رصد-أثير
إعداد: ريما الشيخ
ارتبطت كلمة «لاجئ» في الذاكرة الإنسانية بمشاهد النزوح القسري، والفارين من الحروب أو الاضطهاد أو الكوارث بحثًا عن حياة آمنة، لكن قليلين يعرفون أن لهذه الكلمة جذورًا لغوية وتاريخًا عريقًا، وأنها انتقلت من سياق ديني إلى مصطلح قانوني معترف به دوليًا.
من أين أتت الكلمة؟
في اللغة العربية، كلمة «لاجئ» مشتقة من الجذر «لجوء»، ويعني الاحتماء والاعتصام بمكان يحمي من خطرٍ ما. أما في اللغات الأوروبية، فتعود الكلمة إلى الأصل اللاتيني «refugium» أي الملاذ الآمن، ومنه اشتُقَّت الكلمة الفرنسية «réfugié» التي أصبحت لاحقًا «refugee» في اللغة الإنجليزية.
بداية الاستخدام الحديث
ظهر استخدام مصطلح «réfugié» في فرنسا في أواخر القرن السابع عشر، وتحديدًا في عام 1685م حين ألغى الملك لويس الرابع عشر مرسوم نانت الذي كان يكفل حرية العبادة للبروتستانت الفرنسيين، والمعروفين باسم «الهوغونوت»، دفع هذا الإلغاء آلاف الهوغونوت إلى الهجرة جماعيًا نحو إنجلترا وهولندا وسويسرا وألمانيا هربًا من الاضطهاد الديني.
استقبلتهم بريطانيا وأطلقت عليهم رسميًا وصف «Refugees» في الوثائق الحكومية، لتصبح الكلمة عنوانًا لموجات بشرية تهرب من الاضطهاد الديني والسياسي.
أول دولة استخدمته رسميًا
يُعد المؤرخون بريطانيا أول دولة في أوروبا الحديثة استقبلت موجة «اللاجئين» ووصفتهم رسميًا بهذا الاسم، تبع ذلك استخدام المصطلح لوصف حالات مشابهة في الثورات الأوروبية بالقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ثم اتسع ليشمل من يهربون من النزاعات القومية والثورات الصناعية وما صاحبها من اضطهادات سياسية.
من مصطلح لغوي إلى اعتراف قانوني
مع تزايد النزاعات المسلحة في العالم، خصوصًا في الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، برزت الحاجة إلى تعريف قانوني للّاجئين، فتم تضمين المصطلح في الاتفاقيات الدولية، وأبرزها اتفاقية جنيف لعام 1951م الخاصة بوضع اللاجئين، التي عرّفت اللاجئ بأنه “شخص يوجد خارج بلد جنسيته بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد”.
كم عدد اللاجئين اليوم؟
بحسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR لعام 2023 فقد بلغ عدد اللاجئين حول العالم نحو 35.3 مليون لاجئ مسجل رسميًا.
وإذا أُضيف إليهم النازحون داخليًا وطالبو اللجوء، فإن عدد المهجرين قسرًا يصل إلى أكثر من 110 ملايين إنسان، وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ البشرية.
ما أسباب اللجوء؟
تتنوع أسباب اللجوء وفق تقارير المفوضية الأممية، وأهمها:
- الحروب والنزاعات المسلحة: مثل النزاعات في فلسطين، وسوريا، واليمن، والسودان وأوكرانيا، والتي أدت وحدها إلى تهجير ملايين البشر.
- الاضطهاد الديني أو العرقي أو السياسي: إذ يفر بعض الناس من بطش السلطات أو الجماعات المتطرفة أو التمييز العرقي.
- الكوارث الطبيعية وتغيّر المناخ: تسبب الأعاصير والجفاف والفيضانات موجات نزوح واسعة خاصة في إفريقيا وآسيا.
- الفقر المدقع وانعدام الأمان: يدفع غياب الخدمات الأساسية بعض الفئات للبحث عن الأمان والغذاء والرعاية الطبية في دول أخرى.
كلمة تخطت اللغة وأصبحت واقعًا إنسانيًا
اليوم، تجاوزت كلمة “لاجئ” حدود الكتب والقوانين، لتصبح جزءًا من الخطاب السياسي والإعلامي، وشاهدًا على معاناة ملايين البشر. ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من 35 مليون لاجئ حول العالم، يعيشون قصصًا يختصرها هذا المصطلح في كلمة واحدة تحمل آلام التشرد وآمال العودة.
المصادر:
-قاموس أوكسفورد الإنجليزي (Oxford English Dictionary)
-موسوعة بريتانيكا (Encyclopaedia Britannica)
-قاموس كامبريدج (Cambridge Dictionary)
-المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – التاريخ (UNHCR History)
-تقرير الاتجاهات العالمية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2023 (UNHCR Global Trends Report 2023)
-المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – أسباب النزوح (UNHCR Causes of Displacement)
مصدر صورة الموضوع : فرنسا 24