لا ينكر أحد أن العمالة الوافدة تساهم في البناء والتعمير، وتقوم بدور بارز في إنجاز كثير من المشاريع العملاقة المختلفة، فهي ساهمت في دفع عجلة النماء والتقدم العمراني للبلاد.
وهذا الأمر طبيعي إذ خلق الله البشر، وكل منهم يفتقر إلى الآخر، لذلك خلقهم متفاوتين، ليحتاج بعضهم إلى بعض، فهذا الصنف من الناس يبني ويعمر ، وهذا الصنف الآخر قد وهبه الله المال، ليصرفه أجرا لمن أدى عملا من الأعمال.
لوحظ في السنوات الأخيرة، وبناء على الإحصائيات الرسمية التي تصدر بين الفينة والأخرى حول التركيبة السكانية أن أعداد العمالة الوافدة ازدادت زيادة كبيرة جدا، والإشكالية تكمن أن يصير عدد العمالة الوافدة موازيا أو مساويا لعدد السكان، بل الخوف ان يصير عددها أكثر من عدد السكان، وهذا قطعا له تداعيات وسلبيات كثيرة على ديمغرافية البلاد، وله آثار أكبر على استقرار البلدان وأمنها.
ظلت السلطنة حتى وقت قريب مميزة خليجيا من حيث غلبة السكان عددا على أعداد الوافدين إلا أن الأمر يبدو قد أصابه أو سيصيبه خلل، إذ صارت محافظات بأكملها عدد العمالة الوافدة أكثر من عدد السكان، كما ان عددا من المحافظات صارت النسبة تدنو من الانتصاف بين السكان وبين العمالة الوافدة، وهذا بمثابة دق ناقوس وجرس إنذار على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي معا.
يتحتم على المستوى الرسمي الجرأة في اتخاذ القرارات المانعة من تغير المعادلة، والعمل الفعلي من أجل تقييد هذه الزيادة غير المرحب بها، علما بأن ذلك ليس فقط موكولا لمؤسسة رسمية معينة، بل لا بد من تعاون كافة مؤسسات الدولة، لأن ذلك يقتضي وضع استراتيجية وخطة وطنية من كافة المؤسسات وعلى أعلى المستويات خاصة وأن جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله أكد مرارا على المستوى الذي يجب أن لا تتجاوزه العمالة الواردة عددا.
ويتحمل المواطنون مسؤولية كبرى في عملية استجلاب العمالة الوافدة والحد منها، إذ من الملاحظ أن كثيرا من المواطنين يحاولون استجلاب تلك العمالة ولو لم تكن هناك ضرورة ملحة إليها، وللأسف يتفننون في التحايل على الموانع، ويجيدون خلق ما يجعلهم يخرقون الموانع، ومن المفارقات يشتكون من أضرار وأخطار العمالة الوافدة وكثير منهم لا يدع وسيلة ولا حبلا من أجل زيادة العمالة إلا وسلكه، يلقي الكرة في ملعب الحكومة، ويخلي نفسه من كل مسؤولية، وهذا من الأمر العجب، فالحكومة والمواطن يتحملون المسؤولية في ترك الحبل على الغارب؟
للعمالة الوافدة آثار سلبية كثيرة نشير إلى بعض منها:
الآثار الأخلاقية: إذ إن لكل أمة وشعب ما يميزه عن غير سلوكا وأدبا وقيما وأخلاقا، وهذه الشعوب تأتي بما اعتادت عليه من ممارسات، فتؤثر في المحيط الجديد خاصة إذا اختلطت بالسكان، وطال مكوثها في البلاد، وهذا التأثير السلبي في الجوانب الأخلاقية بدا وضحا جليا في عدد من الممارسات التي ما كان العماني يعرفها من قبل.
إن التأثير القيمي للعمالة الوافدة على المواطن لا يحتاج إلى شرح كما لا يمكن نشر ذلك على هذه الصفحات، ولكن جميعنا يدرك ذلك خاصة بعد صيرورة الحارات القديمة سكنا خالصا للعمالة الوافدة دون سواها، وقد غدت تلك الحارات من بعد أن كان الإرث الحضاري والتاريخي صارت اليوم مجمعا لتلك العمالة، تمارس فيها أنواعا من التصرفات المنافية للقيم والأخلاق والآداب، كما أنها غدت حاضنة لكل عامل هارب أو مطلوب أو متحايل على القانون أو متسلل إلى البلاد بطريق غير شرعي
الآثار الأمنية: لا شك أن العمالة الوافدة صارت كتلة فاعلة، وتجمعا ينسق فيما بينه، ونحن إذا نظرنا إلى أعداد الجرائم وتمعنا في الإحصائيات الصادرة لوجدنا أن أكثر هذه الاعمال صادرة عن العمالة الوافدة كالتحايل على القوانين، وعمليات التزوير، وتهريب المخدرات والتسلل إلى البلاد بالإضاقة إلى جرائم القتل والاعتداء بل صار المواطن الذي يقوم بكل ذلك يسترشد بالعمالة الوافدة، فيتعلم فنونا وأعاجيب منها، ما كان بطبعه وبساطته يدري عنها من قبل شيئا.
