أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
لنبدأ من أوّل ..من القصة المدرجة الأولى في هذه المجموعة ، وهي بعنوان:”حبّ عتيق” وتحكي حياة رجل رشيد يأتي إليه الناس من كلّ مكان، ليؤثّث أنفسهم بالطمأنينة والسكون، وهو يدرّس الصغار القرآن الكريم، ولكن ثمّة مشكل يخفيه داخله، وهو عدم إنجاب زوجته منه ..فالحياة بالنسبة له لا تساوي شيئا بدون طفل يرثه حين يفارق هذه الدنيا ، لهذا اتخذ قراره بطلاق زوجته ..وكان له ما أراد ..ظنّا أنّ العيب فيها ..، وبعد سنوات يلتقي بطفلة لها نفس ملامح ” رقيّة ” طليقته ..، وحين يسألها عن أمّها ويتأكّد من صحة حدسه ..يحضن الطفلة ويقول لها :
” كنت أنا أباك، لكنّك أبيت أن تأتي ” ، وكان العقم فيه وليس في المرأة التي طلّقها ..، والقصة تطرح مسألة العقم ..وكيف يعتقد الرجل العربي ” القديم ” أنّ عدم الإخصاب لا يكون إلا بسبب المرأة ..في حين أنّ العلم أثبت أنّ داء العقم له دواء ، ولا يختصّ بامرأة أو رجل ..لكن تلك نتائج الجهل ..
نمرّ إلى قراءة قصّة أخرى ممهورة بـ ” مشهورة العالم الأزرق ” تطرح فيه الساردة مشكلة أدوات التواصل الاجتماعي ..وخاصة ” الفيسبوك ” وتدّخل هذا الأخير في حياة المرء ..بل وتأثيره عليه إلى درجة كبيرة ..قد تفسد حياته ..، وفي هذه الحكاية خلقت الشخصية البطلة عالما آخر …لا علاقة لأحد به ..فهو افتراضي ..تتحكّم فيه النكزات واللطف وسماحة الأخلاق ..بعيدا عن الواقع المعاش المحكوم بالنميمة والظلم والقسوة ، وبغتة ..إثر خطأ قام به ابنها ..تجد صورتها وهي ترقص في حفل زفاف ..، تجدها منشورة عبر صفحتها الفيسبوكية ..وتجد مئات التعاليق البشعة ..، وتضطر إلى غلق حسابها :
” صورتي انتشرت في كلّ مكان، بيد راجفة حذفت حسابي وطمست قرص الشمس قسرا في غمرة الغياب وكأنّه لم يكن يوما في هذا العالم الأزرق، العالم الذي ظننته بريئا وشفّافا نقيّا ها هو ذا يكشّر عن أنيابه ، ويبتلعني بين فكّيه لقمة شهية سائغة ”
لكنّها ..ومثلما يقع لنا في الواقع المعاش ..، تفتح بعد مدّة حسابا آخر ..وتسمّيه عكس ما كان الحساب المغلق : ” غروب ” ..، وحين يكرّر عليها أحدهم سؤالا عن ” قرص الشمس ” تجيبه ” ربّما غرقت في لجّة الغروب ” وتسأل وفي نهاية القصة :
” برأيكم هل أرسلت لهم خيطا يسوقهم إليّ من جديد “
تواصل زكيّة الشبيبيّة سردها الهادف والممتع ، وتصل إلى قصة مغايرة لقصص أخرى، وهي ” موناليزا الموصل ” التي أهدت عنوانها للمجموعة كاملة، ويقول المتن السرديّ أنّ مصوّرا صحفيّا التقط صورة لطفلة لاجئة في الموصل ..وقد انتشرت تلك الصورة ولاقت شهرة كبيرة في العالم ..وسمّيت ب ” موناليزا الموصل ” ..، والأهمّ من كلّ ذلك ..يأتي سؤال الكاتبة في نهاية القصة ..ليثير أحزان القارئ المنزعج من حال عالم اليوم ..، أترككم مع هذه الفقرة المعبّرة التي فيها إدانة لنا جميعا ..:
” تُرى كم من موناليزا صغيرة في هذا العالم المخيف لم يكترث بوجودها أحد، تتقرفص بجسدها الصغير ككرة من لحم، تتدحرج في ظلمة الأيّام البائسة، تصطدم بأحدنا فتبتسم الابتسامة نفسها، ابتسامة باهتة بلا معنى، ثمّ تُولد لها الحياة ذات قدر وطالع جميل إثر ضوء عدسة تصوير تَتحيّنُ الفرص ..ستحظى يومها باللقب نفسه، موناليزا، ثمّ ستنتهي الحكاية كما تنتهي كلّ الحكايات “
عديدة هي القصص المدرجة في هذه المجموعة ، وقد اخترت منها قصة بعنوان ” ولدي لا يفعلها ” ليُكوّن القارئ فكرة طيبة عن الكاتبة زكيّة الشبيبيّة وأسلوبها القصصي ومختلف الأفكار الاجتماعية التي تسيّطر عليها ، ففي هذه القصة : خوف أمّ على ابنها وحذرها من تسلّمه لرشوة رغم أنّه ” حافظ القرآن “، ولكنّها في النهاية تطمئن بأنّ التربية السليمة أتتْ أكلها وحفظت ابنها من الأمراض الاجتماعية ..، لذا تدنو من الطعام الذي أعددته :
” تنفّست الصعداء، مسحت دمعة خبيئة، أقبلت على الصحن، تناولت بشهيّة مفتوحة كما لم تأكل من قبل، وهي تُمتم ملأ قلبها : الحمد لله ولدي عابد لا يفعلها “
علما وفي ختام هذه الإطلالة على مجموعة ” موناليزا الموصل ” للكاتبة العُمانية المتميّزة زكيّة الشبيبيّة ..لا بدّ من توجيه التهنئة لها بمناسبة تتويجها بالمركز الأوّل للإبداع الثقافيللمرأة الخليجية في القصة القصيرة ،…راجيا لها مزيد التألّق والنجاح في دروب الأدب ..وكما نقول : من سار على الدرب وصل ..وقد بدأت مسيرتها بفوز محفّز لها ودافع إلى الأمام …