سعدية مفرح
- وليــــــــمة
وليــــــــمة
رغم أن من نجح في اصطياده في ذلك المساء الربيعي البارد لم يكن أمهر القناصة الذين ظلوا يطاردونه طوال مساءات ثلاثة سابقة، إلا أن الأرنب المسكين وقع أخيرا في فخ نذالاتهم اللاهية.
لقد كان هو الأكثر مهارة بين رفاقه الذين يشاركونه في الخوف والتخفي بين الشجيرات القزمة الآخذة في اليباس، ويفوقهم في معرفة في طرائق الهروب والانزلاق نحو جحور ضيقة وخفية، ولا يعرف أسرارالوصول إليها سواه.
ولكنه الآن يبدو منزويا بجراحاته النازفة الساخنة، وقواه التي خارت شيئا فشيئا، بينما القناصة المسرفون بنذالاتهم يعدون أدوات المائدة البريةالصاخبة، ويشعلون موائد الترف اللامع لشي كبرياء الضحية المنزوية مدثرة بدمائها النبيلة.
أغمض الأرنب الذي أذلته دماؤه المنسربة والذي لم تقنعه كل مهاراته الموروثة والمكتسبة في الهروب من مصير لم يكن هناك أي داع حقيقي إليه، أغمض عينيه الجامدتين على دمعه الساخن، وطرد زفرته الأخيرة عبر مسامات جلده المنسلخ، ثم..!
بدأت عافيته تتقطر لحما شهيا على استعار الجمرالمتقد.
كانت النار قد بلعت آخر ألسنتها الملتهبة البارقة عندما تضاءل الأرنب المسكين ، وانسحب إلى مركزذاته السامية.
تقلص لحمه الضامر أصلا، وذاب شحمه الرقيق، ثم بدأت عظامه الدقيقة بالتفحم الأخير.
في ذلك المساء الربيعي البارد والمضيء بقمره الصحراوي المكتمل، ونجومه الملتمعة إلا قليلا، كان القناصة المسرفون في نذالاتهم الموروثة والمكتسبة قدانطلقوا ضاحكين، يبحثون عن طريدة أخرى لوليمة تنتظر من يأكلها بصبر بائس وحليم.
***. ***. ****
- نصــــــــال
نصــــــــال
تكسرت النصال على النصال إذن، ولم يعد في جسدالروح المنهك فائض مكان لأكذوبة جديدة تدس نصلها بخسة خاطفة وهادئة فيه ,كان الرجل الخمسيني الذي أرهقته دسائس زملائه في العمل وزوجته في المنزل وأصدقائه في المقهى وصاحب البيت المستأجر وصغاره المخاتلين بانحيازهم نحو ألعابهم التي لا تنتهي وطلباتهم المتناسلة، وأمه، وكأنه لم يكن يحتاج الا لترهاتها الموشحة بذكريات سهر الليالي وتعب الأيام ولسان كنتها المجيد بسلاطة تطول الجميع متحدية البقية.
تكسرت النصال على النصال إذن، ولكنه زرع الهواء المثخن برطوبة البحر الخانقة أغان جديدة وهدايا صغيرة من الحلوى والكراسات الملونة ، وأيام جميلة آتيه يراها تلوح في نهاية الطريق نحو عمله المسائي الجديد.
نصل جديد في الطريق يبحث باصرار لذيذ عن مكان ما في روح الجسد، أم تراه جسد الروح؟
نصل حاد ونهائي لا يمنح خمسينياته المبكرة سوى لذة البدء وحرارة الهزيمة المتوقعة.
نصل يتلهف اللقاء منتظرا خلف مكتب العملالمسائي متوسل للبدء حكايات الزمن الذي مضى وخصلات بيضاء ساحرة وكأنها نصل مشهر في مقدم الرأس المشتعل بالغواية كلها.