تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م -الجزء الخامس-

تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م -الجزء الخامس-
تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م -الجزء الخامس- تفاصيل رحلة أول سلطان عربي في التاريخ تطأ قدمه بريطانيا سنة 1875م -الجزء الخامس-

أثير – تاريخ عمان

أثير – تاريخ عمان

إعداد: نصر البوسعيدي

إعداد: نصر البوسعيدي

انتهينا في الجزء الرابع من رحلة السلطان برغش إلى إنجلترا في زيارته الأخيرة لابن عم الملكة فيكتوريا الدوق (أف كمبيرج) الذي أكرم السلطان أحسن إكرام لينصرف بعده السيد برغش عائدا إلى قصره ليستعد في اليوم التالي إلى زيارة أماكن أخرى في إنجلترا.

في زيارة السلطان برغش لدار الندوة (البارلمنت)

في اليوم 24 من جون (حزيران) (19 جمادي الأولى) خرج السيد برغش في حشمه يريد الفرجة على دار الندوة بلندن، والذي تم بناؤه على هندسة (موسيو شارلس باري) سنة 1837م بعدما احترق البارلمنت القديم سنة 1834م، فلما بلغ الدار لاقاه الماجيور (جوست) والكولونل (فورستر)، واقتادا سعادته إلى رواق الشرفاء والأعيان ، وكان أعضاء المجلس من اللوردات، والشرفاء جالسين على كراسيهم بترتيب، وهم يتباحثون في أمور السياسة ومصالح الأمة، وكان سار (هاركورت جونستن) يخطب في المجلس وقت دخول السلطان برغش الذي جلس في أعلى مكان من دار الشورى، وكان جناب الدكتور باجر والدكتور كيرك يترجمان لسعادة السلطان ما كان يتفاوض به أعضاء مجلس النواب.

وكان في غرفة من غرف المجلس جماعة منكبّين على الكتابة، فسأل سعادة السلطان عن حال أولئك الرجال، وعما كانوا يفعلونه ، فقال له جناب الدكتور باجر : ” إن الرجال الجالسين في تلك الغرفة هم مكاتبو الغازيطات ( الصحف ) والنشرات اليومية، وكانوا يحضرون كل يوم إلى دار الندوة ليسمعوا مفاوضات نواب الأمة، وينقلوها خطيا ثم يسلمونها لرجل من رجال التلغراف القائم على الباب، وهو يرسلها حالا إلى أرباب الجرائد، فيطبعونها، وينشرونها في برهة نصف ساعة، وأحيانا تذاع خطب أعضاء المجلس في المملكة كلها قبل انقضاء الجلسة نفسها، وخروج الأعضاء من الديوان، وكثيرا ما يرى الخطباء خطبهم التي تلوها في المجلس منذ بضع دقائق مطبوعة في الجرائد التي تباع على باب دار الندوة.

ثم ما لبث السيد زمانا طويلا في مجلس الشورى ليرى انشقاق آراء الخطباء، ونواب الأمة كالعادة، ولكنه خرج في رجاله، ودخل مخدعا مظلما، وهو الديوان الذي سجل الوزراء فيه قضية الحكم بالموت على (شارلس الأول) ملك إنجلترا، وكان الفقيه باجر يتلو على سعادته أسماء الملوك، والملكات، ورجال السياسة الذين حكم عليهم بالموت في ذلك المجلس في عصور مختلفة، وكلما ذكر تلك الحوادث المكربة، يؤثر تأثيرا عظيما في نفس سعادة السلطان ورجاله.

