د.محمد بن حمد العريمي
لعبت المرأة العمانية منذ أقدم العصور دوراً كبيراً في مجالات الحياة المختلفة بالسلطنة، وكانت شريكاً حقيقياً للرجل في بناء حضارة هذا البلد العريق، وبرزت نماذج عديدة من النساء العمانيات في شتى المناحي السياسية والفكرية والاجتماعية؛ لذا فليس من المستغرب أن تحظى المرأة العمانيّة في هذا العصر الزاهر بالكثير من حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تصل إلى أعلى المراتب الوظيفية والقيادية، بل وأن نطالع كل يوم أخباراً تتحدث عن بروز أسماءٍ نسائيّة عديدة على المستويات المحلية والخارجية، وفي كل المجالات، فالمرأة العمانية اليوم هي امتدادٌ للمئات من النماذج البارزة اللاتي خلدت كتب التاريخ أعمال بعضهن، وتنتظر أعمال البقية الأخرى المزيد من البحث والاهتمام!
وفي هذا المقال أتناول جوانب محدودة من أدوار المرأة العمانية على مر العصور كما وردت في بعض الكتب والدراسات التي وقعْتُ عليها، مع التأكيد على وجود نماذج وأسماء عديدة أُخَر لهنّ إسهاماتهنّ البارزة والمؤثرة في كل حيّزٍ زمانيٍّ ومكانيّ خاص بالسلطنة، مع وعدٍ بمواصلة البحث والتنقيب للوصول إلى أكبر عددٍ من هذه الأسماء مستقبلاً.
فقد عدّ الباحث سلطان بن مبارك الشيباني في كتابه المهم ( معجم النساء العمانيات) أسماء 129 شخصية نسائية برزن في مجالات متعدّدة، وكان لهنّ إسهام واضح في حياة المجتمع من بينهن على سبيل المثال لا الحصر أصيلة بنت قيس البوسعيديّة أخت الإمام عزان بن قيس والتي عرفت بكثرة العبادة والإنفاق في سبيل الله، وتنسب لها أوقاف خيرية ( الشيباني، معجم النساء العمانيات، 10)، وثريّا اللمكية ابنة الشيخ راشد بن سيف اللمكي أستاذ نور الدين السالمي، التي تتلمذت على يد والدها وكانت هي وأختها عزّاءعلى درجةٍ من العلم والدراية ( الشيباني، 32)، وثريّا بنت محمد البوسعيدية التي أوقفت أموالاً كثيرة منها: مقصورة الرمامين، ومقصورة خرس المالح، ومقصورة وقفتها لمسجد المقحم في بوشر، وكانت النفقات توزع على الدارسين وطلاب العلم (الشيباني، 33)، وسالمة بنت علي الحجرية من أهل بدية وكانت لها مكتبة ( الشيباني، 80)، وشمساء الخليلية ابنة الشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي وزوجة الإمام عزّان بن قيس، وكانت مرجعاً لأهل عصرها، يقصدها الناس من كل حدبٍ وصوب، ويذكر أن لها يداً في علم السر، وقد تركت آثاراً أدبيّة وفقهيّة طيّبة( الشيباني، 92)، وشمسة بنت مسعود الحجريّة التي كانت معتنية باقتناء كتب العلم وسؤال العلماء، ومن الكتب المنسوخة لها كتاب الحكم العطائية ( الشيباني، 93)، وعائشة بنت جمعة المغيرية صاحبة مسجد (بنت جمعة) في زنجبار، وعزّاء بنت قيس البوسعيدية التي اشتهرت بالزهد والورع، وكانت تبذل أموالها في سبيل الله، وتقوم بتوزيع الإفطار على الناس في أيام شهر رمضان، ومن آثارها بناء مسجد للنساء في محلّتها يسمى “مسجد عزّاء”، أو ” مسجد بنت قيس” ( الشيباني، 137)، وهي أخت أصيلة بنت قيس الوارد ذكرها في المقال، ومنهن كذلك فاطمة المزروعية من أهل الرستاق التي قامت بوقف المال المسمى “بستان القبّة” لمسجد جامع العلاية بالرستاق، ومنهن أيضاً فضيلة بنت حمد من سمد الشأن عرفت بالفضل والورع، ولها كتاب في الأوراد باقٍ إلى اليوم ( الشيباني، 154)، ومنهن نجيّة بنت عامر الحجرية زوج السيد فيصل بن حمود ابن عزان، وكانت كاتبة زوجها لحسن خطّها، ونصراء بنت راشد الحبسيّة التي اشتغلت بتعليم النساء وتفقيههن مع أختها “حسينة” (الشيباني، 181).
