غيمة ماطرة
في ذكرى رحيل محمد شكري ميعادي
” تتّسع ثقافة الموت …
كلّما تراجعت ثقافة الذوق والمحبّة والجمال وحبّ الحياة ..”
م ـ ش ـ ميعادي
محمد الهادي الجزيري
وقع الحافر على الحافر، وأنا أرتّب مكتبتي عثرت على كتاب ” غيمة ماطرة ” وصادف هذا الأمر مرور ذكرى رحيله المؤلم رفقة الروائي محمد الغزالي إذ ترصدهما الموت على الطريق الرابط بين المتلوي وتوزر..، كان ذلك منذ أربع سنوات وكنت حينئذ كاتب عام اتحاد الكتاب التونسيين فقابلت وزير الثقافة في موضوع الوفاة الفجاءة ..فأرسلني في حافلة رفقة أصدقاء لأقدّم التعازي ..، على كلّ رحمهما الله ..ولنعد إلى الكتاب ونقتطف منه بعض القراءات والشهادات وفاء لمحمد شكري ميعادي….
الكتاب من إعداد وتنسيق عبد الله المتّقي وعبد العزيز ملوكي ، صدر بالمغرب الشقيق عن دار ديهيا ..، وقد افتتحه المتّقي بكلمة تضمنت أوّل مرّة التقى فيها الشاعر الراحل ..، وكان ذلك في الأيام القصصية للبشير خريف ..، ومن ضمن ما ورد فيها:
” ميعادي ..لن نترك ” كان ” تدخل عليك، ولن نساعد النسيان أبدا، فنحن أصدقاؤك الأوفياء، كنّا أوفياء ونبقى، في الحياة والموت، في الحضور والغياب، وحتّى نضرب النسيان بالضربة القاضية…”
أمّا الشاعر الناقد التونسي سمير السحيمي ..، فقد رافقني في رحلتي إلى توزر إبّان التعزية وقد أدلى بدلوه في هذا الكتاب ..وقال كلاما في حقّ الراحل ..يدلّ على وفائه وعمقه الإنساني ..وممّا جاء في كلمته :
” أعلن الصيف موته على الحقيقة، لكنّ الشعر أعلن حياته على المجاز، عاد إلى القصيدة وعاد إلى الوجود بالذكر في الشعر، هل كان يدرك أنّه سيغادرنا في الصيف؟، هكذا الشعراء يلامسون الغيب في الكتابة ويقهرون الموت والغياب بالغيمة والمطر والحياة..”
صديقه الحميم وحليفه في الحزن والفرح الشاعر محمد بوحوش ..كتب عنه في أكثر من مناسبة، ذكر حادثة موته في مجموعته القصصية القصيرة ..، وظلّ ملتاعا لفراقه ..وكان حبّر صفحات عن غيمة ماطرة فنشرها عبد الله المتقي في الكتاب ..وممّا ورد في كلمته:
” لقد جاهد الشاعر في توصيف حالته التي هي من حالة الإنسان العربي، فبدا له العالم العربي بشرا وأرضا في وضع المتعري الكاشف لسوأته دون أن يواريها، لكأنّه أراد أن يذكّرنا بأنّ العرب خارجون من التاريخ فلا هم حتّى على أعرافه وهامشه…”
شارك في هذا الكتاب عديد الأدباء المغاربة نذكر منهم الدكتور عبد السلام فزازي والروائي التونسي ابراهيم درغوثي والشاعرة زهور العربي ..كما ساهم عبد العزيز ملوكي بنصّ بعنوان ” الشعراء لا يموتون ” ورد فيه :
” لكن لم ينتبه لرسالة مشفرة صدر بها الراحل محمد شكري ميعادي ديوان ” الغيمة ” إلا بعد فوات الأوان ..، فبحدس العرافات قال:” إلى القليل المتبقي من العمر” وكأنّه يعرف أنّ أيامه صارت معدودات ..”….
يقول محمد شكري ميعادي في قصيدة ” عراجين الغيب “:
” إذا أعلن الصيف موتي
وصادرت الريح صمتي وصوتي
تخون الملامح وجهي
تبعثرني الأمنيات
أعود إليكِ
لأشرب من طيّباتك كأسا زلالا
ونسغا حلالا
أغنّي لمريم أغنيتين
أردّد أن لا لا تهزّي بغصن وجذع
سيصّاعد النثرُ
والشعر حوليَ والأغنيات
وتسّاقط التمرة المشتهاةْ..”
رحم الله من رحلوا جميعا ..وغفر لصديقنا الراحل ..، لكم حارب بكلّ ما أوتيَ من جهد وقوّة ..نجح مرّات وخاب مرّات أخرى..، لقد كان طفلا كبيرا ..أحبّ الحياة وما كان يظنّ أنّه سينتهي هو ورفيقه محمد الغزالي ..ضحيّة حادث مرور على مشارف توزر..، تلك التي ما زالت تبكي عليه ..وتذكره بخير………..