أثير – تاريخ عمان:
أثير – تاريخ عمان:
إعداد: نصر البوسعيدي
إعداد: نصر البوسعيدي
على مر التاريخ ما قبل الميلاد وبعده كانت السفن العُمانية تجوب البحار شاقة طريقها نحو الحضارات المجاورة ما بين الشرق والغرب وهي حلقة الوصل التجارية بينهما، وحتى عند بزوغ العهد الإسلامي كانت عمان مركزا تجاريا حيويا، وأسهم العُمانيون بشكل كبير في فتوحات بلاد فارس وصد القراصنة في بحر العرب وإعادة الاستقرار التجاري ما بين موانئ الهند وعمان وبقية دول المنطقة، لذا لا غرابة أن نجد عمان تتسيد المشهد الاقتصادي في المنطقة. وفيها تم إنشاء أول دار إسلامية لسك النقود في شبه الجزيرة العربية تعود لسنة 81هـ – 700 م بفضل موقعها الاستراتيجي ومهارة ملاحيها وكثرة سفنهم وقوة أسواقها التي تُعدّ واحدة من أكبر خزائن النقود المتداولة في العالم الإسلامي .
وحينما تمت الإمامة في عمان، اهتم الأئمة اهتماما كبيرا بدعم الأسطول العماني وتقويته للتجارة وكذلك لصد الأخطار وحماية الحدود من أي اعتداء بحري محتمل.
وقد كانت البداية في عهد الإمام غسان بن عبدالله 192هـ /807م، الذي أنشأ أول أسطول بحري لعمان في عهد تاريخ الإمامة، وكان الأسطول مكونا من السفن التي تسمى الشذاة لمحاربة القراصنة في المحيط الهندي الذي يطلق عليهم لقب (الميد) فحاربهم واستطاع أن يقضي عليهم ليعود الاستقرار للملاحة البحرية بين الهند وجنوب شرق آسيا وعمان وبقية ودول الخليج.
كذلك أعاد الإمام غسان صحار إلى الواجهة واعتبرها عاصمة لعمان للتصدي مباشرة للقراصنة الذين يعترضون السفن التجارية في بحر العرب وبحر عمان ليقضي عليهم مثلما أسلفنا وتزدهر حركة التجارة في المنطقة.
أما الإمام مهنا بن جيفر فقد واصل ما بناه الإمام غسان وعمد إلى تقوية الأسطول العماني بشكل أكبر وتشير المصادر التاريخية،إلى أن عدد السفن الحربية في عهد الإمام المهنا بن جيفر وصل إلى 300 سفينة حربية ليرسخ سطوة الأسطول العماني في المنطقة.
وحينما تولى الإمام الصلت بن مالك الخروصي زمام الحكم في عمان ازدهرت الملاحة والتجارة بشكل أكبر في المنطقة نتيجة الاهتمام المتواصل بالأسطول العماني الذي كان يمثل شريان الحياة التجارية بين الهند ودول المنطقة وازدادت أعداد سفن الأسطول العماني في عهده بشكل ملحوظ واستطاع كذلك من خلال هذا الأسطول أن يحرر وينقذ أهل جزيرة سقطرى من قبضة المعتدين الأحباش وقضى عليهم حينما بعث أكثر من 100 سفينة لهذه المعركة.
وهنا نختصر لكم أبرز المعارك البحرية التي خاضها الأسطول العماني في عهد الأئمة:
– انتصار الأسطول العماني على الجيش الأموي في عهد عبدالملك بن مروان وواليه على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي.
– في عصر الدولة العباسية وتحديدا في عهد هارون الرشيد أرسل جيشه سنة 802م لإخضاع عمان لكنّ الأسطول العماني استطاع هزيمة الجيش العباسي هزيمة ساحقة.
– في عام 965م استطاع الأسطول العماني هزيمة البويهيون حينما حاولوا الاعتداء على عمان.
أما في عهد دولة اليعاربة ولأكثر من قرن ونصف كان الأسطول العماني مصدر قوة ورعب لجميع الدول الأوربية التي كانت لديها أطماع في المنطقة وأولهم البرتغاليون والإنجليز والهولنديون وغيرهم بشهادة الأوربيين أنفسهم من شهدوا أمجاد دولة اليعاربة رمز القوة والتحرر من العدو البرتغالي الغاشم في عمان والخليج والمحيط الهندي وشرقي أفريقيا.
لقد كانت الأساطيل الأوروبية تتجنب كثيرا مناوشة الأساطيل العمانية آنذاك لقوتها، ويذكر الدكتور (فراير) الذي عايش عهد الإمام سيف بن سلطان وزار الخليج في أيامه أن العمانيين وبسبب قوتهم ونشاط أسطولهم البحري في بندر عباس أرغموا الفرس على طلب المساعدة الإنجليزية لحمايتهم من القوة العمانية المتنامية في تلك الفترة.
ويقول المؤرخ البريطاني (لوكير) الذي زار مسقط كذلك في عهد الإمام سيف بن سلطان:
” إن الأسطول العماني تمكن من أسر واحدة من أغنى سفن كلكتا وكانت تحت قيادة الكابتن (ميرفيل)”.
وهنا يشير إلى هذه السفينة الإنجليزية التي أوقفها العمانيون لأنها دخلت المياه العمانية دون إذن وأسروا قبطانها، وعلى الرغم من نشاط الأسطول العماني ضد السفن الإنجليزية إلا أن الإنجليز وقتها لم يقوموا بأي عمل معادٍ ضد العمانيين من يملكون أقوى أسطول بحري في المحيط الهندي مثلما أشار لذلك باحث الآثار الفرنسي (سيرج كلوزيو).
