مسقط -أثير
إعداد: الباحث محمود محمد صادق- ماجستير في الآثار الإسلامية من جمهورية مصر العربية
يُعدّ حصن بيت الفلج من أحد المعالم الدفاعية المهمة في محافظة مسقط. ويرجع تاريخ تشييده إلى أصول عربية قديمة، حيث تشير بعض المصادر إلى أنه شيّد على أنقاض حصن عربي قديم، وهو أمر انعكس في أسلوب تخطيطه المعماري وعناصره الدفاعية، لذلك استخدم هذا الحصن للأغراض الدفاعية من حيث موقعه الاستراتيجي المهم الذي يسبق مسقط، ومطرح، كحصن حربي متقدم في عملية الدفاع. وعبر امتداد تاريخه استُخدم الحصن للأغراض السكنية فأضيفت عليه بعض اللمسات المدنية لأغراض المعيشة والإقامة من حيث تقسيمه الداخلي واحتوائه على غرف للنوم وأخرى للاستقبال والاجتماعات.
ويقع هذا الحصن بحي بيت الفلج بمنطقة “دار سيت ” التابعة لولاية مطرح بمحافظة مسقط، ويبعد عن مطار مسقط الدولي ما يقارب 29 كيلو مترًا، وقد شهد أحداثًا مهمة في تاريخ عُمان السياسي، من أهمها تلك التي وقعت بين العُمانيين والفرس في عام (1156هــ/ 1743م) بقيادة سيف بن حمد اليعربي، والي الإمام سلطان بن مرشد اليعربي، كما اتخذه محمد بن خلفان والي مسقط مقرًا له بعد وفاة السيد حمد ابن الإمام سعيد عام (1207هـــ/1792م) كما اتخذه أيضا السيد سعيد بن سلطان منزلا له بحلول عام (1261هــ/ 1845م) ليكون مقرا لحاميته العسكرية، ثم أجريت عليه عدة تعديلات ليكون منزلا له ولأفراد أسرته، وهذا الرأي يجد له سندا قويا ينبثق من جوهر تخطيطه المعماري المتمثل في احتوائه على غرف للنوم وأخرى للاستقبال والضيافة تطل على الفناء الداخلي الأوسط بعقود مدببة وأخرى مفصصة، شأنه في ذلك شأن العديد من الحصون والقصور والبيوت المحصنة التي توجد بكثرة في السلطنة أمثال ( حصن الحزم، وحصن جبرين، وحصن بيت النعمان، وحصن الفيلج، وغيرها).
التخطيط والوصف المعماري للمبنى (دراسة ميدانية للباحث)
يتألف التخطيط المعماري لحصن بيت الفلج من مساحة مربعة المسقط منتظمة الأضلاع بمساحة قياسية تصل أبعادها (34.91 م طولا × 34.91 م عرضا)، لتتراوح مساحته الكلية بالأمتار إلى (1218م2)، ويتألف تخطيطه داخليا من مجموعة من الغرف صفت على الجهات الأربع المحيطة بالفناء الأوسط في طابقين اثنين ، وتطل هذه الغرف على السقيفة التي تتقدم الغرف بمداخل أبواب، والتي تطل بدورها على الفناء الأوسط الذي يتراوح مساحته (10.50م طولا × 10.50م عرضا) لتصل مساحته الكلية بالأمتار إلى(110.25م2) ببائكة ثلاثية العقود، يتوسطه بئر تحيط بها تربيعة حجرية كانت عبارة عن فلج يغزى المناطق المجاورة للحصن بالمياه والتي سمي الحصن نسبة إليها، ويقع المدخل الرئيسي للحصن بالواجهة الشمالية والآخر بالواجهة الغربية، فيما يتمركز بمحاور الحصن في كل من الركن الشمالي الغربي والجنوبي الشرقي برجان دفاعيان من ثلاثة طوابق يتخلل طوابقه فتحات مزاغل وتوّج بشرافات حربية من الأعلى.
ويتألف التخطيط المعماري الداخلي للطابق الأول من احتوائه على تسع غرف مستطيلة الهيئة موزعة في الجهات الأربع للحصن والتي تفضي على الممشى بفتحات أبواب، والذي يطل على الفناء الداخلي بسقيفة ثلاثية العقود.
