حمود بن سالم السيابي
حمود بن سالم السيابي
يغادرنا عشاق المآذن والمنابر والمحاريب فتتعاظم أرصدتنا من طوال الأعناق يوم القيامة.
ونستوحش غيابهم فتخرج الأطياف من حروف المصاحف ونقوش المرافع وجص الجدران وزخارف الأسقف وألوان السجاجيد ووريقات تقويم وزارة الأوقاف، فنحيطها بأشواقنا فتفلت من خناق حصارنا لتسرج غيمة من الزمرد وتبتعد بها نحو عوالم بلال بن رباح وعبدالله بن أم مكتوم وأبي محذورة وسعد القرظ.
ومع كل انطلاقة لـ “حي على الصلاة” تعاود الأرواح الهائمة الطواف بجنبات المكان فنستحلفها البقاء لتؤمَّنا للصلاة ، ولتقف حيث اعتادت الوقوف، ولنصطفَّ خلفها حيث اعتدنا الإصطفاف، إلا أنها تبدو في عجلة من الأمر فتتسلل كديمة عطر، وتتسحَّبُ كنسمةٍ باردة.
وعلى هذا الدرب الممرع بالبشارات يغادرنا الشيخ محمد بن سعود الفرعي إمام وخطيب جامع السلطان قابوس الأكبر، والجباه الساجدة على أذانه لم تخرج بعد من التحيات، وبلل وضوئه ما يزال عطر السجود.
وعند آخر حصاة يطالها أذان جامع السلطان بصحار كان الشيخ محمد بن سعود الفرعي يطلق العنان لمقود السيارة ليعتصر قلبه بنفس اليدين اللتين اعتاد بهما اعتصار أذنيه وهو ينادي بـ”حي على الصلاة”.
وقبل أن تتوقف سيارة الشيخ محمد بن سعود الفرعي باتجاه القبلة كانت روحه الطاهرة قد رفرفت بها حويصلات طيور خضر.
ومنذ التحاقه كإمام بجامع السلطان قابوس الأكبر كان موقعه أمامَ المصلين في المحراب، وعند رحيله كان أمامَ المصلين أيضا وأمامَ المحراب أيضا، ولكنه كان مسجى هذه المرة، وكان صامتا ولا يكبِّرُ ليكبِّرَ خلفه المصلون.
وسيبقى جامع السلطان قابوس الأكبر يستذكر بالكثير من الإجلال ذلك الإمام الفارع الذي يطاول زخارف جدار القبلة وتلك العمامة التي تطال مقرصنات المحراب.
وسيستذكر الجامع صوت المؤذِّن الذي تهتز له القبة ويؤرجح بنبرته الثريات.
وستبقى تسجيلات أذاناته وكلماته وخطبه ذاكرة الجامع والمصلين.
ويبقى العزاء برحيل الشيخ الفرعي كونه يضاعف أرصدتنا من طوال الأعناق يوم القيامة، ويبني وشائج جوارٍ مع بلال وابن أم مكتوم.
——————-
هامبورج في ٢٦ يوليو ٢٠١٨م.