عند أول من غناها خليفي أحمد، عندما كان يرافق خاله المداح المعروف الحاج بن خليفة، الذي سجلها
بصوته وصوت ابن أخته،
في تونس في 1933.
عظمة هذه المرثية هي أنها لا تتوقف عند هذه الحدود، ولكن في قصتها نفسها التي أثارت جدلاً عظيماً متخطية السائد والمتداول والأبسط. القصة نشأت في مجتمع بدوي رحالة، ينتقل من سيدي خالد وعلى رأسه الشيخ أحمد بلباي والد حيزية، باتجاه المناطق المريحة صيفاً بازر صخرة، قريباً من العلمة وسطيف حيث الرطوبة والجو الجميل. تقضي القبيلة هناك وقتها فترة الصيف كلها وتعود بعد أن تبيع تمورها وتشتري الحبوب، باتجاه سيدي خالد في فترة الخريف، حيث يكون الحرّ قد خف.
عظمة هذه المرثية هي أنها لا تتوقف عند هذه الحدود، ولكن في قصتها نفسها التي أثارت جدلاً عظيماً متخطية السائد والمتداول والأبسط. القصة نشأت في مجتمع بدوي رحالة، ينتقل من سيدي خالد وعلى رأسه الشيخ أحمد
بلباي
والد حيزية، باتجاه المناطق المريحة صيفاً بازر صخرة، قريباً من العلمة وسطيف حيث الرطوبة والجو الجميل. تقضي القبيلة هناك وقتها فترة الصيف
كلها
وتعود
بعد أن تبيع تمورها وتشتري الحبوب،
باتجاه سيدي خالد في فترة الخريف، حيث يكون الحرّ قد خف.
“حيزية“ كبرت داخل رحلتي الشتاء والصيف. في عائلة بوعكاز، من عرش الذواودة، بطن من بطون بني هلال، وقد ذكرهم ابن خلدون في تاريخه، كما أشار إلى بعض رحلاتهم في المنطقة من زمن بعيد. والقصة حقيقية، إلا أن الأخبار متضاربة حول علاقتها بابن عمها “سعيد“ وظروف وفاتها. لا نعرف عن سعيد عشيقها أو زوجها أو حبيبها، الشيء الكثير سوى أنه نشأ يتيماً، وكفله عمه أحمد بن الباي أبو حيزية، فتربيا معاً، بالخصوص بعد وفاة أمه أيضا، وتربى الحب وكبر معهما كما تقول القصيدة، إذ هي المرجع الوحيد حتى اليوم في البحث عن حقيقتها، أو المرويات الشعبية الكثيرة والمهمة؛ لأنها تشكل تاريخاً موازياً. يروى أنه، أثناء هذه الرحلات، كبرت قصة الحب بينهما: حيزية/سعيّد. طلب يدها من والدها، لكن الرد وصلنا عن طريق قناتين: هناك إجابتان، الاحتمال المتداول تزوجها لكن الموت اختطفها منه، والاحتمال الثاني الذي تقوله كثير من الدراسات والأبحاث، أن والدها عندما وصله خبر القصة طرد سعيد من القبيلة فهرب هذا الأخير وتخفى في مكان سري خوف الانتقام بسبب أخلاقي. وذات يوم، ارتدت حيزية برنساً رجالياً والتحقت بحبيبها، لكنه عندما رآها قادمة ظنها رجلاً من أتباع الشيخ بن الباي جاء لقتله، فأطلق النار عليها، فأرداها قتيلة في مشهدية تراجيدية قريبة جداً من روميو وجولييت. فماتت بين يديه. لكن نشأت بجانب هذه القصة الأسطورة احتمالات أخرى سمعتُ الكثير منها في بسكرة وسيدي خالد وأنا أسير على وقع خطى حيزية في منطقتها. منها أن والدها عندما سمع بالعلاقة ضربها ضرباً مبرحاً فمرضت، وتوقفت عن الأكل حتى الموت. حالة انتحار تم إخفاؤها عائلياً دفعاً للفضيحة، وهي فرضية الدكتورة ليلى روزلين قريش، والدكتور أحمد الأمين (من منطقة حيزية) من جامعة الجزائر. وفي رحلتي الأخيرة لسيدي خالد حيث مسقط رأس حيزية وقبرها، وصلني من ناس كثيرين حافظوا على الرواية أو السيرة، قصة تستحق كل الاهتمام. وتستند هذه الفرضة إلى موتها الغامض أولاً كما تلمح له القصيدة، إذ ما معنى أن تموت حيزية حتى تصل إلى وادي التل حيث مقبرة العائلة وقبيلة الدواودة؟ وهل كان بنڨيطون مجرد ناقل لأحاسيس سعيد الذي طلب منه بوصفه أهم شاعر في منطقة الزيبان، أن يخلد حبيبته؟ تأمل بسيط للمرثية يخرج القصيدة من دائرة الحب العذري الوهمي الذي قال به الكثير من الباحثين، وهو لا يقف على أي مبرر، لأن القصيدة حسية، بل إيروتيكية في بعض مواقعها. ولا يمكن أن يكون الأمر رهين الخيال وحده. قد يكون، وهذا الأقرب إلى المنطق، ابن قيطون هو الشاعر الجريح، وهو العاشق الحقيقي لحيزية، ربما في صمت. وهو ما يعمق فرضية قتلها لكتمان السر. كل الذين تناولوها شعرياً مثل عز الدين المناصرة، أو روائياً مثل مايسة باي أو لزهاري لبتر، أو سينمائياً المخرج محمد حازورلي، أو الأوبريت، الشاعر عز الدين ميهوبي، ظلوا في العموم ملتصقين بالقصة المتداولة المقبولة قبليا، لكن جوهراً ما ظل مغيباً عنها كلها.
