أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
اهتم العمانيون طوال تاريخهم بأخبار الطقس وما يرتبط بها من هطول أمطار، وسيلان أودية وشعاب، وجرفات شديدة، أو محل وقحط، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
وقد حفلت المراسلات والتدوينات العمانية بالعديد من الإشارات إلى ذلك، نظرًا للموقع الجغرافي للبلاد، واعتماد العديد من المناطق الداخلية العمانية على الأمطار في قيام الحياة ونشأة المجتمعات في ظل عدم وجود مصادر دائمة للمياه كالأنهار والبحيرات العذبة.
“أثير” تعرض في هذا التقرير لإحدى الوثائق المهمة التي تؤرّخ لحدث مُناخي تعرضت له أجزاء من عُمان في عام 1360هـ الموافق حوالي عام 1940م، أي قبل 85 عامًا من اليوم.
مصدر الوثيقة
أما عن مصدر الوثيقة التي ستعرض “أثير” لها، فهو أرشيف الباحث الشيخ خلفان بن خميس بن حليس الهاشمي، صاحب متحف (الحصن القديم) بولاية الكامل والوافي، والذي يحوي أرشيفه العديد من المخطوطات، والوثائق، والشواهد المادّيّة المختلفة التي توثّق لحقب مهمّة من التاريخ العماني.
ويبدو أن مصدر الوثيقة الأصلي هو أرشيف أسرة بني إسماعيل في ولاية صور، ذلك أن هناك تقييدًا على هامش الوثيقة مكتوب عليه: " هذه الورقة من المستند حصلت عليها من الوالد ...(غير واضح) الإسماعيلي من بلدة قعب من وادي بني جابر عند بلدة حَلَم“.
صاحب الوثيقة
يبدو أن الوثيقة ناقصة من طرفها السفلي، لذا لم يظهر فيها اسم صاحب الوثيقة أو تاريخ كتابتها، وقد تم إضافة اسم خميس بن راشد الإسماعيلي في أسفلها بخط مختلف عن الخط الذي كتبت به الوثيقة.
وخميس بن راشد الإسماعيلي هو إحدى شخصيات أسرة بني إسماعيل في صور، وقد عاصر حكم السلطان سعيد بن تيمور وكانت بينهما بعض المراسلات التي تعود إلى الفترة الزمنية للوثيقة ذاتها.

موضوع الوثيقة:
تتناول الوثيقة حدوث أنواء مناخية سنة ألف وثلاثمائة وستين للهجرة، حيث هطلت أمطار غزيرة تأثرت بها عدة مدن في عمان من بينها بندر مسكد (مسقط)، وسمائل، وصحار، واستمرت لمدة 33 يومًا، نتج عنها العديد من الأضرار المادية حيث تفرّق أهل سمائل في الجبال، وسقطت حوالي تسعة آلاف نخلة في سمائل، و17 ألف نخلة في صحار لوحدها.
“تاريخ سنة ستين و٣ ماية وألف بعد الهجرة بالذي استوى في آخر الزمان من أمر المقدر من سيدي الرحمن تزعزعت الرياح وهطلت السماء بالأمطار وقام السيل في بندر مسكد ونواحيها من عمان شهر و٣ أيام، وأما بلد سمايل دار بها السيل والأودية من المشرق إلى المغرب وساروا أهلها هاربين إلى شغوف الجبال ولا ذراهم شيء عن أمر المقدر وطاحت النخيل من أدنى البلاد من نواحي سمايل قدر تسعة آلاف، وأما بلد صحار طاح من النخيل ١٧ ألف ونزلت عليهم من السماء ...عفريت له 12 جناح والله أعلم يطول الشرح بذلك"

تاريخ الأنواء المناخية:
كانت عمان قد تعرضت للعديد من الأنواء المناخية المختلفة من حيث مدى قوتها وتأثيرها نتيجة لموقعها الجغرافي والفلكي وقربها من مراكز تكون الأعاصير والحالات المناخية؛ وتحفظ لنا كتب التاريخ العماني عددا من التواريخ المرتبطة بهذه الأعاصير والمنخفضات، والجرفات وتأثيراتها على المجتمع المحلي.
ومن بين تلك التواريخ؛ حادثة وادي (كلبوه) زمن الإمام الوارث بن كعب سنة 192هـ، التي غرق فيها الإمام بعد محاولته إنقاذ بعض المساجين من أن يجرفهم الوادي الشهير بنزوى والذي كان قد امتلأ بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت في تلك السنة.
كما أورد المؤرخون العمانيون وأبرزهم نور الدين السالمي في تحفته أخبار إعصار سنة 251هـ الموافق 865م وتحديدا في ليلة الأحد 3 من جمادى الأولى زمن الإمام الصلت بن مالك؛ الذي يعده البعض من أهم وأقوى الأعاصير التي ضربت عمان قديما، حيث كانت له نتائج وخيمة من بينها طمس معالم بعض المدن واعتبارها بيت مال نتيجة للخسائر البشرية والمادية الجسيمة المترتبة عليه.
وفي يوم الجمعة 4 رجب سنة 513 هـ الموافق 17 أكتوبر 1119م، هطلت أمطار غزيرة وفيضانات، خصوصا في سمائل والمناطق المجاورة لها، وذلك في عهد الإمام راشد بن علي بن سليمان بن راشد اليحمدي، حيث دمرت هذه السيول الكثير من البلدان وأغرقت الأموال والمنازل، وارتفع منسوب الماء إلى مستويات عالية.
وفي ليلة الثلاثاء 5 جمادي الآخرة سنة 897 هـ الموافق 11 أبريل سنة 1492م، بحسب ما ذكر الشيخ مداد بن عبدالله بن مداد الناعبي، هطلت أمطار غزيرة بنزوى دمرت الكثير من حوائرها ومساجدها وحصونها ومزارعها وغيرها من البنى الأساسية.
وفي أواخر شهر شعبان سنة 970هـ الموافق شهر مايو سنة 1563م هطلت أمطار غزيرة على مناطق مختلفة من عمان وسالت الأودية والجراف كأودية الرستاق، ووادي بني عوف، والعلياء، وخضراء بني لمك، ونزوى، وبهلى، وسمائل، وعلياء الفوارس.
وفي شهر جمادي الآخر سنة 1094هـ الموافق شهر مايو سنة 1683م هبّت في عشي إحدى الليالي رياح عاتية على بعض مناطق عمان مصحوبة بأمطار شديدة؛ ما أدى إلى حدوث خسائر جسيمة في المزروعات واقتلاع أشجار النخيل.
وذكر ابن رزيق في (الفتح المبين) أنه في سنة 1213هـ الموافق سنة 1798م نزلت أمطار غزيرة على أغلب مناطق عمان استمرت ما يقارب من ستين يوما.
كما تخبرنا الروايات الشعبية عن حوادث عديدة حصلت بسبب الأنواء المناخية التي تعرضت لها أجواء السلطنة، كموجة تسونامي التي ضربت المنطقة حوالي عام 1945م، وحادثة غرق السفينة (سمحة) وغيرها من السفن العمانية في عام 1958 التي راح ضحيتها كثير من النواخذة والبحارة والمسافرين العمانيين، والعديد من المسميات لهذه الأنواء، مثل ضربة (الشلّي)، و(الأحيمر)، و(اللكيذب)، و(ضربة الكوي)، وغيرها.
المراجع
- العريمي، محمد بن حمد. قبل هيكا: تفاصيل عن أعاصير عديدة مرّت على السلطنة بينها اثنان تشابها في يوم وقوعهما، تقرير منشور في منصة “أثير” ، 24 سبتمبر 2019م.