الأولى

قرية عمانية حفظت اسمها منذُ قرون.. والسبب “بقرة واحدة”

أبو بقرة

أثير – ريما الشيخ

في زاوية قصيّة من الشمال الغربي لسلطنة عُمان، تقع قرية أبو بقرة؛ التي لم تُعرف يومًا بحجمها الجغرافي، وإنما بثقلها التاريخي، ودلالاتها الإنسانية، وقصصها المتوارثة التي تحفظها الصدور قبل السطور.

حول هذه القرية، كشف الشيخ علي بن عبدالله بن ناصر الزعابي، شيخ منطقة أبو بقرة، في حديثٍ خاص لـ ”أثير“ عن أصول التسمية التي حيّرت كثيرين، مؤكدًا أن اسم القرية ليس وليدًا للحداثة أو الإسقاطات الجغرافية الحديثة، بل قصةٌ موغلة في البساطة، تجسّد الكرم العُماني في أنقى صوره.

قصة الاسم

قال الشيخ الزعابي في حديث سابق لـ “أثير” إن التسمية تعود إلى نحو ثلاثة أو أربعة قرون مضت، حين كان الخشب التجاري يمر من البصرة والهند عبر سواحل المنطقة، وفي تلك الحقبة مرّ طاقم إحدى السفن التجارية على ساكنٍ في المكان، رجل لا يملك سوى بقرة واحدة يقتات من لبنها، ويعتمد عليها في حياته اليومية.

وبحسب الرواية المتوارثة، استقبل الرجل الضيوف وأكرمهم بذبح بقرته الوحيدة، رغم أنه لا يملك غيرها، أثّر هذا المشهد في نفوس الضيوف، فبادلوه بالإحسان، وتناقلوا قصته قائلين: “مررنا براعي البقرة” حتى أصبحت إشارة المكان مرتبطة به، وشيئًا فشيئًا ترسّخ الاسم، ليُعرف بعد ذلك بـ“أبو بقرة“.

الشيخ أكد أن الاسم لم يتغير حتى في زمن المغفور له السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، حين وجّه بتعديل أسماء بعض القرى، لكنه أبقى على “أبو بقرة” لكونه اسمًا تاريخيًا موثقًا في الذاكرة الشعبية.

أبو بقرة.. من المراسي إلى الازدهار التجاري

أوضح الشيخ لـ“أثير“ أن المنطقة كانت تُعرف قديمًا باسم “المراسي” نظرًا لوجود خورين من اليمين واليسار، مما جعلها نقطة إنزال للخشب، وأُنشئت فيها فرضة بحرية في القرن الثامن عشر تقريبًا، ومع حلول عام 1906م أصبحت منطقة تجارية معروفة، وُضعت فيها جمارك، واشتهرت بتصدير التبغ والليمون المجفف إلى البحرين والعراق، كما كانت منفذًا للبضائع الواردة من الهند وشرق أفريقيا.

كما أشار إلى وجود وثائق رسمية في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تؤكد نشاطها التجاري والبحري، مبينًا أن جده الشيخ محمد بن ناصر الزعابي كان يشرف على المنطقة ويُعد من أبرز وسطاء الحلّ والربط فيها، وعُرف بلقب “شيخ الشمالية“.

نكبة وادي القور.. وقرية تحولت إلى أطلال

في منتصف الثمانينيات، تعرضت أبو بقرة إلى نكبة كبيرة بسبب فيضان وادي القور الذي ينبع من إمارة رأس الخيمة، هذا الفيضان غيّر ملامح البلدة، ودمر البنية التحتية، ومسح منازل من الخريطة، بحسب وصف الشيخ الزعابي، ولم تعد الزراعة أو الثروة الحيوانية كما كانت، ما أدى إلى نزوح كثير من السكان نحو أطراف القرية حيث الشارع المعبد ومصادر المياه أفضل.

أضاف بأن الأهالي طالبوا بإنشاء سدود حماية تعيد الحياة للمنطقة وتمنع الكوارث مستقبلاً، مشيرًا إلى أن الجهود الحكومية تحركت لاحقًا، خصوصًا بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بالوادي والمناطق السكنية المجاورة.

أثرٌ باقٍ

اليوم، لا تزال “أبو بقرة” تحتفظ بمساجدها التسعة، ومنازلها الطينية، ونقوشها الجميلة التي تحكي تاريخًا مرّ عليه الزمن، لكنه لم يُنسَ، وما زال أهلها يفتخرون بأصل التسمية، ويروونها جيلًا بعد جيل، كتجسيد للقيم العُمانية الأصيلة؟

Your Page Title