أثير – مكتب أثير في تونس
أجراه: محمد الهادي الجزيري
– من 2010 إلى الآن وأنت مقيم في سلطنة عُمان، هل قرار القدوم كان أمراً شخصياً أم ثمة تفاصيل أخرى؟ نودّ معرفة الدوافع.. وهل كانت نتيجتها إيجابية؟
منذ أن غادرت اليمن في عام 1995م متجهًا إلى القاهرة، عملت هناك بمنظمتين عربيتين، الأولى هي جامعة الدول العربية، وخلال هذا الفترة كان ارتباطي بعددٍ كبير من الشخصيات والقيادات والعاملين في مجالات حقوق الطفل وحقوق الإنسان والمجتمع المدني في أغلب الدول العربية، وكان منهم شخصيات ومسؤولون من سلطنة عُمان، إلاّ أنّ زيارة مسقط في عام 2005م للمشاركة في ندوة، كان لها تأثيرًا كبيرًا عليّ، ليس بسبب كرم الاستقبال فحسب، وإنّما أيضًا بسبب التعامل الودي الراقي من قِبل المعنيين، وفي نهاية عام 2009م اضطرتني الظروف حينها التفكير بالانتقال إلى عمل آخر وفي بلدٍ آخر، وحصلت على عُروض متعددة من بعض الجهات في عددٍ من الدول العربية، ومنها سلطنة عُمان، وعليه قررت العمل في وزارة التنمية الاجتماعية بسلطنة عُمان، وهو قرار شخصي، استجابةً للمقابلات التي تمت مع المسؤولين فيها، وهو الأمر الذي ساعدني على الاستمرار بها لفترة (13) عامًا، وهي أطول فترة عملت فيها في مؤسسة سواء في اليمن أو خارجه.
– مكلّف بشؤون الطفولة بوزارة التنمية الاجتماعية في سلطنة عُمان، يمكن القول إنّك صرت عُمانيًا إلى جانب كونك يمني، كيف تأقلمت مع الناس وكيف ترى المجتمع في انفتاحه على الجنسيات المختلفة؟
كان هناك ثمة أسباب خفية شدتني لهذا البلد الكريم، وهو تقارب العادات والتقاليد بين الشعبين العريقين، والتاريخ المشترك لهاتين الحضارتين، إضافة إلى ذلك علاقة التعاون التي جمعتني بعددٍ من العُمانيين ساعدتني في تجاوز بعض الجوانب.. أما مسألة التأقلّم فهي كانت سريعة منذ قدمت إلى السلطنة لم أشعر فيها بأيّ فارق، فالمجتمع العُماني بحكم ارتباطه الحضاري، منفتح على شعوب العالم بشكل عام، ويرتبط باليمن بوشائج قربى وأصول قبلية واحدة بشكل خاص، الأمر الذي مكّنني على الإقامة المريحة والشعور بأنني بين أهلي وأصدقائي، ولديّ زملاء عمل وعدد من الذين أتعامل معهم هنا، تتشابه أسماءهم وقبائلهم مع أصدقاء لي في اليمن.
– لو تحدّثنا قليلاً عن وظيفتك، فتكليفك هام ما دامت الطفولة من شؤونك؛ هل ثمة صعوبات في مهنتك أم عوائق معينة؟
يُهمني الإشارة بداية إلى أن مسمّى خبير شؤون الطفولة هو المسمى الوظيفي، بحكم أنني عملت في قطاع الطفولة، ولخلفية خبرتي العملية التي تجاوزت الـ (35) عامًا، والعلمية بحكم دراستي في ألمانيا وتخصصي في علم النفس الاجتماعي واهتمامي بمجال السلام وحماية الأطفال والعمل الاجتماعي بشكل عام، ولاحقا في مصر لدراسة علم الاجتماع.
أما بشأن الصعوبات في المهنة وأية تحديات واجهتها أثناء عملي بوزارة التنمية الاجتماعية، أستطيع القول بصدق أنه لم تواجهنِي أية صعوبات عملية، بحكم تفهم المسؤولين لعملي، وتعاونهم الدائم معي، وهنا يسعدني أن أتقدم بالشكر الجزيل لكلّ المسؤولين والعامين في الوزارة، وغيرها من الجهات ذات العلاقة، على تعاونهم المستمر وتعاملهم الكريم معي.
