أثير - جميلة العبرية
في هذا العالم المليء بالتحديات، أثبتت المرأة العُمانية حضورها بثبات وكفاءة، لتكون جزءًا فاعلًا من منظومة الطيران المدني الحديثة، تشارك في إدارة المجال الجوي العُماني بثقة واقتدار، وتؤكد أن الكفاءة لا تُقاس بنوع العامل، بل بقدرته على تحمّل المسؤولية والتفاني في أداء الواجب.
ومن بين هؤلاء النساء تقف هناء بنت مسعود بن خالد الحارثية، مراقبة جوية في مركز مسقط للأرصاد والملاحة الجوية، نموذجًا لعزيمة المرأة العُمانية التي جعلت من السماء مجال عملها، ومن الدقة والهدوء منهجًا في حياتها المهنية.

بين الورديات والمسؤولية
تعمل هناء كمراقبة جوية في منطقة المراقبة الجوية (Area Air Traffic Control) بنظام الورديات المتواصلة على مدار 24 ساعة، حيث يُقسَّم العمل إلى ورديات صباحية ومسائية وليلية لضمان استمرار إدارة حركة الطائرات دون انقطاع، وتوضح أن هذا النظام يتطلب استعدادًا جسديًا ونفسيًا دائمًا، لأن المراقب الجوي مسؤول في كل لحظة عن أرواح مئات المسافرين في الأجواء العُمانية.
الدافع نحو المجال
تشير الحارثية إلى أن بدايتها في هذا المجال جاءت بدعم وتشجيع من أسرتها، حيث يعمل عدد من أفرادها في مجال الطيران، مما ألهمها التوجه إلى هذا التخصص الذي يجمع بين الانضباط والمسؤولية والشغف بالمجال الجوي.
مسؤولية ودقة تحت الضغط
بيّنت هناء الحارثية أن العمل في المراقبة الجوية يتطلب وعيًا كبيرًا بحجم المسؤولية، والقدرة على اتخاذ قرارات دقيقة وسريعة تضمن انسياب حركة الطائرات بسلام، موضحة: “على المراقب أن يكون ملمًا بالقوانين والأنظمة الدولية لإدارة الحركة الجوية، وأن يهيئ نفسه نفسيًا وجسديًا قبل كل وردية، لأن العمل يتطلب تركيزًا عاليًا وقدرة على العمل تحت الضغط دون تردد أو ارتباك”.
الهدوء سلاح المراقب
أكدت الحارثية أن الهدوء وضبط النفس والدقة هي مفاتيح النجاح في هذه المهنة، خصوصًا أثناء أوقات الذروة أو عند حدوث حالات طارئة، مضيفة: “في تلك اللحظات يعتمد الجميع على اتزان المراقب الجوي وقدرته على اتخاذ القرار بثقة وسرعة، فسلامة الأرواح في السماء تبدأ من هدوء العقل على الأرض”.
أنظمة حديثة وتقنيات متطورة
تعرب الحارثية عن فخرها بتطور منظومة المراقبة الجوية في سلطنة عُمان، قائلة: “في مركز مسقط نستخدم أحدث الأنظمة والرادارات التي مكنتنا من استيعاب الزيادة الكبيرة في حركة الطائرات داخل المجال الجوي العُماني، بفضل تقنيات متطورة تواكب المعايير العالمية في إدارة الملاحة الجوية”.
المرأة العُمانية في المراقبة الجوية
وتؤكد هناء بثقة أن المرأة العُمانية أثبتت جدارتها وكفاءتها في مجال المراقبة الجوية، وأصبحت شريكًا فاعلًا ومساندًا لزملائها الرجال، مضيفة: “لقد أثبتت المرأة قدرتها على تحمّل المسؤولية والعمل تحت الضغط، وأظهرت احترافية عالية في أداء المهام الدقيقة التي تتطلب يقظة دائمة وقرارات سريعة”.
تأهيل الكوادر الجديدة
تذكر الحارثية أن مركز المراقبة الجوية يحرص على تأهيل كوادر جديدة من خلال دورات متخصصة، يتم فيها إعداد المراقبين ليصبحوا مدربين معتمدين قادرين على نقل خبراتهم إلى الجيل القادم، مشيرة إلى أن نقل المعرفة جزء أساسي من استدامة هذا المجال الحيوي.
رسالة إلى الشابات العُمانيات
في رسالة موجهة إلى الراغبات في دخول هذا المجال، تقول هناء: “العمل في المراقبة الجوية ليس سهلًا، فهو يحتاج إلى صبر ومثابرة وجهد متواصل، وأحيانًا تضحية بالوقت الشخصي والابتعاد عن المناسبات الاجتماعية، لكن من تملك الشغف والإرادة ستجد في هذا المجال تجربة استثنائية تُكسبها الانضباط والثقة والقدرة على إدارة الوقت بفعالية”.
المراقبة الجوية في كلمة
وعن وصفها للمهنة، تقول الحارثية: “المراقبة الجوية هي تحدٍ، ولأننا نعيش في تحدٍ مستمر بين ضمان السلامة وتحقيق الانسيابية في العمل، وبين التوازن بين الحياة المهنية والاجتماعية، إضافة إلى التحدي الصحي في التعامل مع ضغط العمل ونظام الورديات، إنها مهنة تُعلّمك أن السماء لا تُدار إلا بالعقل الهادئ والدقة المطلقة، وأن المسؤولية الحقيقية تبدأ من الإخلاص في أداء الواجب مهما كان علوّ المهمة”.