ويتألف نواب المجلس هذا من 658 نفسا منهم 471 من الإنكليز العريقين، و29 من شعب الغولواء (سكان بلاد الغال) ، و53 من أهل سكوتلاند، و105 من أهل إيرلندا ، وهؤلاء الأعضاء ينتخبهم أهل البلاد المذكورة من المدن، والقرى الخاضعة للمملكة البريطانية المتحدة، ويشترك مع هؤلاء الأعضاء زعماء المدارس الكبار ( أوكسفورد ) ، و ( كامبردج ) ، و (دبلين )، وكل من ملك عقارا في المملكة بقيمة أربعين شلينا وصاعدا، له حق في إعطاء صوته بانتخاب نواب الأمة، وكذلك كل من كان له مدخول سنوي من أملاكه بقيمة عشرة ليرات، فصاعدا، ومن كان له عقارات يدفع عليها رسمها للميري ( الضرائب) بمبلغ خمسين ليرة، وصاعدا له حق في الانتخاب ، والذين لهم منازل في المدن، والقرى يستأجرونها بقيمة عشر ليرات سنويا لهم كذلك صوت في انتخاب الأعضاء، وأضف إلى هؤلاء كل من كان حرا متمتعا بامتيازات الدينة البريطانية، وأما في ايرلندا، واسكتلند، فالصفات المطلوبة في المنتخبين تختلف عن الصفات المطلوبة في الإنكليز العريقين.

في زيارة سعادة السلطان لمستشفى سانتوماس

خرج السيد برغش في جماعة من وزرائه مصحوبا بخليله جرجس باجر الفقيه والدكتور كيرك يريد الفرجة على مستشفى سانتوماس، وهو من أكبر مستشفيات لندن، وربما هو أعظم مستشفى في الدنيا، فلما بلغ السيد في موكبه الحافل باب المستشفى خرج إلى لقائه سار (فرنسيس هيكس) أمين صندوق المستشفى ومستر (والكر) المدير ومستر (جون سيمون)، وجميع أطباء المستشفى، واسترحبوا بقدومه.

ثم أدخلوه أولا قاعة المصابين بالرمد، ثم إلى القاعة التي أنشأتها السيدة (ناينتنغال) الكريمة من مالها لخدمة المستشفى، ثم فرجوه على القاعة التي وضعت أساسها جلالة الملكة سنة 1868م.

وكان في القاعة حجر منقوش فيها وصايا موسى النبي عليه الصلاة والسلام بالقلم الإنكليزي، ثم صعد سعادته إلى الرواق الأعلى، وهو أضيق من الرواق التحتي، فتعجب السيد من إتقان بنائه المحكم ومن اتساعه الذي يبلغ نحو 900 قدم ونيف.

ثم سار إلى قاعتي فيكتوريا وألبرت، فواحد منهما معدة للمرضى الرجال، والثانية معدة للأطفال، ومن هناك خرج إلى المنظرة التي تشرف على نهر التيمس، ودار البارلمنت، وبعد أن تفقد مخادع المرضى، ورأى ما هي عليه من السعة، والنظافة، وحسن الترتيب سر بذلك غاية السرور وقال: “ما هذه دار مرضى، بل منازل تباري قصور الملوك”.

وفيما كان السلطان مارا بمخادع المرضى كان المصابون ينظرون إليه بأعين الارتياح، والسرور، وروح المحبة تشف عن وجوههم التي قد علاها الصفار، وشوهها السقام ،وما زاد السلطان سرورا كان ما نظره من أصناف الملاعب التي يحضرها خدام المستشفى لتسلية الأولاد، والأطفال والمرضى، فالتفت السيد برغش إلى سار فرنسيس هيكس، وأثنى على هممه الخيرية، وحسن سعيه في الاستحضار على كل ما يخفف على المرضى، والمصابين أثقال أسقامهم، وقال: ” لا جرم أن هذه حسنة كبرى عند الله”.

ومن غريب ما اتفق في أثناء ذلك من الحوادث هو أنه ريثما كان السلطان (صانه الله) خارجا من المستشفى ليركب عربته، وإذا بلوح من الزجاج السميك الذي كان يغطي سقف مدخل المستشفى هبط إلى الأرض، وتحطم على درج الباب قبل وصول سعادته إليه، وكان الباعث على ذلك أن أحد العاملين رغب في أن يرى سعادة السلطان، وهو خارج من الباب، فقفز من إحدى الطاقات إلى السطح المسقوف بألواح الزجاج ليشرف على عربة السلطان، فانكسر اللوح من عزم ثقل العامل، وسقط محطما إلى الأرض، وبلطفه تعالى لم يمس سعادته شيء من الخطر في تلك الحادثة.