– في اطلاعنا لسيرتك الذاتية، نلاحظ كثيرة الكتب والأوراق العلمية، هل تعد لنا في هذه الفترة كتابًا جديدًا، أم تشتغل على مشروع ما، أم أنك منكب على دراسات أخرى حول حقوق الطفل؟
أشكرك على هذا السؤال، نظرًا لأنه جاء متوافقًا مع جهود حالية لوزارة التنمية الاجتماعية، لإصدار كتاب أعددته عن “جهود سلطنة عُمان في متابعة حماية حقوق الإنسان وفق آليات الأمم المتحدة ودليل إجرائي للمعنيين بعملية إعداد التقارير الدولية بشأن حماية حقوق الإنسان وفق آليات الأمم المتحدة”، وهو ثمرة لجهود العمل في هذه الوزارة، وهنا أسمح لي أن أتقدم بالشكر الجزيل لمعالي الوزيرة الدكتورة/ ليلى بنت أحمد بن عوض النجار، التي تكرمت بالموافقة على طباعة الكتاب، وسعادة الشيخ/ راشد بن أحمد الشامسي وكيل الوزارة، وللسيدة / معاني بنت عبدالله بن حمد البوسعيدية، المديرة العامة للتنمية الأسرية، على دعمهما المتواصل.
– هل لديك اطلاع على الأسماء الفاعلة في المشهد الأدبي العماني؟ وهل ثمة أسماء شدّتك تجاربها في الأدب عمومًا؟
قبل قدومي إلى سلطنة عُمان كنت على اطلاع مستمر لمجلتين هما: مجلة “نزوى” ومجلة “التسامح”، وهما مجلتان علميتان وعالميتان (من وجهة نظري)، أحدهما تُعنى بالأدب، والأخرى تُعنى بالفكر الديني، ومن خلالهما تعرفت على أسماء عديدة، عمانية وعربية وأجنبية، بالإضافة إلى الأعمال الأدبية التي كنت أقتنيها في القاهرة وبيروت ودمشق، ومنها لكتاب عُمانيين، يصعب تحديد أسمائهم، إلاّ أنّه يمكن الإشارة لبعضهم كالكاتب والأديب المتميز سيف الرحبي، والمرحوم عبدالله الطائي، والكاتب الموسوعي أحمد بن عبدالله الفلاحي، فقد كنت أجد اليمن في أعمالهم المختلفة، وهناك أسماء اهتممتُ بمتابعة أعمالهم نظرًا لانشغالهم بالطفل وأدب الطفل والعمل الاجتماعي، ومنهم الكاتبة والشاعرة سعيدة بنت خاطر الفارسية، والكاتب والراوي ومُعدّ البرامج الثقافية للأطفال الأستاذ سليمان المعمري، والكاتب والشاعر حسن المطروشي، والكاتب والروائي محمد الشحري..، وهناك كتّاب وأدباء آخرون عديدون، ولأنني جئت من خلفية الثقافة والإعلام في اليمن، تواصلتْ متابعتي لعددٍ من المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية الثقافية والإعلامية، بل ونشرت في بعضها كمجلة شرق وغرب (الورقية والإلكترونية) ومجلة الثقافية في عُمان، ومجلة التكوين (الورقية والإلكترونية)، والموقع الإلكتروني لجريدة عمان الالكترونية، وموقع أثير الإلكتروني.
– هل تزور اليمن، وكيف ترى الأوضاع هناك، هل من حلّ.. أما من سلام؟
كنت أزور اليمن بشكل مستمرّ، وتوقفت في عام 2015م، مع بداية الحرب الأخيرة، إلا أن تواصلي مع الأهل والأصدقاء مستمرّ ولم ينقطع، وأتابع الأخبار عن اليمن في العديد من الوسائل الإعلامية العالمية والمحلية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء، وخاصة الذين يعملون في مراكز الأبحاث والدراسات، أو في المنظمات الاجتماعية والإنسانية.