كما يتم الصعود للطابق الثاني بالحصن عن طريق الدرج الشمالي الغربي، وهو عبارة عن مجموعة من الدرجات الحجرية متصلة بالجدار الشمالي للحصن، غُطي بطبقة من الخشب، يتم الصعود إلى 22 درجة تؤدي في نهايتها العلوية إلى الطابق الثاني، والذي يتألف تخطيطه المعماري من احتوائه على إحدى عشرة غرفة مستطيلة الهيئة موزعة في الجهات الأربع للحصن والتي تفضي إلى الممشى بفتحات أبواب تتقدمها السقيفة المطلة على الفناء الداخلي بواجهة ثلاثية التقسيم ذات عقود مدببة وأخرى مفصصة.
دور صاحب الجلالة السلطان “قابوس بن سعيد” المعظّم في تطوير الحصن
في عام (1340هــ/ 1921م) كان حصن بيت الفلج مقرا لقوة مشاة مسقط، ثم أصبح الحصن في عام (1377هـ/ 1957م) مقرًا لقوات السلطان المسلحة حتى قرابة عام (1978)، حيث أصدر صاحب الجلالة السلطان “قابوس بن سعيد” المعظم، أمرا بانتقال القيادة من حصن بيت الفلج إلى معسكر المرتفعة وتحويل الحصن بالكامل إلى متحف، فامتدت يد التغير لتعمل على تطوير الحصن بالصورة التي تليق به وليكون شاهدا حيا يحكي مسيرة تاريخ تطور العسكرية العُمانية عبر امتداد تاريخها المتعاقب وصولا إلى عهد النهضة الحديثة في عُمان، وذلك تحت اسم (متحف قوات السلطان المسلحة).
وقد تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة -حفظه الله ورعاه بافتتاح المتحف في11 ديسمبر من عام 1988م. ويضم المتحف بين أركانه أسلحة، وملابس، وآليات، وأنظمة دفاعية، ويُعدّ متحف قوات السلطان المسلحة المتحف العسكري الوحيد بالسلطنة الذي من خلاله يستطيع الزائر الاطلاع على التاريخ العماني العسكري منذ فترة عُمان قبل الإسلام إلى عصر النهضة، وذلك من خلال قاعات المتحف وما تحتويه من أسلحة وصور ووثائق تاريخية تنقل الزائر إلى تلك العصور ليشهد قصة الانتصارات والأحداث العسكرية التي تحكيها كل قاعة من قاعات المتحف، والتطور الكبير الذي شهدته العسكرية العُمانية من بعد عام 1970م.
مادة البناء
تم بناء حصن بيت الفلج بواسطة كتل حجرية متوسطة الحجم غير منتظمة الشكل، أي تم العمل بها دون تنظيم أو تهيئة شكلها الخارجي، بل تم اقتطاعها والعمل بها مباشرة، هذه ما أوضحه القطاع المتروك دون الترميم الموجود بعد المدخل لإبراز المواد التي تم بناء الحصن بها وهي مغطاة الآن بواسطة لوح زجاجي، هذه الكتل الحجرية والتي تم العمل بها مع حشوها بطبقة من مواد رملية وجيرية، أوضحت أن الأسلوب المعماري الذي اتبع في هذا الحصن لا يعود إلى الفترات القريبة من عهد البوسعيديين كما أوضحته بعض المصادر والدليل التعريفي للمتحف، بل يمتد إلى جذور عميقة موغلة في القدم، استمد المبنى منه روحه وأسلوبه في عملية البناء بمثل هذه القطع الحجرية وحشوها بمواد جيرية ورملية، فضلا عن الأسلوب المعماري المتبع في عملية تخطيط المبنى، من وجود مجموعة من الغرف تفتح على الفناء الأوسط المكشوف، والسقيفة ثلاثية العقود التي تطل على الفناء، والممشى الداخلي الذي يسهل حركة المرور، فضلًا عن اتسامه ببعض العناصر الدفاعية كالمدخل المنكسر في واجهة المدخل.
المصادر:
- رئاسة أركان القوات المسلحة، (2013م)، دليل متحف قوات السلطان المسلحة، المطابع العالمية، سلطنة عمان، مسقط
- صادق، محمود محمد (2018). الاستحكامات الحربية في مسقط بسلطنة عُمان، رسالة ماجستير، شعبة الآثار الإسلامية، قسم الآثار، كلية الآداب، جامعة المنيا.
- مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء (1994). القلاع والحصون في عُمان، سلطنة عُمان: قسم الدراسات.
- وزارة الإعلام والثقافة (1995). عُمان في التاريخ، سلطنة عُمان: دار إيميل للنشر.
- الصور من أرشيف الباحث ضمن رسالته للماجستير