في حضور السلطان برغش مأدبة الملكة

أصدرت جلالة الملكة فيكتوريا أمرها السامي باتخاذ مأدبة غناء ملوكية إكراما لسعادة السلطان في قصرها (بوكينكهام)، ثم أرسلت كتابا إلى سعادة السلطان تعرض عليه تشريف وليمتها بحضوره، فأجاب السيد دعوتها بلطف وشكران.

وحضر هذه المأدبة الأمير أف ولس ولي العهد وقرينته، وجلالة ملكة نذرلند (هولندا)، والأمير كريستين شلسيك هولستين، والأميرة قرينته، وحضر أيضا الأميرة لويسة ابنة الملكة فيكتوريا وزوجها الماركيز أف لورن، والأمير دوق أف ايدينبره ثاني أولاد جلالة الملكة، وزوجته الدوقسية ابنة قيصر روسيا، وكذلك حضر الأمير دوق أف كننوت ثالث أولاد الملكة، والأميرة غراندوقيسة أف مكلمبرج أسترليز، والدوق الشريف أف تك وزوجته الأميرة الدوقسية ابنة الملكة.

وبعد هؤلاء الأمراء والأميرات وصل السيد برغش سلطان زنجبار اعزه الله وفي حشمه حمود بن أحمد، وحمد بن سليمان، ومحمد بن أحمد، وناصر بن سعيد، والدكتور كيرك، والفقيه جرجس باجر، ومستر كليمنت هيل.

وكانت الأميرة أف ولس زوجة ولي العهد لابسة ثوبا من الحرير الأبيض بلون العاج على أطرافه سيور من القطيفة السمراء منضدة بالورد، وكان على رأسها تاج من الألماس وفي عنقها قلادة من اللؤلؤ والألماس، وكانت حاملة على صدرها نيشان فيكتوريا وألبرت ونيشان كاثرينا ملكة الروسية ونيشان عائلة دانيمركا الملوكية.

وكانت الأميرة شلسيك هولستين مرتدية ثوبا من الحرير الأبيض بلون أغبر وعلى أطرافه سيور مزركشة من نسيج بلاد الصين وعلى رأسها تاج منضد بألماس وحجارة لازورد وفي عنقها قلادة من الألماس ، وكانت حاملة على صدرها نيشان فيكتوريا وألبرت، ونيشان سانت كاثرينا الروسية ، ونيشان دولة البورتكيز، والنيشان البروسياني.

وبعد أن اجتمع المدعون واستوى المحفل باشر المغنيون باشر المغنيون بالغناء والعزف بالآلات الموسيقية، وكان عدد المغنيين والعازفين نحو 160 شخصا ونيفا ، وكان قد صار انتخابهم من بين أشهر المغنيين بلندن ، وكانت موسيقى الملكة في معيتهم.

وهذا فهرس الأغاني التي غنوا بها في تلك المأدبة

1 – فاتحة الغناء اسمها “شافي شاس”.

2 -غناء مزدوج مطلعه ” هناك نصافح بعضنا “وكلامه باللغة الإيتليانية (الإيطالية)، وغنى بها السيد ” روتا ” والسيدة ” زاره” وهو غناء مقتطف من الأوبرا الإيتليانية المعروفة باسم ” دون جوفاني “.

3 – “مادريغال” مطلعها ” نرتع في وادي الزهور ” وكلامها بالإنكليزي، وغنى بها جمع غفير.

4 – ” هوى ” مطلعها ” سعدا لك يا بلاد العرب المحبوبة ” غنت به السيدة ” ترابللي بتيني ” وكلام الغناء بالإيتلياني.

5 – ” مادريغال ” مطلعها ” أيها الملاك اللابس جسما بشريا ” غنت بها السيدة ” ادلينا باتي ” والسيد ” نيكوليني ” وكلامها بالإيتلياني.

6 –هوى مطلعه ” يا ليلة هادئة ” غنت بها السيدة ” تيسيان ” باللغة الإيتالينية.

7 – هو مطلعها ” نفسها الحزينة ” وكلامه باللغة اللاتينية وغنى بها السيد ” نيكوليني “.

