أثير – مكتب أثير في تونس
وضّب الحوار وأنجزه: محمد الهادي الجزيري
القدر حين يتدخّل في حياة المرء يفعل ما يريد، هذه السيدة كانت تنوي العمل في بريطانيا فقادتها ريح طيبة إلى عُمان، لقيناها وسألناها عن شغلها وعلاقتها بالمكان والشعب العُماني، فحدّثتنا عن أبيها المرحوم والشغوف بمطلع الشمس وعن عملها المساعد للصمّ المتخصص في فنّ الإشارة، ثمّ باحت بحبّها لهذا الشعب المتسامح (وهذا نابع من قوة الإيمان و الأصالة ورزانة العقل) مثلما قالت هناء حُسين السكاكري، ونحن بدورنا نشكرها على رحابة صدرها والإجابة عن كلّ الأسئلة بما فيها المقطع القصصي الذي طلبناه وجادتْ به…
ـ مرّت أكثر من 15 سنة على إقامتك في عُمان، الآن يمكن القول إنّك تأقلمت مع ناسها وجغرافيتها كيف كانت البدايات في مطلع الشمس؟ وأيّ ريح هبتْ بك أم أنّها الصدفة؟
كانت البدايات في العاصمة مسقط بمدرسة الأمل للصم وضعاف السمع، كنت على يقين إنني توجهت الوجهة الصحيحة، لأنني كنت أعرفها كثيرا من خلال حكايات والدي رحمة الله عليه وأحاديثه عنها، ففي فترة الثمانينات كان التلفزيون المصري يبث نشرة الأخبار العمانية كل يوم أحد من كلّ أسبوع، وكان والدي ينتظرها بشغف ونحن معه وكنّا صغارا، فكان يحكي لنا عن سلطنة عمان الجميلة، وبما تمتاز به من هدوء وأمان وخصال أهلها الطيبين من أخلاق ورقي وثقافة، وحمدت الله على تحقيق هذه الأمنية…
ومرت السنون وانشغلت في دراستي ولم ينتهِ الحلم، وفي إحدى السنوات كانت الوزارة تقيم دورات مكثفة التحقت بها، وكنت مرشحة لبعثة إلى بريطانيا وانتظرها بشغف، وكان التوقيت يصادف وجود لجنة وزارية من سلطنة عمان بالقاهرة، وأخبرتني صديقة عزيزة لي بوجود اللجنة وأصرّتْ أن تأخذني معها، لتقديم الأوراق وعمل محاولة حتى لا يضيع الوقت وبالفعلِ اجتزت الاختبارات اللازمة، ولم أفكر في بعثة بريطانيا وسعدت جدا بسلطنة عُمان التي عشقتها كثيرا وأكنّ لأهلها كل الحبّ والتقدير.
ـ وهل كنت تعرفين شيئا عن تسامح هذا الشعب وقدرته على الانفتاح أمام الجنسيات المختلفة ومدى ترحيبه بالآخرين وقبوله لهم بصرف النظر عن أعراقهم وديانتهم؟
الشعب العُماني من أرقى الشعوب يمتاز بالأخلاق والعلم والحكمة والتسامح، تسامح ليس له مثيل في الكون وهذا نابع من قوة الإيمان و الأصالة ورزانة العقل.
ـ في سيرتك الذاتية نقرأ أنّك (مشرفة ـ موجّهة ـ تربية خاصة) وأنّك منتدبة بدائرة التربية الخاصة والتعلم المستمر بمحافظة ظفار، فماذا لو شرحت لقرّاء أثير عملك ومسؤوليتك التي في عهدتك منذ 2009 إلى الآن؟
عملي مشرفة “منتدبة” منذ عام 2009 أقوم بالإشراف على صفوف الدمج السمعي للحلقة الثانية بمحافظة ظفار، والدمج السمعي هو فصول ملحقة بالمدارس العادية بمعدل صف واحد، حيث يضم الطلبة من ذوي الإعاقة السمعية ويشاركوا العاديين في حصص المهارات الفردية والأنشطة والطابور الصباحي والإذاعة المدرسية، وجميع الأنشطة المختلفة داخل المدرسة.