واضح ما تقوم به الأجهزة الأمنية الظاهرة منها والباطنة من دور في متابعة آثار وجود هذه العمالة الوافدة الأجنبية، مطاردات للمهربين لأشخاص أو لمهربي المخدرات خاصة في السواحل وعند الشواطيء، وهذه كميات من السموم تتوزع في ربوع البلاد على يد العمالة الوافدة، وللأسف بمشاركة عدد من المواطنين المنتفعين ماديا، التائهين أدبا وأخلاقا وقيما ووطنية.
وواضح الجهد المبذول في سبيل ملاحقة عمليات التسلل غير المشروع إلى البلاد، فهؤلاء بالإضافة إلى أخطارهم الأمنية إذ يدخلون البلاد وهم غير مقيدين في السجلات الرسمية، مما يعني ارتكابهم جرائر وجرائم كثيرة فإنهم كذلك يضاعفون الأرقام ويجعلهم رقما صعبا، لعدم إمكانية حصرهم ومعرفة الرقم الحقيقي لهذه العمالة أي قد يكون الرقم الحقيقي أكثر من المعروف والمسجل المعلن عنه.
الآثار السياسية: وقد يتعجب البعض من هذه النقطة، ولكن لو تابعنا الأخبار واستقرأنا حوادث بعض الدول لعلمنا أن تزايد العمالة الوافدة لها تأثير سلبي على القرار السياسي للبلدان التي تكثر فيها هذه العمالة، إذ تتحول هذه العمالة إلى كتلة ضغط فاعلة، لا بد من مراعاتها عند اتخاذ أي قرار مهم، ولا بد من تجنب استفزازها، كما أن الدول التي تنتمي لها هذه العمالة خاصة إن كانت ناشئة صاعدة، ويتوقع المراقبون أنها ستلعب دورا مستقبليا، وأن نسبة النمو فيها كبيرة اقتصاديا إن هذه الدول تسخر عمالتها لصالحها في الدول التي تعمل فيها، ومن الممكن أن تحرك عمالتها لإعاقة عدد من القرارات السياسية، كما يمكنها أن تحرك عمالتها من اجل إثارة القلاقل في البلدان التي تعمل فيها، فتضطر الدولة إما إلى الطلب من الدولة التي تنتمي إليها تلك العمالة بالتدخل، وطبعا لن تتدخل إلا بمساومات واشتراطات تراعي مصالحها أو تضطر الدولة إلى التراجع عن عدد من قراراتها مراعاة للدولة التي تنتمي إليها تلك العمالة.
لذلك فإن الحكومة بأسرها، وليس فقط مؤسسة بعينها إلى التحرك العاجل ووضع استراتيجية وخطة وطنية توقف تزاحم هذه العمالة، وتقاطرها على البلاد، ولا يكفي سن القوانين مع التغاضي عن خرقها، ولا يمكن التسليم بعملية الاستثناء أو كثرة الاستثناآت ، بل لا بد من التطبيق الحرفي للقوانين التي تحد من هذه العمالة، فإن عمان تستحق حفظا لقيمها وأخلاقياتها وأمنها.
