أثير- عبدالرزّاق الربيعي
“ينتابني شعور، وأنا أكتب عن رحلتي منذ الطفولة إنني قطعت شوطا طويلا على طريق أعرف نهايته المحتومة إلا أنني لا أريد أن تنتهي قصتي، وسيرتي معي”.
بهذه الكلمات يفتتح رجل الأعمال الراحل مقبول بن حميد آل صالح فصول البوح في كتاب (دربٌ طويل – ذكريات حياتي)، الصادر عن (مطبعة عمان) 2020 م وهو كتاب سرد به فصول سيرته التي كتبها بمساعدة شقيقته د. معصومة، فقامت بتحريرها، وهذا معمول به في كتابة السير الذاتيّة، فقد كان يقصّ عليها فصولا حياته، وتقوم بدورها بصياغتها، كما بيّن الراحل في كتابه الذي يقول في مقدمته “هي سيرة رجل حاول أن ينجز في حياته بقدر وسعه من قدرات، وإمكانات… ومرآة تعكس سعاداتي، وكرباتي، وإنجازاتي، وإحباطاتي”.
لقد سرد به سيرة رجل يعرف الكثيرون أن صاحبها يملك شركات تعمل في الصناعة والسياحة ومجال الاستثمار، وهو مؤسّس أول إذاعة خاصة في السلطنة (إذاعة هلا أف أم ) لكن قلّة تعرف أنه أنتج خمسة أفلام في هوليوود ما تزال موجودة في الإنترنت، واسمه عليها، وكان رياضيا، وعضوا في فريق السلطنة للهوكي عام ١٩٧٨م، وشارك في بطولات خارج السلطنة، وفي سباق الراليات، والاسكواش. كلّ هذه المحطّات تكلّم عنها في كتابه، الصادر عن مطابع (عمان) في مسقط، وجاء في مطويّة الغلاف” يحمل هذا الكتاب بين طياته مجموعة من الذكريات للحظات عشتها في حياتي، وما زالت تنبض في روحي حتّى هذه اللحظة، لقد حاولتُ وصف الأحداث بكلّ مصداقية، ونقلها إليكم بكلّ شفافية”، واضعا عبارة لأنا كويندلن عتبة ” الحياة ليست بدايات ونهايات، بل استمرار، ومثابرة حتى الوصول”.
السيرة، بمجملها، لا تخلو من نجاحات وإخفاقات في رحلة حياة رجل عصامي ينتمي لعائلة تتكون من 13 شخصا، كانت في منتصف القرن الماضي تعاني من ضنك العيش، فيضطر الراحل (مقبول) للعمل بهدف مساعدة والده، ولم يكن هذا بالأمر اليسير في تلك الظروف، فهو يقول “منذ بداية مسيرتي، استلزم عملي الأوّل المشي عدّة كيلومترات متعبة كل يوم، أشعر وكأنني أمشي بالطريقة ذاتها طوال حياتي منذ ذلك الحين” ومن هنا جاء عنوان الكتاب (درب طويل).
ومما يُحسب للكاتب أنّه سلّط الضوء على الحياة الاجتماعية، والاقتصادية في عمان السبعينيّات، ، ومطرح ومسقط أيام زمان، وأرّخ لأحداث في حياة أسرته، ورحلته المهنيّة، وأولى محطات حياته كان الانخراط في الجيش عام 1959 م براتب قدره 120 روبية واستمر حتى عام 1967 ثم استقال من الجيش، لأنّه شعر أن سقف طموحاته سيقف عند نقطة معينة، وبدأ رحلة جديدة بدأها في العمل المحاسبي بدبي، ثمّ انتقل إلى شركة أخرى، فنال جانبا من النجاح، لكنّ النقلة المهنية الكبرى في حياته عندما عمل في سكرتارية الديوان السلطاني ابتداء من يوليو 1971 م عندما كان المرحوم السيد حمد بن حمود البوسعيدي وزير الديوان السلطاني الأسبق وتعلّم منه الكثير، كما يقول، وأنيطت له مسؤوليّات، ومواقع عدّة، وتدرّج في العمل الوظيفي، وبقي على رأس عمله حتى عام 1982م عندما أحيل للتقاعد، لكنّه واصل ممارسة أعماله الخاصة، وأهمّ ما خرج به من الوظيفة لقاءاته بجلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه- والدروس التي تعلّمها من جلالته، وفي ذلك يقول “علّمني أهم ثلاث مهارات أعتقد أنها أسّست نجاحي، ألا وهي: الانضباط، والمسؤوليّة، وبُعد النظر، طوال عملي في مكتب شؤون القصر على مدى عقد من الزمن، بدءا من درجة سكرتير، فنائب وزير شؤون الديوان وأخيرا وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، استمر تفاعلي مع جلالته، رحمه الله، ولم أتوقف عن التعلّم منه”، في رحلة عدّها دورة تدريبية طويلة وعملية تعلّم مستمرّة”.
وفي موضع آخر يقول “حسدني الأصدقاء والزملاء على منصبي لكنهم لم يدركوا تحدّياته، رأوني في موقع مؤثر، ولكنهم لم يروا مسؤوليات الوظيفة” وفرصة للاستفادة من التجارب، ولم يخفِ قلقه من طيّ صفحته دون أن تعرف الأجيال القادمة شيئا عن مكابداته، وها هي آخر صفحة من كتاب حياته يُطوى لكنه ترك كتابا دوّن فيه تلك التجارب.