“
حيزية
“
كبرت داخل رحلتي الشتاء والصيف. في عائلة
بوعكاز
، من عرش
الذواودة
، بطن من بطون بني هلال، وقد ذكرهم ابن خلدون في تاريخه، كما أشار إلى بعض رحلاتهم في المنطقة من زمن بعيد. والقصة حقيقية، إلا أن الأخبار متضاربة
حول علاقتها بابن عمها
“
سعيد
“
و
ظروف
وفاتها. لا نعرف عن
سعيد عشيقها أو زوجها أو حبيبها،
الشيء الكثير سوى أنه نشأ يتيماً، وكفله عمه أحمد بن الباي أبو حيزية، فتربيا معاً،
بالخصوص بعد وفا
ة
أمه أيضا،
وتربى الحب وكبر معهما كما تقول القصيدة، إذ هي المرجع الوحيد حتى اليوم
في البحث عن حقيقتها،
أو المرويات الشعبية
الكثيرة و
المهمة؛ لأنها تشكل تاريخاً موازياً. يروى أنه، أثناء هذه الرحلات، كبرت قصة الحب
بينهما: حيزية/سعيّد
. طلب يدها من والدها، لكن الرد وصلنا عن طريق قناتين: هناك إجابتان، الاحتمال المتداول تزوجها لكن الموت اختطفها منه، والاحتمال الثاني الذي تقوله كثير من الدراسات والأبحاث، أن والدها عندما وصله خبر القصة طرد سعيد من القبيلة فهرب هذا الأخير وتخفى في مكان سري خوف الانتقام بسبب أخلاقي. وذات يوم، ارتدت حيزية برنساً رجالياً والتحقت بحبيبها، لكنه عندما رآها قادمة ظنها رجلاً م
ن أتباع الشيخ بن الباي
جاء لقتله، فأطلق النار عليها، فأرداها قتيلة في
مشهدية
تراجيدية قريبة جداً من روميو وجولييت. فماتت بين يديه. لكن نشأت بجانب هذه القصة الأسطورة احتمالات أخرى سمعتُ الكثير منها في بسكرة وسيدي خالد وأنا أسير على وقع خطى حيزية في منطقتها. منها أن والدها عندما سمع بالعلاقة ضربها ضرباً مبرحاً فمرضت، وتوقفت عن الأكل حتى الموت. حالة انتحار تم إخفاؤها عائلياً دفعاً للفضيحة، وهي فرضية الدكتورة ليلى روزلين قريش، والدكتور أحمد الأمين
(من منطقة حيزية) من جامعة الجزائر
. وفي رحلتي الأخيرة لسيدي خالد حيث مسقط رأس حيزية وقبرها، وصلني من ناس كثيرين حافظوا على الرواية أو السيرة، قصة تستحق كل الاهتمام. وتستند هذه الفرضة إلى موتها الغامض أولاً
كما تلمح له القصيدة
، إذ ما معنى أ
ن تموت حيزية حتى تصل إلى وادي ال
تل حيث مقبرة العائ
لة وقبيلة
الدواودة
؟ وهل كان
بنڨ
يطون
مجرد ناقل لأحاسيس سعيد الذي طلب
منه بوصفه أهم شاعر
في منطقة
الزيبان
،
أن يخلد حبيبته؟
تأمل بسيط للمرثية يخرج القصيدة م
ن
دائرة
الحب العذري الوهمي الذي قال به الكثير من الباحثين، وهو لا يقف على أي مبرر، لأن القصيدة حسية، بل
إيروتيكية
في بعض مواقعها. ولا يمكن أن يكون الأمر رهين الخيال وحده. قد يكون، وهذا الأقرب إلى المنطق، ابن قيطون هو الشاعر الجريح، وهو العاشق الحقيقي لحيزية
، ربما في صمت
. وهو ما يعمق فرضية قتلها لكتمان السر. كل الذين تناولوها شعرياً مثل عز الدين المناصرة، أو روائياً
مثل
مايسة باي أو لزهاري لبتر، أو سينمائياً
المخرج
محمد
حازورلي
، أو الأوبريت، الشاعر عز الدين
ميهوبي
، ظلوا في العموم ملتصقين بالقصة المتداولة
المقبولة قبليا
، لكن جوهراً
ما
ظل مغيباً عنها كلها.
