أخبار

لماذا يجب على المؤسسات المالية الإسلامية الإنفاق على الابتكار في التكنولوجيا؟

المؤسسات المالية الإسلامية

أثير - مصطفى بن ناصر الناعبي

مختص في الاقتصاد والتمويل الإسلامي

يعد الاستمثار في وحدة البحث والتطوير في أي مؤسسة من المؤسسات هو الشريان الأساسي لها حتى تتقدم وتنمو، ويشكل مقدار البذل على هذه الوحدة، مقدار ما تجنيه المؤسسة ولو بعد حين من منافع، فلا يشترط في تلكم المنافع أن تكون مباشرة بعد الاستثمار، فالعائد قد يتأخر قليلا لكنه بلا شك سيعوض أضعاف ما أنفق لأجله، فعلى سبيل المثال، شركة السيارات الأمريكية المعروفة Tesla، بدأت في الاستثمار في البطاريات الجافة Dry Cell منذ العام 2012، ولكن نتائج هذا الاستثمار لم تظهر إلا بعد 8 سنوات، وبالتحديد في عام 2020. وتعد هذه التقنية التي استثمرت فيها الشركة أساسًا لخفض تكلفة البطاريات وزيادة مدة عملها بشكل كبير.

مثال آخر على النجاح في الاستثمار الذي ظهرت نتائجه وكانت مبهرة بعد عقود من الزمن، فالتقنية التي نستخدمها اليوم وسهلت علينا كثيرا في استخدام الأجهزة، وهي تقنية لمس الشاشات Touch Screen التي بدأت الأبحاث فيها في ستينيات القرن الماضي، إلا أن النتائج بدأت في الظهور بعد أربعين عاما من بدء الاستثمار في تطوير هذه التقنية، وهناك أمثلة كثيرة لا يسع المقال لذكرها، ومرت بفترات زمنية مختلفة منذ بدء الاستثمار في الفكرة إلى حين خروجها إلى أرض الواقع وبدء الاستفادة التجارية منها.

وهذا الحال ينطبق على جميع المجالات، ومختلف القطاعات، وفي هذا المقال نركز على حال المالية الإسلامية في الاستثمار في البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا المالية، فحسبما تشير إليه العديد من الإحصائيات أن نسبة ما تنفقه المؤسسات المالية الإسلامية في البحث والتطوير في مجال التقنية المالية لا يتجاوز 1% من إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في ذات المجال عالميا، فعلى سبيل المثال، بلغ مجموع ما تم إنفاقه على البحث والتطوير في التكنولوجيا المالية عالميا في عام 2022 يزيد عن 160 تريليون دولار أمريكي بعد صفقات تجاوزت ستة الآف صفقة، إلا أن هذا الاستثمار شهد نزولًا ملحوظًا، ففي عام 2023 لم يجاوز هذا الإنفاق 95 ترليون دولار أمريكي بعدد صفقات يتجاوز ثلاثة آلاف صفقة، وفي النصف الأول من عام 2025، بلغ إجمالي ما تم إنفاقه على البحث والتطوير في التكنولوجيا المالية حوالي 42 تريليون دولار أمريكي، فهذا الانخفاض في الاستثمار في هذا المجال بلا شك يتبعه قلة في الابتكارات والتطوير وإيجاد منتجات جديدة تخدم السوق والمستهلك وبقية القطاعات الأخرى التي تستفيد من هذه التقنيات الحديثة.

فإذا كان مجموع نسبة ما ينفق في الابتكار في التكنولوجيا المالية الإسلامية 1% من مجموع ما يدفع عالميًا، فإن هذا يشكل عائقًا أمام نمو هذه المؤسسات بمنتجات تحافظ فيها على خصوصيتها وتخرج من عباءة التقليد والنسخ من التقنيات التي تخرجها المؤسسات المالية التقليدية، إلا أن يكون لها منتجاتها الخاصة بها التي تحفظ لها خصوصيتها الشرعية، وأن يكون لها قدرة تنافسية كبيرة في جذب عملاء جدد في السوق. فهنا دعوة لأن تتظافر الجهود من قبل القائمين على المؤسسات المالية سواء مجالس الإدارات أو الهيئات الشرعية أو الإدارات التنفيذية في أن تولي جانب الابتكار والتطوير عناية أكبر، وأن تبذل لها ميزانيات تتناسب، والأمر المرجو منها في أن تقدم خدمات وأفكار تسهم إيجاد حلول وابتكارات لمنتجات جديدة.

فقدرة المؤسسة على الاستمرار والنمو مقرون بقدرتها على الاستثمار في التطوير والابتكار، وهنا على المؤسسات المالية الإسلامية أن تؤسس لمراكز متخصصة في التطوير والأبحاث بشكل عام، وأن يكون فيها أقسام متخصصة للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا المالية؛ لإيجاد تطبيقات ومنتجات تتوافق مع طبيعة عمل المؤسسات المالية دون الحاجة إلى نسخ ما يوجد في النظام المالي التقليدي، وأن تكون هذه المراكز البحثية مدعومة بكوادر شرعية يكون دورها في أن تبحث وتبتكر في الخدمات والمنتجات على أن تكون مرتبطة بهيئات شرعية توفر الدعم والدراسة لأي فكرة منذ لحظة نشؤوها إلى حين تطبيقها على أرض الواقع، ولا يمنع أيضا في نفس الوقت أن تستفيد المؤسسات المالية الإسلامية من الشركات الناشئة في التكنولوجيا من خلال الاستحواذ عليها، لا سيما في الشركات التي تقدم حلولا مالية أو أفكارا تسهم في رفع كفاءة وعمل المؤسسات بما يخدم المؤسسة والعملاء وبالتالي يرفع الحصة السوقية لها.

Your Page Title