8 – هوى باللغة الإيتليانية مطلعه ” الآن أنا وحدي ” وهو مقتطف من الأوبرا الإيتليانية المعروفة باسم ” فراديافولو ” غنت بها السيدة زارا.

9 – مقالة حماسية غنى بها جمع غفير وكان كلامها باللغة الجرمانية (الألمانية).

10 – غناء إيتلياني اسمه ” برينديزي ” ومطلعه ” السر ” مقتطف من الأوبرا الإيتليانية المسماة ” لوكراسيا بورجيا ” غنت به السيدة ” حنه دي بيلوكا “.

11 – غناء اسمه ” رومانزا ” مقطف من الأوبرا المسماة ” لافافوريتا ” ومطلعها ” لكل هذه المحبة ” وكلامها بالإيتلياني غنى بها السيد ” روتا “.

12 – غناء مزدوج مقتطف من الأوبرا الإيتليانية المسماة ” سيميراميدا” (ملكة بابل) مطلعه ” يا له من يوم تعيس فقدت فيه حبيبي ” غنت به السيدة ” تيسان ” والسيدة ” تريبلي بتتيني”.

13 – غناء إيتلياني مطلعه ” أيها الطيف اللطيف “، غنت به السيدة ” ادلينا باتي “.

14 – غناء مزدوج مقتطف من الأوبرا الإيتليانية المسماة ” ايل تروفاتوري” مطلعه ” إذ اشقاك التعب يا أماه ” وهو غناء رخيم يحن له قلب الجلمود غنت به السيدة ” حنه دي بيلوكا ” والسيدة ” نيكوليني “.

15 – غناء مثلث الأصوات مقتطف من الغناء المعروف باسم ” الزيجة السرية ” وكلامه بالإيتلياني ومطلعه ” انحنيت له برأسي تحية وسلاما ” غنت به السيدة ” أدلينا باتي “، والسيدة ” زاره ” والسيدة ” تريبللي”.

16 – خاتمة الغناء كانت مقامة الدولة البريطانية، وكلامها بالإنكليزي مطلعها ” اللهم احفظ الملكة “، عزفت به الموسيقى الملوكية بإدارة السيد ” كوزين”.

أما رجال السياسة الذين حضروا هذه المأدبة الشائقة مع حريمهم فهذه أسمائهم

سفير الدولة العثمانية ” موسوروس باشا ” وابنته ، وثم سفير دولة أوستريا ولمجر ، ثم سفير دولة جرمانية وزوجته الكونتسية ” ماري مونستر ” ثم سفير الدولة الروسية ، ثم سفير دولة هوندوراس وزوجته، ثم سفير دولة سالفادور وغواتيمالا والسيدة قرينته ثم سفير دولة الدانمارك وزوجته ، ثم سفير دولتي السويد “ونروج” والبارونيسة هوكشيلد ، ثم سفير دولة البيرو وزوجته ، وسفير دولة البورتكيز وزوجته ، ومن ثم سفير نذرلند وزوجته ، ثم سفير جمهورية البلاد المتحدة وابنتاه ، ثم سفير البلجيك وزوجته البارونيسة، ثم سفير دولة إيران ميزار ملكم خان وزوجته ، ثم سفير دولة البرازيل وزوجته ثم سفير دولة ” باراكويا” ( بورما ) ، ثم سفير دولة اليابون ودولة الاسفنيول ، ثم سفير دولة فرنسه وزوجته ، ثم سفير جمهورية الأرجنتين وزوجته ، ثم وكيل دولة إيطاليا وزوجته ، ثم كاتم سفارة مملكة اليونان ، والكثير من كبار الشخصيات والشرفاء في إنجلترا حضر هذا الحفل لا يسعنا هنا ذكرهم جميعهم ، وقد دامت الوليمة نحو ست ساعات، وبعد اختتامها انصرف الجميع إلى منازلهم بسرور وحبور.

وللرحلة بقية…

=================

المرجع: تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار، تأليف زاهر بن سعيد، تحقيق أحمد الشتيوي، 2007، وزارة التراث والثقافة مسقط.

المرجع

Your Page Title