لم أقتنع بسبب موتها وبحكايتها كما وصفها الناس. بل شعرت، على الرغم من جرأة بنڨيطون، أن هناك شيئا ظل مخفيا في الحكاية، لهذا اخترت الأسفار نحو المرويات الشعبية في منطقة أولاد نايل كلها، بسكرة، سيدي خالد، الدوسن، ورقلة، بوسعادة، الجلفة وغيرها. يؤرقني سؤال ثقيل: هل ماتت حيزية بسبب مرض ما؟ هل انتحرت؟ أم قتلت لسبب قبلي ما يتعلق بالشرف، أو غيرة نسائية؟ صراع قبلي بين قبيلتي الذواودة وبنڨانة؟ هل سممت حقيقة بسم يدعى: توتيا. كما رُوِيَ لي؟ وهل سممتها امرأة تدعى فاطنة بنت ناصر في منطقة أمدوكال؟ لماذا؟ من كلفها بذلك؟ قبل أن تظهر علامات الموت الأولى في «المخراف» قبل أن تموت في «الهريمك» ليس بعيدا عن سيدي خالد حيث دفنت؟
لم أقتنع بسبب موتها وبحكايتها كما وصفها الناس. بل شعرت، على الرغم من جرأة
بنڨيطون
، أن هناك شيئا ظل مخفيا في الحكاية، لهذا اخترت الأسفار نحو المرويات الشعبية في منطقة أولاد نايل كلها، بسكرة، سيدي خالد،
الدوسن
، ورقلة، بوسعادة، الجلفة وغيرها. يؤرقني سؤال ثقيل: هل ماتت حيزية بسبب مرض ما؟ هل انتحرت؟ أم قتلت لسبب قبلي ما يتعلق بالشرف، أو غيرة نسائية؟ صراع قبلي بين قبيلتي
الذواودة
وبنڨانة
؟ هل سممت حقيقة بسم يدعى: توتيا. كما رُوِيَ لي؟ وهل سممتها امرأة تدعى فاطنة بنت ناصر في منطقة أمدوكال؟ لماذا؟ من كلفها بذلك؟ قبل أن تظهر علامات الموت الأولى في «
المخراف
» قبل
أ
ن تموت في «
الهريمك
» ليس بعيدا عن سيدي خالد حيث دفنت؟
وأتذكر أني كتبت مقالة عنها في السبعينيات في جريدة “الجمهورية“ ذكرني بها السيد حرز الله الذي التقينا به في سيدي خالد، قريبا من قبر حيزية، فاندهشت من ذاكرته وكنت برفقة الدكتور محمد تحريشي من جامعة بشار، والدكتور محمد لمين البحري من جامعة بسكرة. ذكرني بمقالتي ولقائي به في سيدي خالد. كان عمري وقتها 20 سنة. اكتشفت وانا أقتفي خطاها أشياء غريبة تحتاج إلى إعادة قراءة، منها الحب العذري المقدس في القصيدة، وكأن الحب العادي الذي يمس الروح والجسد محرم، لأن الظروف المحيطة والنظام القبلي كانا يمنعان الاتصال وهو ما منع الاعتراف بمثل اللقاءات الطبيعية لكنها كانت تتم سريا. العودة إلى المرجع المكتوب الأوحد،قصيدة بڨيطون أجد أن اللقاءات كانت متوفرة بين الشخصيتين ومن يقرأ القصيدة بقليل من التمعن، سيكتشف ذلك بلا تعب. ولمن يشك من زملائي الجامعيين وغيرهم في هذا الكلام ويعتبره تهمة لـ “حيزية” من الذين قالوا عن قصيدة ابن قيطون إنها عذرية، أضع بين أيديهم هذه الأبيات من المرثية نفسها وهو يتذكر الأيام الجميلة التي قضاها “سعيد” مع حبيبته.
وأتذكر أني كتبت مقالة عنها في السبعينيات في جريدة
“
الجمهورية
“
ذكرني بها السيد حرز
ال
له الذي التقينا به في سيدي خالد، قريبا من قبر حيزية،
فاندهشت من ذاكرته وكنت برفقة الدكتور محمد تحريشي من جامعة بشار، والدكتور محمد لمين ال
بحري من جامعة بسكرة. ذكرني بمقالتي ولقائي به في سيدي خالد. كان عمري وقتها 20 سنة.
اكتشفت وانا أقتفي خطاها أشياء غريبة تحتاج إلى إعادة قراءة، منها الحب العذري المقدس في القصيدة، وكأن الحب الع
ادي الذي يمس الروح والجسد محرم،
لأن الظروف المحيطة والنظام القبلي كانا يمنعان الاتصال وهو ما منع الاعتراف
ب
مثل اللقاءات الطبيعية لكنها كانت تتم سريا.
العودة إلى المرجع المكتوب الأوحد،
قصيدة
بڨ
يطون
أجد أن اللقاءات كانت متوفرة بين الشخصيتين ومن يقرأ القصيدة بقليل من التمعن، سيكتشف ذلك بلا تعب. ولمن يشك من زملائي الجامعيين وغيرهم
في هذا الكلام ويعتبره تهمة ل
ـ
“حيزية”
من الذين قالوا عن قصيدة ابن قيطون إنها عذرية،
أضع بين أيديهم هذه الأبيات من المرثية نفسها وهو يتذكر الأيام الجميلة التي قضاها “سعيد” مع حبيبته.
صدرك مثل الرخـــــــام فيه اثنين تـــــوام من تفـــــــــاح السقام مسوه يديــــــــــــــــا
صدرك مثل الرخـــــــام فيه اثنين
تـــــوام
من تفـــــــــاح السقام مسوه يديــــ
ـــــــــ
ـــا
………
………
بيدي درت الوشــام في صدر أم حــزام مختـم تختام في زنود طوايــــــــــــــــــــــــــــا
بيدي درت الوشــام في صدر أم حــزام مختـم
تختام
في زنود طوايـــ
ــــــــــــــــ
ـــــــــا
ازرق عنق الحمام ما فيهشي تلــــــطام مقدود بــــلا قلام من شغل يديــــــــــا
ازرق عنق الحمام ما
فيهشي
تلــــــطام
مقدود بــــلا قلام من شغل يديــــــــــا
درتــــه بين النهود نــــزلتـــــه مقــدود فوق سرار الزنود حطيتسمــايـــــــــــــــــــــــــــــا
درتــــه بين النهود نــــزلتـــــه مقــدود فوق سرار الزنود
حطيت
سمــايــــ
ـــــــــــــــــــــــ
ــا
الفرق بين الروائي والمؤرخ أو حتى الناقد، الثاني يغرق في الفرضيات والعموميات واستعادة ما قيل لدرجة الملل، الروائي يبحث عن المادة المدفونة من قرون وعن التفاصيل الصغيرة غير الظاهرة للعيان، وإلا سيخسر مشروعه، مثلا: نعرف اسم والدها: أحمد بلباي أو ابن الباي، وقد كتب على شاهدة القبر. طيب واسم أمها؟ من منا يعرفه؟ منذ مدة وأنا أبحث عنه بلا جدوى (وجدته أخيرا). سألت أصدقائي الذين كتبوا عنها، كان جوابهم واحدا: لا أعرف. لم أفكر في هذا. كل ما كتب على الشاهدة في المقبرة: هذا مقام المرحومة أم حيزية بنت أحمد بلباي. لهذا أقول دوما إن الكلام العام سهل لكن التفاصيل الصغيرة صعبة، بالخصوص إذا تعلق الأمر بموضوع حياتي وإبداعي حساس.