كما قال الرحالة (جودريتش فرير) عن قوة الأسطول العماني:
“إانه من الضروري عدم استفزاز العمانيين إذ إننا لن نجني من وراء ذلك سوى ضربات تنهال علينا “
ويضيف المؤرخ الإنجليزي (كوبلاند):
“أصبحت البحرية العمانية في بداية القرن 18م تفوق بقوتها أي قوة بحرية أخرى لدرجة أن الأساطيل الإنجليزية والهولندية كانت تخشى كثيرا مواجهة العمانيين”
أما مايلز فقد قال:
” إن اليعاربة قد صارت لهم السيادة الفعلية على المحيط الهندي وأصبحت سفنهم تنشر الرعب في قلوب الأوربيين لمدة قرن ونصف”.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الأسطول العماني في عهد اليعاربة كان يتكون من:
– السفينة الحربية ” الملك ” وتحمل 80 مدفعا.
– السفينة الحربية ” الفلك ” وتحمل 74 مدفعا.
– سفينتين حربيتين تحملان 50 مدفعا.
– 8 سفن مزودة بمدافع وتحمل كل منها من (12 – 32) مدفعا.
– سفينتين حربيتين تحملان (60) مدفعا.
– 18 سفينة صغيرة تسمى ” الترانكي” وتحمل ما بين (8 – 14) مدفعا.
وهنا سنلخص لكم أبرز المعارك الذي خاضها الأسطول العُماني في عهد اليعاربة:
1 – الإمام ناصر بن مرشد يرسل قائده خميس بن سعيد لقيادة الأسطول العماني ومهاجمة البرتغاليين في مسقط عام 1648م.
2 – معركة ” كونت ” التي استطاع فيها الأسطول العماني من إيقاع هزيمة ساحقة بالأسطول البرتغالي في جزيرة هنجام.
3 – الهجوم على البرتغاليين في معركة زنجبار عام 1652م، وأوقع الأسطول العماني هزيمة ساحقة بالأسطول البرتغالي.
4 – الأسطول العماني بقيادة علي بن مسعود يهاجم الأسطول البرتغالي لتطهير الخليج العربي منهم في سنة 1652م.
5 – في عهد الإمام سلطان بن سيف الأول استطاع الاسطول العماني هزيمة البرتغاليين في بمباي (مومبي ) سنة 1655م.
6 – معركة ” فازا” التي حرر فيها الأسطول العماني فازا من الاستعمار البرتغالي وبعدها بعضا من أجزاء ممباسا بالإضافة إلى محاصرة البرتغاليين في قلعتهم هناك.
7 – دمر الأسطول العماني في بومباي قلعة برتغالية ما بين عامي 1661 -1662م.
8 – طرد الأسطول العماني البرتغاليين من مباسا نهائيا بعد حصارهم في قلعتهم وذلك في عام 1665م.
9 – مهاجمة الأسطول العماني للبرتغاليين في جزيرة قشم سنة 1668م بعهد الإمام سلطان بن سيف.
10 – معركة ديو في المحيط الهندي والتي استطاع فيها الأسطول العماني المكون من 19 سفينة و5 فرقاطات إنزال هزيمة ساحقة بالأسطول البرتغالي وذلك في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي سنة 1668م.
11 – معركة ” باسين ” التي استطاع فيها الأسطول العماني هزيمة الأسطول البرتغالي هزيمة ساحقة في عام 1674م بالقرب من بومباي.
12 – هاجم الأسطول العماني البرتغاليين في الساحل الهندي وتحديدا مدينة بارسلو ومانجالور قرب بومباي وغنم العمانيون من البرتغاليين في هذه المعارك غنائم كثيرة.
13 – ألقى الأسطول العماني القبض على سفينة انجليزية تسمى ” فريند شيب”، وتم بيع حمولتها بأكثر من 8000 جنيه إسترليني.
14 – هاجم الأسطول العماني البرتغاليين في دامان عام 1703م وانهزم في هذه المعركة الأسطول البرتغالي وغنم العمانيون 15 سفينة برتغالية وتم تدمير حصنهم.
15 – قام الأسطول العماني بإلقاء القبض على سفينة إنجليزية وأسر قبطانها واسمه (مورفيل) نتيجة دخوله المياه العمانية دون إذن في عام 1705م.
فلا غرابة إذن أن يصبح الأسطول العماني بكل هذه القوة مصدر رعب للأوربيين والقراصنة وهو الذي هيمن على الخليج والمحيط الهندي وقارة أفريقيا وطرق التجارة بشكل عام واستطاع أن يلقن البرتغاليين دروسا كبيرة يحفظها التاريخ دون شك ليبقى كل ذلك شاهدا على التضحيات الجسيمة والبطولات الكبيرة التي قدمها العمانيون في سبيل وطنهم ودينهم حينما نشروا الإسلام بشكل كبير منذ بدايات الهجرة الأولى للعمانيين وحتى عهد الدولة اليعربية ودولة البوسعيد التي اتخذ فيها السيد سلطان بن سعيد بن الإمام زنجبار عاصمة ثانية لعمان ليكتب العمانيون كذلك صفحات مجيدة من القوة والرفعة ويسيطروا على أفريقيا ويصل تجار عمان إلى أواسط أفريقيا ومنابع مصاب النيل حاملين معهم برفقة تجارتهم لواء الإسلام ونشره بين الجميع.
المرجع: أسياد البحر ، حمود بن حمد الغيلاني ، مطابع النهضة ، 2015-2016م