ـ مختصة في تأليف الكتب العلمية مثل كتاب”الآن أسمعك بوضوح” الصادر سنة 2022 وكتاب “حديث الأيادي” الصادر هذه السنة، فهل تقدّمين كتابيْك باختصار وهل أنت بصدد كتابة متن علمي آخر؟
الأوّل يتحدّث عن الإعاقة السمعية بكل ما فيها تصنيفاتها والمشكلات والأسباب والحلول، وأيضا الذاكرة البصرية وأهميتها للأصمّ، وقدمت العديد من الإستراتيجيات الهامة المفيدة لمعلمي التربية الخاصة وتوظيفها مع الطلبة، والكتاب الثاني “حديث الأيادي” يتحدث عن لغة الإشارة وكيفية استخدامها بالطرق الصحيحة والقواعد الهامة في استخدامها، والجملة الإشارية عند الأصمّ وتركيبها، وأيضا قدمت نصائح هامة لمستخدمي لغة الإشارة، وأدعو الله أن تكون كتبي العلمية دليلا ومرشدا في طرق وأساليب التواصل المختلفة مع المعاقين سمعياً، إن شاء الله تحضرني فكرة كتاب آخر، لكن مشكلتي هي الوقت وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يلهمني ويعينني في ذلك.
ـ علمت منك أنّك تكتبين القصة، ولديك مشاركة في “بنت البليد” مع نخبة من الكتّاب العرب ونودّ منك مقطعا أو فقرة صغيرة ليطّلع السادة القرّاء على إنتاجك الأدبي. نعم أكتب القصة ومشاركة في مجلس إشراقات ثقافية، والحمد لله لحقت الأديب الرائع نصر سامي الذي علمني الكثير في كتابة القصة أكنّ له كلّ التقدير ..تحياتي له، وقد شاركت في مجلس إشراقات ثقافية بقصة في كتاب “بنت البليد”، قصتي بعنوان “حنين الوطن”، والتي تحكي عن طفلة اسمها “حنين” التي فقدت بصرها في فترة الدراسة الأولى وتتوالى الأحداث بعد ذلك، ومنها هذا المقطع الصغير.
“يأتي الشيخ عثمان الذي يتوكأ على العصا؛ نظرا لإصابة إحدى ساقيه في حادث قديم، ثلاث مرات من كلّ أسبوع، كلّما أتى إلى البيت تنحنح وصهل بصوته الجهوري الوضّاح، في كل خطوة يطرق بعصاه جوانب الجدران كأنه يقول إنني وصلتُ، وكلّما سمعتْ حنين صوتَ عصاه دقّ قلبها وارتجف؛ مخافة أن تخطئ في تسميع الآيات، في كلّ مرة يغادرهم شيخنا الجليل، لا ينسى أن يطمئنَ والديها بذكاء “حنين” وسرعة حفظها للسور، رغم هذا العام الذي انقطعت فيه عن الدراسة”
ـ حين تتعبين وتريدين الراحة بعيدا عن رتابة اليومي، هل لديك مناطق أو أماكن تهرعين إليها وخاصة أنّ صلالة حيث تشتغلين مشهورة بالجهات الرائعة والجميلة؟
صلالة رائعة بكلّ أماكنها ودروبها، وأقول لك جملة بطريقة الفكاهة،
“لو المطربة اسمهان قديما.. رأتْ صلالة لما غنّت لفيينا” ليالي الأنس في فيينا ” فصلالة أروع، ولو أنّ مؤلف الأغنية قديما الشاعر أحمد رامي رأى صلالة لَغيّر رأيه في فيينا وَلَغيّر اتجاه كلماته صوب صلالة رحمة الله عليهم…، أجواء صلالة متفردة في العالم كلّه،
حقيقة كلّ مكان فيها جميل، ولكن عندما ينتابني جهد وعناء وأريد الراحة والتأمل أذهب إلى منطقة “الدهاريز”، والشاطئ أنظر إليه من بعيد وأتأمّل المكان…
ـ ماذا يمكن أن تقولي لعُمان وقد صارت بلدك الثاني بعد عقد ونصف من الزمن؟
أقول لعُمان “من جاور القوم أربعين يوما صار منهم”، هي فعلا بلدي الثاني وحياتي التي أعشقها… أحبّها كثيرا….