الفرق بين الروائي والمؤرخ أو حتى الناقد، الثاني يغرق في الفرضيات والعموميات واستعادة ما قيل لدرجة الملل، الروائي يبحث عن المادة المدفونة من قرون و
عن
التفاصيل الصغيرة غير الظاهرة للعيان، وإلا سيخسر مشروعه، مثلا: نعرف اسم والدها: أحمد
بلباي
أو ابن الباي، وقد كتب على شاهدة القبر. طيب واسم أمها؟ من منا يعرفه؟ منذ مدة وأنا أبحث عنه بلا جدوى
(وجدته أخيرا)
. سألت أصدقائي الذين كتبوا عنها، كان جوابهم واحدا: لا أعرف. لم أفكر في هذا. كل ما كتب على الشاهدة في المقبرة: هذا مقام المرحومة أم حيزية بنت أحمد
بلباي
. لهذا أقول دوما إن الكلام العام سهل لكن التفاصيل الصغيرة صعبة
، بالخصوص إذا تعلق الأمر بموضوع حياتي وإبداعي حساس.
وكان موتها جزء من هذه الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات مقنعة. طبعا من السهل عدم الخوض في الموضوع والاكتفاء بالرواية السهلة، أي أن سعيد عندما ماتت زوجته حيزية وابنة عمه، ركض نحو بنڨيطون وطلب منه أن يكتب له قصيدة. أو أنها ماتت حزنا لأن والدها فضل رجلا مهما على حبيبها. هذا سهل ليكتب عنها بنڨيطون مرثيته. هل تتخيلون رجلا شرقيا، في نظام قبلي محافظ، يحكي عن زوجته بتلك الأوصاف الإيروتيكية. أعتقد أن بنڨيطونشاعر إيروتيكي بامتياز على الرغم من أنه اختص في المراثي ( مرثيته في الشيخ المختار قيم زاوية الهامل الذي احتضنه وأخفاه) والقصيدة مدهشة وبليغة وصفيا.
وكان
موتها جزء من هذه الأسئلة
التي تحتاج إلى إجابات مقنعة
. طبعا من السهل عدم الخوض في الموضوع والاكتفاء بالرواية السهلة، أي أن سعيد عندما ماتت زوجته حيزية وابنة عمه، ركض نحو
بنڨ
يطون
وطلب منه أن يكتب له قصيدة. أو أنها ماتت حزنا لأن والدها فضل رجلا مهما على
حبيبها. هذا سهل ليكتب عنها
بنڨيطون
مرثيته
. هل تتخيلون رجلا شرقيا، في نظام قبلي محافظ، يحكي عن زوجته بتلك الأ
وصاف
الإيروتيكية
. أعتقد أن
بنڨ
يطون
شاعر
إيروتيكي
بامتياز على الرغم من أنه اختص في
المراثي
( مرثيته
في الشيخ المختار قيم زاوية الهامل
الذي احتضنه وأخفاه
) والقصيدة مدهشة وبليغة وصفيا
.
لهذا افترضت أن سعيّد كان غطاء لجرأة بنڨيطون، كل الدلائل تدل على ذلك لكن هذا لا يكفي. تأكد لي لاحقا من وجود سعيد على الرغم من أني لم أجد قبره في سيدي خالد، فألغيت فكرة أنه مجرد فكرة. حفيده خالد بوعكاز حي يرزق لمن لا يعرف ذلك ويمكن الاتصال به. وله ما يقوله في جده سعيد. صحح لي فكرة أن سعيد تاه في الصحراء بعد وفاة حبيبته أو زوجته. رومانسيات قيس وليلى. قال حفيده أن سعيد تزوج ثلاث مرات، المرأة الأولى كان اسمها، حيزية من باتنة لكنه ظهر أنها عاقر، فتزوج من باية بنت عثمان بوعكاز، قريبته، ورزق منها بطفلين إسماعيل (والد خالد) وبلقاسم وبنت. الأمر ليس بعيدا جدا تاريخيا، ونستطيع أن نبحث فيه بكل ما نملك من قوة.
لهذا
افتر
ضت أن سعيّد كان غطاء لجرأة
بنڨ
يطون
، كل الدلائل تدل على ذلك لكن هذا لا يكفي. تأكد لي لاحقا من وجود سعيد على الرغم من أني لم أجد قبره في سيدي خالد، فألغيت فكرة أنه مجرد فكرة. حفيده خالد
بوعكاز
حي يرزق لمن لا يعرف ذلك ويمكن الاتصال به. وله ما يقوله في ج
ده سعيد. صحح لي فكرة أن سعيد
تاه في الصحراء
بعد وفاة حبيبته أو زوجته
. رومانسيات قيس وليلى.
قال حفيده أن سعيد تزوج ثلاث مرات، المرأة
الأولى كان اسمها، حيزية من باتنة لكنه ظهر أنها عاقر، فتزوج من
باية
بنت عثمان
بوعكاز
، قريبته، ورزق منها بطفلين إسماعيل (والد خالد) وبلقاسم وبنت. الأمر ليس بعيدا جدا
تاريخيا،
ونستطيع أن نبحث فيه بكل ما نملك من قوة
.
