تاريخ عمان – أثير
تاريخ عمان – أثير
إعداد : نصر البوسعيدي
إعداد : نصر البوسعيدي
قبل أكثر من 5 آلاف عام كانت عمان وموانئها الرابط الرئيسي لخط التجارة العالمي بين العديد من الحضارات، بل كانت عمان ومنتجاتها أهم دولة في تاريخ البشرية بالنسبة للفراعنة وحضارات بلاد النهريين وممالك اليونان الإغريق والرومان نتيجة تصديرها للبان المقدس الذي كان يحرق بكميات هائلة في المعابد ومراسم الدفن الكبرى في تلك الأنحاء من الحضارات القديمة، فقد ذكر المؤرخ الإغريقي ( بليني) على أن ملك روما ( نيرون 54 – 68 م) أحرق كميات نتاج سنة كاملة من اللبان – العماني – على شعائر جثمان خليلته (بوبيه)، فكان اللبان هو السلعة الأهم في العالم وموطنه حلم كبار الإغريق والرومان، وانتهت بتوجه حملة رومانية ضخمة لاحتلال عمان موطن اللبان عام 24 ق.م ولكن الحملة منيت بالفشل الذريع مثلما تشير كتب التاريخ.
لقد كانت إمبراطوريات العالم تستمد بضائعها الأهم في عالم التجارة آنذاك والقادمة من المحيط الهندي من خلال موانئ عمان التي كان أهلها رواد التبادل التجاري ومن أوائل الأمم التي مارست التجارة في المحيط الهندي وربطت العالم أجمع من خلال أهم موانئها التي كانت ترسو بها سفن التجار من كل مكان.
ولم تكن ريادة أهل عمان فقط في ركوب البحر والذهاب إلى العالم البعيد بغرض التجارة، بل كانت عمان المركز الرئيسي المهم في صناعة وبيع السفن الماجانية بين الأمم، حيث كانت تصنع في منطقة رأس الجنز ورأس الحد بمدينة صور في شرقية عمان، ولقد وجدت فيها آثار قديمة جدا تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد في تلك الأنحاء لمصانع السفن الماجانية التي كانت تصنع ببراعة ماهرة من قبل العمانيين وتصدر للحضارات المجاورة وبالأخص حضارات بلاد النهرين، وقد ذكرت النقوشات المسمارية سفن مجان كملحمة (جلجامش)، وكذلك نقش أثري وجد في أقدم المدن السومرية بعهد الملك (شلجي)، وغيره من الملوك العظام، كما أنها أصبحت في القرن الأول الميلادي أهم صادرات عمان أو (عمانا) مثلما يطلق عليها الإغريق قديما، حيث أشار كتاب الطواف لمؤلف يوناني مجهول عاش في منتصف القرن الأول الميلادي إلى أن أهم صادرات عمانا تلك السفن التي يصنعها -العمانيون – وتسمى ( ماداراتا)، وهي تصنع من الألواح الخشبية المشدودة بالليف.
لذا ليس من الغريب جدا أن تصبح كل بقعة من أرض عمان الساحلية مهمة جدا في خط التجارة ومنها ميناء ريسوت (صلالة) الذي يُعدّ عبر التاريخ من أهم الموانئ في المنطقة.
لقد كان ميناء ريسوت الميناء الأكثر أمانًا وحماية لاستقبال السفن الكبيرة التي خصصها أهل عمان قديما لنقل اللبان الظفاري وتصديره إلى الحضارات المجاورة.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الجغرافي والفلكي اليوناني (بطليموس) هو من حدد في خريطته ميناء (أوسارا) على السواحل العمانية، وقد أجمع الباحثون كـ (فون فيسمان) على أن أوسارا هي مدينة ريسوت وفق الكثير من المعطيات على أرض الواقع.
ولا شك بأن المكتشفات القديمة جدا في ريسوت والتي تعود إلى العصر الحديدي يدلل على أهميتها كمخزن حقيقي لسلعة اللبان قبل شحنه في السفن وتصديره للعالم، بل كان هذا الميناء هو المركز التجاري المهم في مدينة البليد الأثرية، وكان أغلب الرحالة في الحضارات القديمة ينظرون لأرض اللبان وموانئها بأنها أرض أشبه بالأحلام والأساطير في العهد القديم.
ولا شك بأن ريسوت في العصر الإسلامي استمر ازدهارها تجاريا كأهم الموانئ في المنطقة، وقد قال عنها مثلا المؤرخ اليمني الحسن الهمداني الذي توفي سنة 970م :
” ريسوت ميناء يقع على ساحل العرب جنوب عمان، وهو موئل كالقلعة بل قلعة مبنية بنيانا على الجبل، والبحر محيط بها إلا من جانب واحد في البر، فمن أراد عدن فطريقه عليها، وبها سكن من الأزد من بنو جُديد وزعيمهم عمرو بن يوسف الجُديدي”.
أما الأديب والجغرافي الرومي ( ياقوت الحموي 574-626هـ ) فقد ذكر ريسوت في كتاباته وقال :
“ميناء ريسوت يشكل موقعا حصينا في الجبل، وله طريق بري لا يبعد عن التجارة التي تسلك لعمان أكثر من ميل واحد، وسكان هذا الميناء من قبيلة الأزد العربية”.
من ناحية أخرى أشار( ابن المجاور 601 – 690 هـ) وهو أبو الفتح جمال الدين يوسف بن يعقوب جغرافي ورحالة ومؤرخ سوري إلى أن ريسوت :
“مدينة عظيمة ترتبط بخط تجاري بري مع بغداد تحمل التوابل واللبان”.
إن كل هذه الإشارات السابقة التي اختصرناها هنا تشير جميعها إلى أهمية مدينة ريسوت التي كانت ومنذ العهد القديم من أهم موانئ عمان عبر التاريخ بل كانت كذلك المرفأ الأهم للسفن التجارية القادمة من الصين والهند وهي محملة بالحرير والكافور والمسك والتوابل التي تأتي إليها لتصبح كمنطقة تجارية حرة يتم فيها تبادل البضائع وتصديرها مرة أخرى لبقية الحضارات المجاورة.
وفي الوقت الحالي نرى أن حكومة سلطنة عمان قد استطاعت أن تحيي أهمية هذا الميناء في ريسوت بإنشائها (ميناء صلالة) الإستراتيجي ليصبح شاهدًا على امتداد تاريخي في غاية الأهمية لدورعمان وأهميتها في مسار خطوط التجارة العالمية البحرية بين القارات والأمم.
*************************
المراجع:
1 – الموانئ العمانية القديمة ومساهمتها في التجارة الدولية في ضوء الكتابات اليونانية والرومانية من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي، تأليف : د.أسمهان سعيد الجرو، الطبعة الأولى2011م ، البرنامج الوطني لدعم الكتاب – النادي الثقافي – مسقط – سلطنة عمان، طبع في مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان.
2 – ويكيبيديا مقال ( ابن المجاور )، ومقال ( ياقوت الحموي).