كما أورد الباحث د. سعيد بن مسلّم الراشدي في بحثه القيّم “دور المرأة العمانية في صون المخطوط”، والذي سلّط من خلاله الضوء على الدور الذي قامت به المرأة العمانية عبر القرون المنصرمة تجاه الموروث الفكري والثقافي من المخطوطات العمانية، أسماء نساء عمانيّات رائدات أسهمنَ إسهاماً كبيراً في دعم حركة العلم والمعرفة بالمجتمع، منهنّ الشيخة زوردة بنت عبدالله بن محمد الكندي (ق12هـ) التي “جعلت من مصلاها مركزاً علمياً دعوياً وإصلاحياً، يرد من معينه النساء كافة، وقد استفدن من هذا المركز استفادة كبيرة”، كانت تنسخ لها الكتب، والشيخة ضنُوه بنت راشد بن عمر الخفيريَّة النزوية (ق12هـ). التي بلغ من شدّة حرصها على العلم أن الناس كانوا يضربون بها المثل لبناتهم على صورة التوبيخ، قائلين للبنت: “تراك لست ضنوه”، وكان لها مدرسة يدرّس فيها العلم الشرعي، وخزانة كتب مخطوطة، أوقفتها بعد وفاتها لطلبة العلم. ( الراشدي: المرأة العمانية سخّرت طاقاتها وإبداعاتها في نســـــخ العلم ونشره، جريدة عمان، 15/6/2016)
ومن النساء اللواتي أوردهنّ الراشدي؛ الشيخة زيانة بنت سلوم بن سعيد أمبوسعيدية (ق14هـ)، اشتغلت بطلب العلم، أعطاها الله ملكة في علم الميراث، وزاد اهتمامها بتأسيس مكتبة علمية يقصدها المتعلمون، وذلك لما زخرت به هذه المكتبة من مكنونات الكتب النفيسة، والمخطوطات الثرية كبيان الشرع، والمصنف، والضياء، وقد أوقفتها في سبيل الله، والشيخة نضيرة بنت العبد بن سليمان الريامية (ق14هـ) التي ولدت ببلدة «معمد» إحدى قرى ولاية منح، واغتنمت حياتها في طلب العلم وتحصيله، وحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، مما كان له أثر في تكوينها العلمي، كما عدّت من العالمات البارزات في نظم الشعر، وأراجيز الفقه، ومن حبها للخير، ونشر العلم بين الناس، فقد كانت توزع الصدقات على طلاب العلم، كما كانت لها مدرسة علمية وهي المدرسة الطينية المجاورة لبيتها، لطلبة العلم وحفظة القرآن الكريم، ولم يقف اهتمامها لهذا الحد، بل قامت بتأسيس مكتبة علمية تضم عشرات المخطوطات النفيسة. (جريدة عمان، 15/6/2016)
كما أورد الدكتور الراشدي في بحثه أسماء عدد من النساء العمانيات اللاتي اشتغلن في نسخ المخطوط ومنهنّ الشيخة راية بنت عبدالله بن خلفان البيمانية الرستاقية ( ق11هـ)، عاشت في عصر اليعاربة، واعتنت بالعلم، وبذلت الجهد في نسخ الكتب لنفسها بخطها الجميل، ومن أهم منسوخاتها: ج14 من بيان الشرع للشيخ محمد بن إبراهيم الكندي، وكتاب كشف الغمة وبيان اختلاف الأمة للشيخ سرحان بن سعيد الإزكوي، ومنهنّ
الشيخة زلخا بنت عبدالله بن محمد المفضلية (ق: 12هـ) التي كانت تنسخ الكتب لنفسها كبيان الشرع، وكانت على اتصال بالعلماء، ومن صلاحها وحبها للعلم، وصفها العلامة ناصر بن خميس الحمراشدي: “بالتقية والصالحة وطالبة العلم” (جريدة عمان، 15/6/2016).
