أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة : محمد الهادي الجزيري
الوهلة الأولى، خلال قراءتي للسطور المكوّنة لقصة ” يوم كامل في أقلّ من ساعتين ” تفرض عليّ الاعتراف بأنّ رأفت حكمت كاتب له طرافة وظرف في كتابته، هذا أوّل شيء أزيحه عن لساني أو قلمي ..، وأشهد أنّي توقّفت في محطّات داخل النصّ ..لأضحك أو أتفادى الضحك منّا نحن البشر ..فالأسلوب سهل ممتع ..تقاطعه جمل مفاجئة ..تفرض عليك وأنت مشغول ببائع اليانصيب والزبون وتفاصيل يومية ..، تفرض عليك الضحك والتوقف عن القراءة ..وتملّي الجملة المدسوسة بعناية ..، حقّا هذا القاصّ يتقن فنّ القصّ ..وإنّي فخور بوقوع الحافر على الحافر ..وحصولي على هذه المجموعة ” متأخّرا عن العالم مسافة عشر دقائق ” هذه المجموعة الشيّقة التي فيها تبشّر بأديب بارع ..، على الأقلّ في بدايتها ..التي تحكي عن بائع يانصيب وجملة ما يحدث لزبون قبل أن يشتري البطاقة وبعد أن يشتريها ..:
” كان يحمل في يده التي يمدّها أمامه في الهواء، شيئا ما يشبه الدفتر، بينما ينادي بأعلى صوته ( ستّة مليارات ، ستّة مليارات ، بكرا السحب ، ستّة مليارات ) يكرّرها كآلة تسجيل لم يُحفظ عليها سوى هذه العبارة، وكان ذلك في سوق مزدحم بالبشر، بينما لا أحد يلتفت إليه، فالجميع يعرفون حظّهم ( الزفت ) جيّدا …”
قصّة ثانية بعنوان ” بُقعة دم في الذاكرة ” أظنّها مستوحاة من طفولة الكاتب رأفت حكمت، فحميمية النصّ وحنينه الطافح من كلّ جملة ..توحي بذلك ..، السرد يقصّ حكاية ” روكي ” وهو جرو صغير وجده طفلان في صهريج ماء وقرّرا تربيته خلسة عن الأهل ..، القصة تقطر حنينا وإخلاصا وعاطفة جيّاشة تجاه حيوان أليف ..، وجد المأوى والأكل لدى طفلين يدينان بدين الإنسان الأوّل ..ألا وهو الحبّ :
” ..فهذه المرّة هي الثانية، التي أكتب فيها عن روكي ، حيث كان في الأولى ، بطلا في قصة قصيرة،وكنت أنا في الثانية خائفا، مختبئا داخل صهريج ماء، أنبح بصوت منخفض”
قصص كثيرة تتابع أمام القارئ ..، ثمّة قصة ” وجه البحّار القديم ” تحكي عن هيام السوريين ببيروت وأمنية كلّ واحد منهم بأن يراها وإن لم أفهم خاتمة القصة إذ يدخل السارد معصوب العينين ومقيّد اليدين إلى بيروت بعد حنين فظيع ..، قصة أخرى بعنوان
” عميل مجهول الهوية ” بطلها ( أبو حسام ) يجوب شوارع القرية على درّاجته ملبّيا طلبات الناس ..لإصلاح عطب ما أو ..كأن يسرق خطّ الكهرباء التابع للبلدية ..، ونفس الأمر الذي أجبره على الاستقالة هو الذي سيجبر ابنه الذي عوضه في الشغل ..على الاستقالة ..، نمرّ إلى متن سردي آخر، عنوانه ” من ذاكرة الخشب ” والعنوان يوحي بحكاية القصة ..فهي غوص عميق في ذاكرة الغابة ..حيث تبدأ كلّ شجرة في سرد ما مضى من تاريخ الغابة ..، حقيقة فكرة القصة جميلة وممتعة ..ونقتطع منها هذا المقطع:
” كانت تسمّى ( شجرة الحبّ ) ومنهم من كان يطلق عليها اسم الشجرة العاشقة، وكثيرون كانوا يتّهمونها بالتستّر على العلاقات العابرة ..
لها جذع ضخم، لونه البُنيّ الداكن، يوحي كم من السهل أن تنقش في طراوته ما شئت من القصائد والذكريات ..”