وفق هذا المنطق كان علينا أن نبحث عن أسباب أخرى أكثر إقناعا روائيا وتاريخيا وأدبيا. الشاعر لا يتحدث عن مرض ولكن عن موت فجائي؟ ماذا يعني هذا؟ نحتاج إلى عقل شرطة مباحث قليلا وتحريات. في هذا الموت الغريب رائحة القتل. ودفنت بعدها وانتهى الأمر. والغريب أن الموت حدث مع العودة من الشمال، وقريبا من مقبرة الذواودة، في سيدي خالد، ولم يحدث مثلا في بازر الصخرة في العلمة، حيث كانت القبيلة مصيفة هناك في رحلتي الشتاء والصيف. وكأن الأمر دبر بليل مثلا؟ بالخصوص أن حالة الحب واللقاءات كما تقول القصيدة أصبحت مرئية ولم تعد سرية؟ ما الذي يمنع هذه الفرضية من أن تقوم عندما نعرف النظام القبلي واشتغاله وشرف؟ القبيلة؟ وهو ما قالت به الزميلة في جامعة الجزائر المركزية، الباحثة المرحومة الدكتورة ليلى قريش (روزليش ڨريش (Gresh Rosline ) أن يكون والدها قد قتلها حماية للشرف بعد أن كثر الحديث عن علاقاتها السرية. أوانتحرت قنوطا بسبب إصرار والدها على تزويجها من شخص من علية القوم، يتناسب ورتبته، لم تكن تحبه. هل نحاسب الباحثة المختصة في الأدب الشعبي، لأنها قدمت فرضية كهذه خارج النظام المعهود والدارج؟ وهذه الفرضية سمعتها أيضا من مصادر عديدة منها المرحوم بلقاسم سعدالله في القاهرة، وعزالدين المناصرة في عمان، وفي بسكرة من صديقي الكاتب والإعلامي بلقاسم مسروق أيضا، وفي المقبرة نفسها اعتمادا على ما رواه بعض العارفين ومنهم الأستاذ حرز الله ابن المنطقة، والقريبين من حيزية عائليا.
وفق هذا المنطق
كان
علينا أن نبحث عن أسباب أخرى أكثر إقناعا روائيا وتاريخيا وأدبيا. الشاعر لا يتحدث عن مرض ولكن عن موت فجائي؟ ماذا يعني هذا؟ نحتاج إلى عقل شرطة مباحث قليلا وتحريات. في هذا الموت الغريب رائحة القتل. ودفنت بعدها وانتهى الأمر. والغريب أن الموت حدث مع العود
ة من الشمال، وقريبا من مقبرة
الذ
واودة
، في سيدي خالد، ولم يحدث مثلا في بازر الصخرة في العلمة، حيث كانت القبيلة مصيفة هناك في رحلتي الشتاء والصيف. وكأن الأمر دبر بليل مثلا؟ بالخصوص أن حالة الحب واللقاءات كما تقول القصيدة أصبحت مرئية ولم تعد سرية؟ ما الذي يمنع هذه الفرضية من أن تقوم عندما نعرف النظام القبلي واشتغاله وشرف؟ القبيلة؟ وهو ما قالت
به الزميلة في جامعة الجزائر ال
مركزية، الباحثة المرحومة
الدكتورة
ليلى قريش
(
روزليش
ڨ
ريش
(
Gresh
Rosline
)
أن يكون والدها قد قتلها حماية للشرف بعد أن كثر الحديث عن علاقاتها السرية. أو
انتحرت قنوطا بسبب إصرار والدها على تزويجها من شخص من علية القوم، يتناسب ورتبته، لم تكن تحبه. هل نحاسب
الباحثة المختصة في الأدب الشعبي
، لأنها قدمت فرضية كهذه خارج النظام المعهود والدارج؟ وهذه الفرضية سمعتها أيضا من مصادر عديدة منها المرحوم بلقاسم سعدالله في القاهرة، وعزالدين المناصرة في عمان، وفي بسكرة من صديقي
الكاتب والإعلامي
بلقاسم مسروق أيضا، وفي المقبرة نفسها اعتمادا على ما رواه بعض العارفين ومنهم الأستاذ حرز الله ابن المنطقة، والقريبين من حيزية عائليا
.
الفرضية لا غرابة فيها. لهذا قلت يجب إزالة الغطاء الأخلاقي والبحث في الموضوع بحب كبير في الموضوع نفسه. حيزية علامة عظيمة في تراثنا الإنساني وإلا يجب قتل أوديب مرة أخرى لأنه تزوج بأمه وهو لا يعرف؟
الفرضية لا غرابة فيها. لهذا قلت يجب إزالة الغطاء الأخلاقي والبحث في الموضوع بحب كبير في الموضوع نفسه. حيزية علامة عظيمة في تراثنا الإنساني وإلا يجب قتل أوديب مرة أخرى لأنه تزوج بأمه وهو لا يعرف؟
موضوع فك لغز حيزية واسع مثل الدمى الروسية التي كلما فتحنا واحدة، وجدنا داخلها أخرى. الكتابة رحلة في المبهم والمخيف والمزالق. امتلاك ساحة المخيال أمر جدير بالاهتمام بالخصوص بالنسبة للرواية التي لها تماس مع التاريخ.
موضوع فك لغز حيزية واسع مثل الدمى الروسية التي كلما فتحنا واحدة، وجدنا داخلها أخرى. الكتابة رحلة في المبهم والمخيف والمزالق. امتلاك ساحة المخيال أمر جدير بالاهتمام بالخصوص بالنسبة للرواية
التي لها تماس مع
التاريخ
.
وأنا أتابع حركتها مع قبيلتها وأعيد قراءة القصيدة الواصفة للرحلة ولها، زاد يقيني أن شيئا أساسيا ظل مخفيا عن قصد خوف “تلويث سمعة قبيلة الذواودة” التي كانت في صراع مستميت مع قبيلة أخرى هي “بنڨانة“ (ابن قانة) التي كانت تتقاتل معها على مشيخة المنطقة.
