أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
يسرّني اليوم أن أشدّ على يد سامية العطعوط مرّة أخرى، لكونها مبدعة حمّالة همّ جماعي ولأنّها قاصة وكاتبة أردنية من أصول فلسطينية، سأحاول أن أفكّ شفرة هذا المتن الجديد، لكاتبة لها باع وذراع في فنّ السرد العربي، ولها عدد من المجوعات القصصية بدأتها سنة 1986 بإصدارها “جدران تمتصّ الصوت”، التي لاقت أصداء واسعة في تلك الفترة وتُعتبر من رائدات فنّ القصة القصيرة في الأردن والوطن العربي…

“قطّة شرودنجر” هذه القصة أهدت عنوانها للمجموعة ووردت الثانية في الترتيب، وتحكي المعاناة اليوميّة للفلسطينيين أمام معابر الاحتلال، وتقف الساردة على مقتل امرأة في الثلاثين من عمرها كانت أمامها في الصفّ، لعلّها قامت بحركة أو إشارة خاطئة أو إيماءة عفوية، أو أيّ شيء قاد الجنود إلى ضربها بالرصاص، خلاصة هذه القصة/المأساة، اللعنة على إسرائيل إلى يوم الدين، فالموت صار لعبة يومية لكلّ فلسطيني ينوي العبور، تقول سامية العطعوط:
“عرفتُ أنّ شروط اللعبة انتهت، وأصبحنا جميعنا مرئيين.
صرختُ من دون وعي: لماذا؟؟ لماذا تحرّكت؟
ألم نتّفق أن نكون مثل قطّة شرودنجر؟
الأموات الأحياء؟
الأحياء الأموات؟
ألم نتّفق على الحياة؟”
“ثلاثة فئران”..متن سردي أسرى بي نحو الغرائبية أو الضحك المرّ ..ولعلّه أودى بي إلى أحد المصحات العقلية رفقة الساردة التي بدأت حكايتها بالحديث عن شكّ أهلها في مداركها العقلية ووجوب استعادتها لذاكرتها وتوازنها، أنا لا أدري أين أدرج هذا النصّ؟ فالألم الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ حلول النكبة لا يضاهيه وجع، والكاتبة بجذورها الفلسطينية مقهورة وقد تكتب كلّ شيء تحت الظلم والجور الشديد، وجعلها تكتب عن خور المجنّدة وقطعها لأذيال فئرانها، على كلّ نقرأ في خلاصة النصّ:
“أخرجتُ سكّينا أخفيتها في جيبي الخلفي، وحاولت أن أقطع ذيل المجنّدة المتحرّك، كما فعلت بهم.
صرخت المجنّدة بهيستيريا، تجمّع الجنود من حولي، أصابتني رصاصة مطاطية من أحدهم في عيني، وكان آخر ما رأيت، ضحكات الفئران الثلاثة وسعادتهم بما فعلت، وبعدها لم أعد أشعر بشيء”
الأكيد أنّ سامية العطعوط (التي قدّمتها سابقا في أثير) تحاول الخروج عن نمط معيّن في الكتابة، ومثلا في قصة قصيرة جدّا بعنوان “القدس بين مسرحين” جنحت الكاتبة نحو الخيال أو ربّما إلى الحلم أو سقطت في كابوس مثلما قالت هي في المقدّمة، حاولت أن أفكّ شفرة النصّ دون جدوى أو فائدة، ولذا سأمرّ إلى نصّ آخر لعلّه يفتح لي باب الفهم…
تحت عنوان “كاتب أضاع قصّته” تنخرط الساردة في القصّ، موضحّة منذ البداية أنّها تبحث عن قصة أضاعتها في زحمة فوضاها، وتختلط أحداث القصة بين شخصيتها وبين رجل يحمل سكّينا وتفاصيل كثيرة، وفي النهاية تجد الساردة نفسها وجها لوجه مع الجميلة الفاتنة بشعر أسود قصير ووجه دائري جميل، تجدها في غرفتها:
“عدتُ إلى البيت أجرّ خطوي تحت وابل من الألم، وحين فتحتُ باب غرفتي، كانت قصّتي تستلقي على سريري، تنزفُ آخر ما تبقّى من دماء..”
ماذا أقول؟ في خاتمة النزهة، هل ألجأ إلى كلام القاصة، فقد وضّحت كلّ شيء وبيّنت:
إنّها القصص القصيرة المخاتلة، التي تتمرّد على وعي كاتبها، وتأخذها معها إلى أقاصٍ بعيدة، لم يحلم يوما بارتيادها، إنّها القصص وقد تلبّستْني في الحلم يوما، وأرادت التعبير الفنّي بأيّ ثمن…”
كتبت المبدعة سامية العطعوط على صفحتها الفيسبوكية، منذ فترة قصيرة توضيحا لكلّ الأصدقاء وكلّ القرّاء ..يسهّل لهم قراءة الإصدار الجديد:
“للأصدقاء الذين تساءلوا عن العنوان، فإن (قطّة شرودنجر) مفهوم قدّمه الفيزيائي النمساوي إروين شرودنجر حسب ميكانيكا الكمّ. وباختصار، تخيّل شرودنجر في تجربة ذهنية قطّة داخل صندوق، تكون في لحظةٍ ما، في حالة تراكب بين الموت والحياة.. فهي حيّة وميّتة في آن…
والمحسوم:
هو حاجز عسكري يقيمه جيش الاحتلال الإسرائيلي في مواقع مختلفة من الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وقد يكون الحاجز ثابتاً مثل حاجز قلنديا وحاجز حوارة، وقد يكون مؤقتاً، بسبب أوضاع (أمنية) مفاجئة.. ولكن المؤكّد انتشار عشرات الحواجز العسكرية التي تعيق حياة الفلسطينيين اليومية، وهي أشبه ما تكون بالصناديق، ولدى عبور الحاجز لا يعرف الفلسطيني هل سيعبره حياً أو ميتًا.. وبالتالي، فإن (قطّة شرودنجر) هي تمثيل رمزي لحياة الفلسطينيين على تلك الحواجز….