كثير من المواطنين يهاجمون الحكومة ويدعونها إلى محاربة الفساد، والتشديد على المفسدين، وينادون بالتفعيل الحرفي لجهاز الرقابة الإدارية والمالية، ويناشدون حماية المستهلك بمضاعفة الجهد ومراقبة الجميع بما في ذلك من يعمل في السلك الحكومي، وكثير من المواطنين تنتابهم مشاعر الفرح عندما يرون مسؤولا حكوميا في القفص أو صدر عليه الحكم أو تمت مصادرة بعض أمواله، ويعللون ذلك بأنه إنصاف وحفظ لعمان ولأموال الدولة؟ للأسف الشديد نرى من المفارقات أمرا عجبا إذ عين المواطن الذي يطالب الحكومة بمحاسبة المفسدين يرتكب هو بنفسه الفساد، أليس من الفساد الذي يرتكبه المواطن التستر على العمالة الوافدة غير القانونية؟ أليس من الفساد إيواء العمالة الهاربة والتي تبحث عنها الحكومة؟ أليس من الفساد إيواء تلك العمالة الهاربة من قبل بعض المواطنين مقابل عشرين ريال في الشهر؟ أليس من الفساد تستر بعض المواطنين على العمالة المتسللة، وعدم الإبلاغ عنها مع علم المواطن أنها قد ترتكب جرائم قتل واغتصاب، وتساهم في خلخلة الاقتصاد؟
أليس من الفساد بعينه قيام عدد من المواطنين بالتحايل على القوانين من اجل استجلاب أكبر عدد ممكن من العمالة بالرغم أن حاجة ذلك المواطن أقل مما يطلب؟ أليس من الفساد قيام بعض المواطنين بتسريح عمالهم مقابل عشرين ريالا أو أكثر شهريا؟ أليس من الفساد تأجير عدد من المواطنين منازلهم للعمالة الوافدة وتركها تزور في تاريخ إنتاج ونهاية السلع الغذائية والصحية؟ أليس من الفساد قيام عدد من المواطنين تأجير منازلهم في الحارات وترك العمالة الوافدة تمارس ما شاءت من الأخلاقيات مع التستر عليها؟
أليس من الفساد تأجير عدد من المواطنين منازلهم للعمالة الوافدة بل والتعاون معها في تزوير الإطارات المنتهية، وبيعها على أنها جديدة، مما يؤدي إلى حوادث ووفيات عديدة؟
أليس من الفساد قيام عدد من المواطنين تأجير منازلهم بل والتعاون مع تلك العمالة في الغش في السلع، وتبديل الأرز عالى الجودة برخيص الجودة، ثم بيعه على أنه عالي الجودة مقابل عشرات الريالات بحصل عليها هذا المواطن؟
هل صار فساد المواطن حلالا يغتفر بينما صار فساد أفراد من الحكومة حراما لا يغتفر؟ كيف يطالب عدد من المواطنين بالتشديد على من يتجاوز القانون من الحكوميين بينما ذاته يمارس فسادا أشد؟
المقترحات: 1) قيام الحكومة بدراسة إشكاليات زيادة العمالة الوافدة من مختلف الجوانب سياسيا وأمنيا وأخلاقيا وقيميا واقتصاديا
2) تداعي أجهزة الدولة كافة من اجل وضع خطة وطنية واستراتيجية واضحة من أجل الحد من تنامي العمالة الوافدة مع التشديد في تطبيق ما يتم التوصل إليه.
3) وضع قوانين أشد صرامة ضد كل متسلل أو متعاون معه أو متستر عليه من المواطنين وتطبيق ذلك بصرامة.
4) محاسبة دقيقة عبر القوانين لكل مواطن تبين أنه لم يكن دقيقا في تقدر حاجته من العمالة الوافدة.
5) التفتيش المستمر شبه الأسبوعي على هذه العمالة وأماكن سكنها مع محاسبة المؤجرين من المواطنين الذين تستروا عليها.
6) ضرورة الحد من طلبات الشغالات وعمال المزارع، إذ من الملاحظ أن كثيرا من المنازل تطلب شغالات بالرغم من صغر الأسرة، ووجود ربات البيوت، بل عدد من المنازل توجد بها اكثر من شغالة مع أن البيت لا يتجاوز طابقا واحدا، ولا يتعدى 200 أو 250 متر مساحة، وعدد أفراده على عدد أصابع اليد الواحدة، وليس فيه أحد عاجز ممن يحتاج إلى رعاية من معاقين أو كبار السن مثلا.
وهذا الأمر يتكرر في المزارع إذ من الملاحظ تكدس العمالة الوافدة في مزارع صغيرة جدا، والعجيب أن عددا من المواطنين يطلب مزيدا من العمالة، وأكثرها يتم تسريحه مقابل ريالات معلومة في الشهر، لذلك ينبغي سن قوانين تحد من استقدام العمالة في هذين الجانبين خاصة.
لا شك أن السلطنة مقبلة على نمو اقتصادي متسارع موانيء ومطارات وأحواض جافة ومناطق ناشئة صناعية كالدقم وغيرها وشبكة طرق معقدة وسكك حديد وأنواع من الاستثمارات الضخمة الآتية إلى البلاد، وهذا أمر لازم لدفع عجلة التقدم والتنمية إلى الأمام، وهذا يعني مزيدا من تدفق العمالة الوافدة، لذلك يمكن للحكومة أن تضيق على استجلاب العمالة فيما لا طائل منه، وكذلك يجب على المواطن أن يتفهم التضييق، لأن المشاريع الأخيرة تهم البلاد بأسرها، ولا غنى عن العمالة في كثير منها، بينما كثرة طلب العمالة في مجالي خدمة المنازل والزراعة أمر غير ضروري بل ربما يكون من باب الترف والمباهاة والتقليد فقط.