ومنهنّ – بحسب الدكتور الراشدي- الشيخة عائشة بنت مسعود بن سليمان العامرية (ق13هـ) من قرية القريتين من أعمال ولاية إزكي، اهتمت بنشر الكتب وتحصيلها، ولها آراء وفتاوى فقهية رويت عنها في عدة كتب، ومن همتها البالغة في نشر العلم وتوسيع ثقافة الطالب، اهتمت بنسخ الكتب، ومن الكتب التي قامت بنسخها: كتاب “المهذب” المتخصص في علم الميراث للشيخ محمد بن عامر المعولي، وكذلك الشيخة غثنى بنت علي بن عامر الفرقانية العدوية (ق13هـ) زوجة الشيخ نور الدين السالمي، ومن حبها للعلم عرفت بنسخ الكتب بعد أن أتقنت كتابة الخط العربي حتى اشتهرت ببراعتها فيه، فكانت تنسخ الكتب للشيخ السالمي، وتدون له ما يملى عليه، ومن أهم منسوخاتها: “مشارق أنوار العقول” للعلامة نور الدين السالمي، وكتاب “منهج الطالبين” ج11أو12 للشيخ خميس بن سعيد الشقصي، والشيخة سالمة بنت سالم بن صالح العفيفية (ق13-14هـ ) وقد اشتهرت بكثرة العبادة حيث كانت تختم القرآن في كل سبعة أيام، وكانت معتنية بطلب العلم، واستنساخ الكتب، فمن منسوخاتها الجزء الثاني من كتاب بيان الشرع (جريدة عمان، 15/6/2016).
ويعدّ كتاب (النمير.. روايات وحكايات) للباحث والجامع محمد بن عبد الله السيفي في أجزائه الخمسة التي تناولت تاريخ عمان من أكثر المراجع التي أوردت نماذج من سيرة المرأة العمانية في المجالات المختلفة، ولعل حصر أسماء النساء الواردة في هذا السفر المهم بحاجة إلى ورقة عمل خاصة، وهنا سأورد بعض الأسماء التي أتت في الجزء الثالث من هذا الكتاب تاركاً المجال للقارئ الكريم للاطلاع على بقية النماذج في الأجزاء الأخرى التي تناولت تاريخ عمان، أو تلك التي تناولت تاريخ شرق أفريقيا، أو بلاد المغرب العربي.
ومن بين الأسماء التي أوردها النمير شيخة بنت عامر بن غصن العلوية التي كانت امرأة متعلمة يقصدها الناس للاستفادة، وكان لديها اطلاع ومعرفة في علم الحساب والفلك، ولها يد في التبرع لوجوه الخير( السيفي، النمير،ج3، 99)، والشيخة بنت صالح الزاملية، وعينا بنت سعيد بن حمّاد العبريّة، وسليمة بنت عبد الله الحراصية النخلية، والشاعرة الأديبة عائشة بنت سليمان بن محمد الوائلية، وغنية بنت فهير اليعقوبية، وموزة بنت بلعرب اليعربية التي وجد في مخطوط متعلق بالأوقاف والوصايا بمكتبة الشيخ المؤرخ سيف بن حمود البطاشي أنها بنت مسجدين، وتبرعت بمقبرة، وتبرعت بأكثر من عشرين نخلة مع مائها لوجوه الخير ( السيفي، المرجع السابق، 209).
وفي كتاب ( تبصرة المعتبرين في تاريخ العبريين) يحدثنا الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري عن سيرة الشيخة عائشة بنت محمد بن يوسف بن طالب العبري التي كان لها “آثار جليلة وأخبار جميلة، فمن آثارها بناء مسجد السحمة في بلد الحمراء، وكان يسمى مسجد الصاروج لأنها بنته بنته بالصاروج والحجارة، ووقفت لإصلاحه أثر ماء من فلج العراقي، ووقفت بستاناً كثير النخل مع ما يحتاج له المرء من الماء لعمل خلّ يكفي لعامة أهل البلد” ( إبراهيم بن سعيد العبري، تبصرة المعتبرين، 90)، ويضيف الباحث محمد السيفي في نميره أسماء نساء حمراويات أُخر كان لهنّ أثرٌ بارز في مجتمعهنّ من بينهن الشيخة سالمة بنت سليمان الصبحية الكدمية، والشيخة خديجة بنت سالم بن عمر الكدمية، والشيخة فاطمة بنت محمد بن عمر الناعبية، والشيخة خديجة بنت صالح الناعبية، والشيخة خديجة بنت زهران العبرية التي كان لها مجلس علم في مصلى النساء يسمى “مجازة الجفرة”، والمنفقة شيخوه بنت محمد بن زهران العبرية التي أوقفت مالها المطابق لسبلة السحمة، ومالها في “قطعة النغال” لصالح مدرسة (العالي) لتحفيظ القرآن الكريم. (محمد بن عبد الله السيفي، النمير،ج3، 354-358).