أما بشأن رؤيتي للأوضاع هناك، فأنا حقيقة لست مع الحرب، وحددتُ موقفي منها منذ البداية، مؤكدًا على وقفها ومناديًا بالحوار لمختلف الأطراف، ولي موضوعات منشورة في هذا السياق في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية المحلية والعربية.
والحمد لله أثمرت جهود سلطنة عمان ومبادرتها الخاصة بوقف الحرب، إلى تحقيق انفراجة سياسية، مع التغيرات الإقليمية، وجرت في هذا السياق عديد من التطورات منها بدء الحوار، والإفراج عن أسرى، وفتح المجالات الداعمة للعمل السلمي الإنساني، كفتح بعض المطارات والموانئ وطرق السفر البرية، إلا أنّه لا تزال هناك تحديات قائمة على هذه الأصعدة، وبشأن الحلّ النهائي، أرى أن الجهود العمانية في هذا السياق -من وجهة نظري- كفيلة بتوفير المصالحة وتحقيق السلام.
– عُمان بمناطقها الرائعة.. هل لك بقاع تهرب إليها.. بعيدًا عن مشاغل الحياة، أثمة جهة ما تختارها كلما رغبت في الاستجمام، خاصة أن الطبيعة غاية في الروعة؟
تتمّيز عُمان بمناطق رائعة في كلّ ولاياتها، فقد حباها الله بتعدّد المناخات في عديد من محافظاتها الجبلية والسهلية والساحلية، ويجد الإنسان فيها، بما في ذلك السوّاح، أماكن لحاجاتهم الإنسانية، سواء الجمالية أو التنزه والراحة أو الأثرية، أو للاكتشاف والمغامرة وغيرها، وبالنسبة لي شخصيًا انا أحب زيارة مدينة صلالة، ربما لقرب مناخها ومبانيها مع مناطق في اليمن، وتحديدًا مدينتي عدن، وكذلك مدينة نزوى لجمالها وآثارها المتنوعة، ومدينة صور لروعة سواحلها.
أعتدنا مع ضيوفنا أن ننهي حوارنا معهم.. بذكر حادثة أو نادرة مرّت بهم خلال الإقامة.. فهل تذكر طرفة حصلت لك مع هذا الشعب الطيب؟
أثار اهتمامي أول ما قدمت إلى سلطنة عُمان، هو حدث انتخابات مجلس الشورى التي جرت في أكتوبر 2011م، وما سبقها من تحضيرات وما تلاها من نتائج، والحقيقة أنني كنت متوجّسا نوعًا ما في البداية، لما سبق أن لصق في ذاكرتي عما يجري في الانتخابات في عددٍ من الدول من تنافس شديد، تتخلّله الفوضى والصراعات الحادة في بعض الأحيان، سواء عند الترشح أو إجراء الانتخابات أو عند إعلان النتائج.
إلاّ أنّ ما شهدته حينها وتحديدا في عددٍ من أحياء العاصمة مسقط، هو الالتزام الشديد بالضوابط التي وضعتها لجنة الانتخابات، فسارت عملية التّرشح للانتخابات بهدوء تام،
وهكذا جرت عملية إعلان النتائج في الوسائل الإعلامية المختلفة، لم أشاهد خلال تلك العملية تجمعات صاخبة وعشوائية للمشاركين أو في هتافاتهم لمرشحيهم وقذفهم للآخرين، أو إلصاق صور المرشحين وبرامجهم بشكل عشوائي في كل مكان، فعملية النظام والالتزام بضوابط الدعاية الانتخابية، كانت راقية جداً، هذه الصور النظامية المتسمة بالهدوء في عملية الانتخابات أسعدتني جدًا، وفي الحقيقة لاحظت أثناء علاقتي بالناس في عُمان سواء في العمل أو خارجه وفي مواقف مختلفة، احترام المجتمع وتحديدًا الرجال للمرأة العمانية وتقديرها، وبشكل عام لم أشاهد أيّ موقف عراك أو شجار أو شتم، وتحديدًا بين المواطنين أو في تعامل المواطنين مع المقيمين، وهذا يعكس حسن السلوك والتربية للإنسان العماني وأخلاقه الرائعة والسلمية.