باريس-الطيب ولد العروسي
ينقلنا الدكتور خليل النعيمي في عمله الروائي الجديد “قصاص الأثر” ، الصادر في بيروت، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، إلى عالم البيداء السورية ليحكي لنا مأساة زوجين لم يعد يطيقان العيش معا، إذ تسريت إلى حياتهما اليومية مجموعة من الانكسارات والإحباطات جعلت الزوج يفر من بيته ذات صباح، هائما هل وجهه باحثا عن العبور إلى ضفاف أخرى، وفي إطار هذه الرحلة نلمس معرفة السارد إلى نباتات وجزئيات الصحراء، ليس كدارس أو مطلع عليها، بل كعارف وممارس لحياتها وأهوالها.
يؤكد السارد قبل بداية أحداث الرواية الكلمات التالية: “إذا قامت الساعة وفي نفس أحدكم كلمة فليقلها ” وهو تناص مع مجموعة من الأحاديث النبوية التي يقولها المسافر أثناء سفره، كما توحي لنا بآيات قرآنية ترمز إلى العديد من الدلالات التي تحث على العزم والإقدام في المشروع الذي يرسمه أو يخططه الإنسان لنفسه، وهذا ما نعرفه أو نقف عنده أثناء قراءتنا لتسلسل الأحداث التي خطط لها الزوج قصد الهروب من بيته دون إشعار زوجته، متوجها إلى أرض الطفولة ( الخابور) علّه يجد فيها ما يطفئ غضبه ويُعوّضه عن الحب الذي بدّدهُ صدأ المعاشرة ووطأة السنين . فراح يركض في البراري بعزيمة قوية، لكن حينما طال غيابه سألت الزوجة عنه في كل مكان ثم اهتدت إلى “قصاص الأثر”، الذي اتفق معها على ممارسة الجنس بعد أن يهتدي إلى مكان زوجها، وفعلا اهتدى إليه ووجده جثة هامدة.
تجدر الإشارة إلى أن قصاص الأثر يتميز بمهوبة سرية فائقة في الاطلاع والسيطرة على مفاتيح معرفة تلابيب فضاءات الصحراء رغم أن “الأثر في عالم الصحراء، المجرّد من كلّ وسيلة أخرى، هو الدليل الحاسم على الوجود وعلى العدم أيضًا”. ، كما يؤكد على ذلك السارد.
تتشكل الرواية من مجموعة دلالات صوفية حينما يريد الإنسان أن يتعرف على نفسه وعلى مساءلتها الحميمية، كما يمكن لنا أن نعتبر بأن هذه الرواية تتناول مأساة الشعب السوري، من خلال تراجيدية وهموم شخص سوري يثور ضد وضعه اليومي، غير أن التغيير ينتهي بمأساة تتلخص في موت بطل الرواية.