ويشير الباحث سعيد بن محمد الصقلاوي إلى دور المرأة الثقافي في صور من خلال اهتمامها بالتعليم حيث ظهرت مدارس تحمل أسماء صاحباتها ممن كان لهنّ دورٌ بارز في حركة التعليم بالمدينة كمدرسة فاطمة بنت سعيد القحان، ومدرسة ثنية بنت عبيد الزغّام ( سعيد بن محمد الصقلاوي، ثقافة المدينة، 112)، كما يشير الصقلاوي إلى أن المرأة في صور ” كانت تتفاعل مع الثقافة من خلال مجالس النساء التي كانت تعقد في البيوت، يتداولن الأشعار، والأمثال، والأخبار، والأحاديث الدينية فضلاً عن جلسات الفن الشعبي الذي كنّ يمارسنه في بيوتهنّ مساء أو في وضح النهار بين الحارات أو في الميدان، فازدهر الشعر بينهنّ، وكان من أشهرهنّ سليمة بنت سعيد مكشّن المخينية، وفاطمة بنت محمد المخينية، وسالمة بنت سالم أبو ناشب الفارسية، وغيرهنّ من ربات القصيد، وصانعات الكلام في صور. ( سعيد بن محمد الصقلاوي، المرجع السابق، 112).
كما أشار الأديب أحمد بن عبد الله الفلاحي في كتابه (بطّين..لمحات عنها) إلى خمسة عشرة سيّدة من نساء قريته كان لهنّ أدوارٌ فكريّةٌ واجتماعيّة واقتصادية متعددة من بينهنّ عزاء بنت حماد المغيرية، وسليمى بنت سعيد الفلاحية، وحسناء بنت لزيم المصلحية، ومزينة بنت خاتم الفلاحية، وجليلة بنت سالم الفلاحية، وريّا بنت عامر الشبليّة وغيرهنّ ممن أسهمنَ إسهاماً بارزاً في خدمة مجتمعهنّ المحلّيّ أسوةً بالنساء العمانيات في مختلف المدن والقرى.
ولا يمكن الحديث عن سيرة المرأة العمانية وعطائها على مدى العصور دون أن نشير إلى دور شخصيتين مهمتين؛ الأولى كانت في المجال الفقهي والسياسي وأقصد الشيخة عائشة بنت راشد الريامية العالمة الجليلة، والفقيهة المفتية ( الشيباني، مرجع سابق، ص103)، التي نشأت في بلدة بهلا، ونسخ لها العديد من الكتب مثل الجزء الرابع عشر من بيان الشرع، وكتاب “المحاربة”، و”البستان”، والجزء العاشر من “المصنف”، وأشارت بعض الدراسات إلى وجود مؤلفات وأجوبة فقهية لها تلاشت بمرور الزمن، وكان لها رأي في الأحداث التي تلت خروج الامام سيف بن سلطان على أخيه الإمام بلعرب حيث ” أمرته بلزوم بيته إلى حين النظر في أمره حيث قرر العلماء استتابته ثم مبايعته” ( سالم البوسعيدي، الرائع في التاريخ العماني، ج2، ص58),
أما الشخصية الثانية فهي السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، وهي من الشخصيات النسائية البارزة في التاريخ العُماني التي لعبت دوراً كبيراً في المجال السياسي مطلع القرن التاسع عشر، واستطاعت بحنكتها تهيئة الحكم لابن اخيها السيد سعيد بن سلطان بعد مقتل والده على يد بعض القراصنة، وطمع العديدين في كرسي الحكم مستغلين صغر سن أبناء السيد سلطان، فاستطاعت السيدة بكل ما اكتسبته من خبرة نتيجة نشأتها في بيت سياسي احتواء المشهد وضرب المتنافسين بعضهم ببعض، وأصبحت وصية على العرش حتى بلوغ السيد سعيد سن السابعة عشر حيث تمكن من اعتلاء كرسي الحكم واستمراره حتى وفاته عام 1856.
المصادر والمراجع:
1- الشيباني، سلطان بن مبارك. معجم النساء العمانيات، القسم الأول، ط1، مكتبة الجيل الواعد،2004.
2- السيفي، محمد بن عبد الله. النمير روايات وحكايات، ج3، المؤسسة العالمية للتجليد
3- البوسعيدي، سالم. الرائع في التاريخ العماني،ج2، مكتبة الأنفال، مسقط
4- العبري، إبراهيم بن سعيد. تبصرة المعتبرين في تاريخ العبريين، تحقيق محمد بن عامر العيسري، ذاكرة عمان، مسقط،2015.
5- الفلاحي، أحمد بن عبد الله. بطين.. لمحات عنها، دار الرؤيا للصحافة والنشر، 2013.
6- الصقلاوي، سعيد بن محمد. (ثقافة المدينة) بحث مقدم لندوة صور عبر التاريخ، المنتدى الأدبي. ط2، 2007.
7- الراشدي، سعيد بن مسلم. حوار بعنوان (المرأة العمانية سخّرت طاقاتها وإبداعاتها في نســـــخ العلم في جريدة عمان) بتاريخ 15/6/2016.