وأنا أتابع حركتها مع قبيلتها وأعيد قراءة القصيدة الواصفة للرحلة ولها، زاد يقيني أن شيئا أساسيا ظل مخفيا عن قصد خوف “تلويث سمعة قبيلة
الذواودة
” التي كانت في صراع مستميت مع قبيلة
أخرى هي “
بنڨانة
“
(ابن قانة)
التي
كانت
تت
قاتل
معها
على مشيخة المنطقة.
سافرت نحو “حيزية” في عز الحرّ وفي عز الأمطار والثلوج على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، معتمدا الحكاية الشعبية كمرجع مساعد لمعرفة الحقيقة. البشر يذهبون لكن مروياتهم تبقى ولابد لبذرة الحقيقة أن تخلد بالخصوص عندما نزل عنها الزوائد. عندما سألت العجوز التي قادوني نحوها وكانت تبلغ من العمر 96 سنة: كم كان عمر حيزية عندما خطبها آل بنڤانة لتزوبجهالابنهم عبد الغني؟ صمتت قليلا. تأملت وجهها الذي أكتله السنوات ولم تمتص نوره. كان المطر يضرب بقوة النافذة المطلة على الجبل الأخضر الذي تغطي قممه الثلوج الشتوية في مثل هذا الوقت بالذات. قالت نانا شامة: كان عمر حيزية حوالي العشرين سنة. لم تكن سعيدة بالزواج الذي فرض عليها فرضا، لدرجة أنها حتى فكرت في الانتحار، بالخصوص عندما أخبرتها خالتها أن سعيد، ابن عمها، رضع معها من ثدي أمها، بالخصوص بعد وفاة أمه بعد شهور قليلة من وضعه. لقد تربى يتيما في بيت عائلة بوعكاز وتبنته قبيلة الدواودة كواحد منها. رفض أبوها في البداية تزويجها من نجل بنڤانةبسبب خلافات قبلية قديمة بين القبيلتين المتفرعتين من الدواودة والعلاقة الملتبسة بباي قسنطينة الذي تربطه علاقة خؤولة مع آل بنڤانة. لكن بالوساطات والإصرار قبل الوالد بتزويجها لعبد الغني بنڤانة (ابن قانة). لكن عندما قتل شيخ العرب من قبيلة الدواودة، ممثل الأمير عبد القادر، وخيانة بنڤانة وتعامله مع الاستعمار وعمله الإجرامي لتدمير قبيلة الدواودة التي اتضح أن ارتباطه بها مجرد كذبة للسيطرة على القبيلة كليا. آل بنڤانة سموا على أمهم ڤانا (قانة) حتى ولو كانوا من الأشراف من سلالة سيدي أحمد بن إدريس. وعلى الرغم من إدعاء آل بنڤانة النسب الذواودي فقد رفضت العديد من القبائل العربية سلطتهم من خلال نظام مشيخة العرب. كما فعل أولاد دراج، والسوامعية، وأولاد سحنون الذين اختاروا مشيخة صف الأمير الذواودي فرحات بن سعيد على العكس من السحارية والبوازيدية الذين ساندوا آل بنڤانة وأحمد باي.
سافرت نحو “حيزية” في عز الحرّ وفي عز الأمطار والثلوج على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، معتمدا الحكاية الشعبية كمرجع مساعد لمعرفة الحقيقة. البشر يذهبون لكن مروياتهم تبقى ولابد لبذرة الحقيقة أن تخلد بالخصوص عندما نزل عنها الزوائد.
عندما سألت
العجوز التي قادوني نحوها وكانت تبلغ من العمر 96 سنة:
كم كان عمر حيزية عندما خطبها آل
بنڤانة
لتزوبجها
لابنهم عبد الغني؟ صمتت قليلا. تأملت وجهها الذي أكتله السنوات ولم تمتص نوره. كان المطر يضرب بقوة النافذة المطلة على الجبل الأخضر الذي تغطي قممه الثلوج الشتوية في مثل هذا الوقت بالذات. قالت نانا شامة: كان عمر حيزية حوالي العشرين سنة. لم تكن سعيدة بالزواج الذي فرض عليها فرضا، لدرجة أنها حتى فكرت في الانتحار، بالخصوص عندما أخبرتها خالتها أن سعيد، ابن عمها، رضع معها من ثدي أمها، بالخصوص بعد وفاة أمه بعد شهور قليلة من وضعه. لقد تربى يتيما في بيت عائلة
بوعكاز
وتبنته قبيلة
الدواودة
كواحد منها. رفض أبوها في البداية تزويجها من نجل
بنڤانة
بسبب خلافات قبلية قديمة بين القبيلتين المتفرعتين من
الدواودة
والعلاقة الملتبسة بباي قسنطينة الذي تربطه علاقة خؤولة مع آل
بنڤانة
. لكن بالوساطات والإصرار قبل الوالد بتزويجها لعبد الغني
بنڤانة
(ابن قانة). لكن عندما قتل شيخ العرب من قبيلة
الدواودة
، ممثل الأمير عبد القادر، وخيانة
بنڤانة
وتعامله مع الاستعمار وعمله الإجرامي لتدمير قبيلة
الدواودة
التي اتضح أن ارتباطه بها مجرد كذبة للسيطرة على القبيلة كليا. آل
بنڤانة
سموا على أمهم
ڤانا
(قانة) حتى ولو كانوا من الأشراف من سلالة سيدي أحمد بن إدريس. وعلى الرغم من
إدعاء
آل
بنڤانة
النسب
الذواودي
فقد رفضت العديد من القبائل العربية سلطتهم من خلال نظام مشيخة العرب. كما فعل أولاد دراج،
والسوامعية
، وأولاد سحنون الذين اختاروا مشيخة صف الأمير
الذواودي
فرحات بن سعيد على العكس من
السحارية
والبوازيدية
الذين ساندوا آل
بنڤانة
وأحمد باي
.
