أثير – عبدالرزّاق الربيعي
في زيارة سابقة لجبل لبنان زرتُ قلعة تحمل اسم “قلعة موسى” وحين سألت أهالي الجبل عن سبب التسمية قيل لي إنها تحمل اسم رجل بناها بمفرده، وأنجزها بعد 60 عاما، لتكون شاهدا على قوّة إرادة الإنسان، خصوصا أن اللبناني موسى عبدالكريم، وهذا هو اسمه، بناها من باب التحدّي، ففي صباه أحبّ فتاة غنيّة، وحين صرّح لها بحبّه، سخرت منه، وقالت “عندما تملك قصرا يصبح بإمكانك أن تتحدث إليّ”، فصمّم على دخول التحدّي وبناء قلعة بمفرده وبإمكانياته الذاتية، وحين شاهده معلم الرياضيات يرسم على الورق بناء شامخا، سأله عما يفعل، فأجابه “أرسم قلعة رأيتها في الحلم” فاعتبر جوابه إهانة له، فضربه بقسوة، ومزّق الورقة، لكنّه لم يحقد عليه، بل اعتبره دافعا إضافيا، حفّزه على إنجاز عمله، وكم كانت دهشة الفتاة التي أحبّها موسى، ورفضت حبّه لفقره، كبيرة، عندما دخلت القلعة لتتجوّل فيها!! ولم يكتف بهذا بل خصّص ركنا في قلعته لمعلم الرياضيات الذي ضربه، بعد أن تحقّق حلمه الذي افتتح عام 2016 قبل وفاته بعامين عن عمر ناهز 87 عاما.
تذكّرت هذه القلعة في لقائي بالمواطن سعيد بن حمدان المقيمي، وهو من أهالي قرية الجيلة بنيابة طيوي في محافظة جنوب الشرقية، وإذا كان موسى اللبناني صاحب القلعة، أحبّ امرأة، فقد وقع (سعيد المقيمي) في حبّ المكان الجبلي الذي عاش بين أكنافه، ولمس معاناة الناس الذين يسكنون المناطق الجبلية، وتتلخّص في وعورة الطرق، وخصوصا طلبة المدارس، وما يسببه سقوط الأمطار وسيل الأودية من عرقلة في الحركة وشلّ مفاصل الحياة، فلم يقف مكتوف اليدين، بل سعى في إيجاد الحل الأمثل الذي وجده في شقّ طريق جبلي، ليستفيد منه المارة، وأنّى له تحقيق ذلك وهو لا يملك سوى ما يسدّ به احتياجاته اليومية!؟
ولكن قوّة الإرادة جعلته يمضي قُدُما في تنفيذ ما صمّم عليه، بجهود ذاتية، ولكي يتمكّن من ذلك قام بشراء حفّار قديم لشقّ الطرق، وتعلّم قيادته، فنجح بواسطته في شق طريقين داخل القرية، لكنّ الحفّار لم يصمد معه طويلا، فتوقّف عن الحركة، ولم ييأس، فبعد أن حصل على المركز الأول لجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي اشترى بقيمة الجائزة حفّارا جديدا، جعل البصر يمتدّ أبعد من القرية، ليشق طريق ثقاب -وادي بير الذي اختصر المسافة المكانية من 35 كم إلى 6 كيلومترات والزمنية من 150 دقيقة إلى عشرين دقيقة فقط! ليسهّل الحركة في منطقة حيوية، مسكونة منذ آلاف السنين، وفيها مواقع أثرية من بينها موقع كبيكب الذي يعود تاريخه إلى 5 آلاف سنة وكهوف منها مجلس الجن، وقد راعى في الطريق تجنّب مجاري الأودية والمنحدرات الجبلية، ليبقى الطريق سالكا لسكان تلك القرى، آمنا، فلفت العمل الذي قام به أنظار متابعي روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، فناشدوا الجهات المسؤولة لمساعدته، وقام مكتب الوالي بولاية وادي بني خالد بدعمه، وكذلك الشركة العمانية الهندية للسماد، وقد ساعده هذا الدعم في إكمال المشروع، الذي استغرق شهورا، بسبب وعورة تضاريس الجبال وكثرة المنحدرات ومروره ببعض الأودية، وهو اليوم يناشد الجهات المسؤولة إلى الاهتمام بالطريق التي تحتاج إلى توسعة ورصف بالأسمنت، فالطرق الجبلية سرعان ما تبلى بسبب سقوط الأمطار، لذا ينبغي أن تكون هناك صيانة مستمرّة، وصبّ قوالب أسمنتية، لتكون الطريق آمنة، وتكتمل حكاية رجل من جبال “طيوي”، وهنا أستدعي عنوان رواية الكاتب سعود المظفّر “رجال من جبال الحجر”، أملى عليه حسّه الوطني أن يشقّ قلب الجبل ليمدّ طريقا آمنا للعابرين.
بادر بالاشتراك في مجتمع أثير وكن أول من يطّلع على الأخبار فور صدورها:
https://chat.whatsapp.com/EfTqAhQt1653BrwUNRE8Z6
مجتمع أثير