بدأ الصراع الكبير وكانت ضحيته الأولى «حيزية» لم يتم فقط فك الخطوبة ولكن التفكير في الانتقام من عائلة بوعكاز لأن الخلاف كان قد وصل لدرجة الاصطدام والعداوة. أصبحت حيزية وسيلة الانتقام. لكن كانت سعيدة بفك خطوبة فرضت عليها. بالمقابل أصبح طريق الانتقام سهلا ضد حيزية التي أثارت خطبتها غيرة نساء آل بنڤانة: ماذا وجد فيها عبد الغني بنڤانة من ميزات غير متوفرة في نسائهم؟ الفرصة كانت مناسبة. أرسلت لها امرأتان وضعتا لها سما مستخلصا من سم العقارب السوداء، بلا رائحة ولا مذاق. عندما عادت حيزية من رحلة الشمال الصيفية ذهبتا نحوها لتباركا لها العودة الميمونة من رحلة الهضاب التي دامت نصف سنة تقريبا. وهناك سممتاها في «المخراف» وخرجتا. وعندما ارتحلت القبيلة من جديد باتجاه سيدي خالد بدأ السم يفعل فعله ليتوقف قلبها في «وادي التل» فقد أصيبت حيزية فجأة بشلل كبير في كامل أعضائها. ثم فقدت القدرة عن الكلام. وعندما بدأت رغوة صفراء تخرج من فمها عرفوا انه سم. ظنوها لدغة حية. شربوها الزيت لتقييئها لتموت بين ذراعي سعيد وهو يحاول إنقاذها.
بدأ الصراع الكبير وكانت ضحيته الأولى «حيزية» لم يتم فقط فك الخطوبة ولكن التفكير في الانتقام من عائلة
بوعكاز
لأن الخلاف كان قد وصل لدرجة
الاصطدام
والعداوة. أصبحت حيزية وسيلة الانتقام. لكن كانت سعيدة بفك خطوبة فرضت عليها. بالمقابل أصبح طريق الانتقام سهلا ضد حيزية التي أثارت خطبتها غيرة نساء آل
بنڤانة
: ماذا وجد فيها عبد الغني
بنڤانة
من ميزات غير متوفرة في نسائهم؟ الفرصة كانت مناسبة. أرسلت لها امرأتان وضعتا لها سما مستخلصا من سم العقارب السوداء، بلا رائحة ولا مذاق. عندما عادت حيزية من رحلة الشمال الصيفية ذهبتا نحوها لتباركا لها العودة الميمونة من رحلة الهضاب التي دامت نصف سنة تقريبا. وهناك سممتاها في «
المخراف
» وخرجتا
.
وعندما ارتحلت القبيلة من جديد باتجاه سيدي خالد بدأ السم يفعل فعله ليتوقف قلبها في «وادي التل» فقد أصيبت حيزية فجأة بشلل كبير في كامل أعضائها. ثم فقدت القدرة عن الكلام. وعندما بدأت رغوة صفراء تخرج من فمها عرفوا انه سم. ظنوها لدغة حية. شربوها الزيت
لتقييئها
لتموت بين ذراعي سعيد وهو يحاول إنقاذها
.
حيزية إذن لم تنتحر ولم تقتل بالخطأ ولكن موتها جاء نتيجة صراع سياسي بين قبيلتين كبيرتين تنازعتا منصب «شيخ العرب» الذي كان قد استأثر به الدواودة على الرغم من تواطؤ أحمد باي مع ابناء خالته من آل بنڤانة.
حيزية إذن لم تنتحر ولم تقتل بالخطأ ولكن موتها جاء نتيجة صراع سياسي بين قبيلتين كبيرتين تنازعتا منصب «شيخ العرب» الذي كان قد استأثر به
الدواودة
على الرغم من تواطؤ أحمد باي مع ابناء خالته من آل
بنڤانة
.
أهم شيء في هذه المروية الشعبية التاريخية الحكائية التي استمرت صبحية كاملة هي أنها تؤكد على مقتل حيزية مسمومة. أي أن غموض موتها في قصيدة بنڤيطون له ما يبرره إما لكون هذا الأخير لم يكن يعرف الحقيقة، أو لتفادي حرب بين الذواودة وآل بنڤانة.
أهم شيء في هذه المروية الشعبية التاريخية
الحكائية
التي استمرت صبحية كاملة هي أنها تؤكد على مقتل حيزية مسمومة. أي أن غموض موتها في قصيدة
بنڤيطون
له ما يبرره إما لكون هذا الأخير لم يكن يعر
ف الحقيقة، أو لتفادي حرب بين
الذ
واودة
وآل
بنڤانة
.
“فصل ليلة بيت النخيل.
“
فصل ليلة بيت النخيل.
تمتمت وهي في شبه غيبوبة:
تمتمت وهي في شبه غيبوبة
:
– هل تعرف ما معنى أن تصمت امرأة بعد لحظة جنون عالية؟ لا تريد من لحظتها أن تصغر، ومن متعتها أن تنتهي. حبيبي. اسحبني نحوك حتى لا يظهر مني شيء فيك. امنحني كلك لأكبر فيك. ظللني بجسدك لأكون لك. لا تسألني كثيرا عن ماض أحرقني ويمكن أن يسحبنا نحو تيه الموت. لا تجعل الأسئلة تقتل السكينة، والغفوة يمحوها الخوف. لم أفقد شيئا سوى جبروت القبيلة وكنزها الكاذب. هذه الحميمة لنا، لن تغتصبها الكلمات والحيرة. كنت اليوم غنيمتك بخياري، وكنت حصاني الجامح. أردت أن أكون أقرب منك، فتلاشيت فيك.
–
هل تعرف ما معنى أن تصمت امرأة بعد لحظة جنون عالية؟ لا تريد من لحظتها أن تصغر، ومن متعتها أن تنتهي. حبيبي. اسحبني نحوك حتى لا يظهر مني شيء فيك. امنحني كلك لأكبر فيك. ظللني بجسدك لأكون لك. لا
تسألني
كثيرا عن ماض أحرقني ويمكن أن يسحبنا نحو تيه الموت. لا تجعل الأسئلة تقتل السكينة، والغفوة يمحوها الخوف. لم
أفقد
شيئا سوى جبروت القبيلة وكنزها الكاذب. هذه الحميمة لنا، لن تغتصبها الكلمات والحيرة. كنت اليوم غنيمتك بخياري، وكنت حصاني الجامح. أردت أن أكون أقرب منك، فتلاشيت فيك
.
– هل أنت سعيدة يا حيزية؟
–
هل أنت سعيدة يا حيزية؟
لم تقل شيئا، عندما التفتت نحوه للمرة الأولى. كان جسدها عاريا عن آخره لو تشعر بأي إحراج وكأنه لم يعد ملكها. غادرها فجأة. هل يمكن للحب أن يحدث كل هذه اللهفة؟ لأول مرة تشعر بنفسها امرأة كاملة. الأنثى المشتهاة التي رفضت كل الوجاهات. لم يسألها أبدا عن خطبتها الفاشلة من الرجل الذي أحبها وأرادها، لكنها لم تكن له في أي يوم من الأيام. أغمضت عينيها طويلا لكي لا ترى شيئا إلا ما بقي عالقا بجسدها منه. سمعت أنفاس حصانها تأتي متقطعة عند باب بيت النخيل. تحسست جسدها. شعرت بلمسات يده الناعمة التي تشبه نسمة صحراوية ليلية في صيف مقمر. استحضرت خطوط أصابعه وهي تفتح مسالك الرغبة في جسدها. تنزل من أعالي الرقبة، بالضبط من تحت قرطيها الفضيين، ثم على الصدر راسمة عشرات الدوائر التي كانت تضيق ثم تتسع، على الحلمتين، ثم على مدار النهدين، قبل أن ترسم خطا مستقيما نزل نحو السرة قبل أن ينزلق في تيه الجسد.
لم تقل شيئا، عندما التفتت نحوه للمرة الأولى. كان جسدها عاريا عن آخره لو تشعر بأي إحراج وكأنه لم يعد ملكها. غادرها فجأة. هل يمكن للحب أن يحدث كل هذه اللهفة؟ لأول مرة تشعر بنفسها امرأة كاملة. الأنثى المشته
اة التي رفضت كل الوجاهات. لم يسأ
لها أبدا عن خطبتها الفاشلة من الرجل الذي أحبها وأرادها، لكنها لم تكن له في أي يوم من الأيام. أغمضت عينيها طويلا
لكي لا
ترى شيئا إلا ما بقي عالقا بجسدها منه. سمعت أنفاس حصانها تأتي متقطعة عند باب بيت النخيل. تحسست جسدها. شعرت بلمسات يده الناعمة التي تشبه نسمة صحراوية ليلية في صيف مقمر. استحضرت خطوط أصابعه وهي تفتح مسالك الرغبة في جسدها. تنزل من أعالي الرقبة، بالضبط من تحت قرطيها الفضيين، ثم على الصدر راسمة عشرات الدوائر التي
كانت تضيق ثم تتسع، على الحلمتين
، ثم على مدار النهدين، قبل أن ترسم خطا مستقيما نزل نحو السرة قبل أن ينزلق في تيه الجسد
.
– حبيبتي هل أنت هنا؟
–
حبيبتي هل أنت هنا؟
أي سحر كان يملكه هذا الرجل العاشق، والفارس، وسيد الأبجديات الساحرة، واللغة المنفلتة من دم القبيلة. كيف سحبها نحو هذه الغفوة ليجعل أنوثتها تنفجر لأول مرة في حياتها كنبع الجنة؟ كيف شعرت فجأة أن الجسد التي ظلت تجره وراءها في انتظار من يثقله بالاغتصاب الليلي المتكرر وعشيرة الأولاد المتتالين، طار منها ولم يعد ملكا لها.
أي سحر كان يملكه هذا الرجل العاشق، والفارس، وسيد الأبجديات الساحرة، واللغة المنفلتة من دم القبيلة. كيف سحبها نحو هذه الغفوة ليجعل أنوثتها تنفجر لأول مرة في حياتها كنبع الجنة؟ كيف شعرت فجأة أن الجسد التي ظلت تجره وراءها في انتظار من يثقله بالاغتصاب الليلي المتكرر وعشيرة الأولاد المتتالين، طار منها ولم يعد ملكا لها
.
– تسألني؟ حبيبي امتلكتني ولم تترك لي شيئا.
–
تسألني؟ حبيبي امتلكتني ولم تترك لي شيئا
.
ثم استكانت على صدره، قبل أن يوقظها لزرق، حصانها الوفي، من غفوتها. انتبهت إلى نقاط الدم التي صبغت لباسها الخفيف. نظرت إليه. نظر إلى بقع الدم وكأنه لم يكن معنيا بذلك. ذكّرته:
ثم استكانت على صدره، ق
بل أن يوقظها لزرق، حصانها الوفي،
من غفوتها
.
انتبهت إلى نقاط الدم التي صبغت لباسها الخفيف. نظرت إليه. نظر إلى بقع الدم وكأنه لم يكن معنيا بذلك
.
ذكّرته:
– هو دم القبيلة القاتل، حبيبي، وليس دمي.”
–
هو دم القبيلة
القاتل، حبيبي،
وليس دمي
.
”
واسيني: حيزية/ حِكَايَةُ “الغَزَالة الذّبِيحَة” كَمَا رَوَتْهَا حَنّا تَامُو.
واسيني: حيزية/
حِكَايَةُ “الغَزَالة الذّبِيحَة” كَمَا رَوَتْهَا حَنّا تَامُو
.