فضاءات

د. سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: كل عام والجميع بخير وعيدكم مبارك

د. سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: كل عام والجميع بخير وعيدكم مبارك
د. سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: كل عام والجميع بخير وعيدكم مبارك د. سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: كل عام والجميع بخير وعيدكم مبارك

الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي

سُميّ العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرحٍ مُتجدّد، فهو اسم لكل ما يُعتاد ويتكرر، ولقد شرع الله لأمة الإسلام الفرح والسرور بتمام نعمته، وكمال رحمته بِعيدَين اثنين في العام، وكلٌ منهما يعقب عبادة عظيمة، هي ركن من أركان الإسلام؛ فعيد الفطر يأتي بعد صيام المسلمين لشهر رمضان المعظم، الذي فرضه الله عليهم كل عام، وشرع لهم عيد الأضحى عند تمام حجهم بإدراك يوم الوقوف بعرفة، وهو يوم العتق من النار.

وإذا كان من مظاهر عيد الأضحى الفرح والسرور ولبس الجديد من الثياب، فإنّ له مقاصد أسمى وأعظم تتجلى في توحيد الله وطاعته، من خلال التقرب بالأضحية للقادر من أمة الإسلام، اقتداءً واتباعاَ لسنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وأداء سنة صلاة عيد الأضحى المبارك، حيث يجتمع المسلمون في مصلاهم تحت شعار التوحيد والتكبير لله عزّ وجل، وهم يستشعرون معاً روابط الأخوّة التي تجمعهم تحت راية الإسلام والإذعان والعبودية لله سبحانه وتعالى.

ومن مقاصد العيد أيضاً، أنه يُعَد فرصة عظيمة لوصل ما انقطع بين الأهل والأقارب وعموم المسلمين، فليس هناك يوم تصفو فيه النفوس، وتهفو الأفئدة، وتنبض القلوب بالحب والرأفة، وتقْبل بعضها بعضاً، كأيام العيد، فيتخلصوا من خصوماتهم وأحقادهم وضغائنهم، ويتناسَوا خلافاتهم، فيقبل هذا على ذاك باشًّا، مصافحاً ومُصفحاً عن أخيه وجاره وصديقه، فتتآلف القلوب والنفوس، وتتعانق الأرواح في محبة ووئام وسلام.

والعيد تربية للمسلم على البذل والعطاء والتوسعة على النفس والولد والأقارب وفقراء المسلمين، فالصدقة على المحتاجين من أفضل القربات إلى الله، يضاعف أجرها حسنات، ناهيك عن كونها تؤدي إلى تضامن وتكافل المجتمع، وتعلي من شعور التواد والتراحم والتعاضد بين أفراده، ليكون النسيج الإسلامي، أسرة ومجتمعاً ودولة، في أبهى حلل المعاني السامية التي أرادها الإسلام.

ولا يبعد عما سلف، أنّ العيد فرصة لتغيير نمط الحياة والخروج من رتابتها، وهو فرصة للفرح والسرور وإدخال السعادة للأهل، في حدود المباح، ومباسطتهم والحوار معهم في مودة وحنان؛ ليعزز ذلك من نسيج الأسرة ويقوي تماسكها ويقرب أفرادها بعضهم بعضاً، في ظل هذا الانشغال العجيب الذي أفرزته المدنية الحديثة من خلال الاهتمام بالماديات وبالتقنية الحديثة التي باتت تشكل حالة من الإدمان لدى الصغار والكبار.

يأتي عيد الأضحى هذا العام وحال الدول الإسلامية، في أصعب الأحوال وأكثرها تردّياً، فالقتل والدمار في أماكن عدة، في اليمن وسوريا وليبيا والصومال، وها هي السودان تعيش أزمة سياسية واجتماعية ، اعتصامات ومظاهرات وتشبث بالسلطة، والبلد يعيش حالة من الركود وتعطل حركة التنمية، أما الجزائر فليست أوفر حظاً هي الأخرى وقس على ذلك الصومال وليبيا وبلدان أخرى. العالم الآخر يمضي قدماً، يتطور في مناخات سياسية واجتماعية واقتصادية سليمة، أما دول العالم الإسلامي فأغلبها تسير إلى الخلف وكأنها حنت إلى عصور الظلامية، وتلقي باللائمة في ذلك على نظريات المؤامرات الخارجية، ولَم يدركوا أن أعظم أسباب تلك الإخفاقات، تنبع من الداخل، فمَن يُرد يستطِع، لكن حتى الإرادة سُلبت، واستمرأنا أن نكون عالةً على العالم، وارتضينا أن نكون مستهلكين لا منتجين.

يأتي عيد الأضحى والأمة الاسلامية تعيش حالة من التمزق والتفكك والعصبية المذهبية البغيضة التي شغلتها عن قضاياها المصيرية، وأحدثت شرخاَ في وحدتها وقوتها حتى أضحت مطمعاً لكل ظالم ومتكبر ومتسلط، وهي رهينة وحبيسة لخلافاتها ومشاكلها الداخلية والبينية.

يأتي عيد الأضحى من جديد والمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، لا يزال تحت سيطرة الغاصب المحتل لأرض فلسطين من قبل العدو الإسرائيلي، الذي قتل ودمر وهجر ودنسُ الأرض المقدسة وهو يعمل على طمس هويتها الإسلامية والعربية على مرأى ومسمع من الدول الإسلامية ودول العالم الأخرى المتآمرة والمهادنة مع العدو الغاشم الهمجي المحتل.

يأتي عيد الأضحى هذا العام، وهناك من يتآمر على بيع القضية الفلسطينية تحت عنوان صفقة القرن، التي أعدت بأيادي أمريكية حاقدة وبالاتفاق مع الكيان الصهيوني المحتل، وبمباركة وتسويق وتواطؤ عربي إسلامي، في غياب الضمير الحي، وفي غياب النخوة العربية الإسلامية، وفي صورة مذلة مهينة فرطت في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفِي المقدسات الإسلامية.

يأتي عيد الأضحى، وليس لنا إلا أن نتشبث بطوق الأمل والرجاء في الله، بالدعاء في أن تنهض الأمة الإسلامية من كبوتها وتستفيق من غفلتها وتتخلص من عصبياتها البغيضة، فيقوى الصف وتتوحد الكلمة وتستعيد مجدها وقوتها وهيبتها ويحسب لها العالم ألف حساب، وعندئذ فقط تكون الأمة قادرة على استرداد مقدساتها وحقوقها المشروعة، فتقوى شوكتها وستعود إلى سيرتها الأولى، سيرة الفاروق الذي دانت له أرض كسرى وقيصر.

والعيد مناسبة عظيمة، وفرصة حقيقية لمراجعة النفوس والعودة إلى سبيل الحق والرشاد وتغليب مصالح الأمة.

ونحن هنا في عمان نستقبل عيد الأضحى المبارك وبلادنا الغالية وكعادتها واحة أمن وأمان، وساحة محبة واطمئنان فنسأله تعالى جلت قدرته في هذه الأيام الجليلة المباركة أن يديم هذه النعمة على بلادنا وأن يبعد عنها كيد الكائدين وحقد الحاقدين، وأن يحفظ سلطاننا، ويلبسه ثوب الصحة والعافية والسعادة، ويؤيده بالحق والعزة والمنعة والسؤدد، وأن يعيد العيد عليه أعواماً عديدة وازمنة مديدة، وأن ينعم اللهم على الشعب العماني قاطبة بالعيش في رخاء وازدهار ونماء وسعادة، إنك إلهي نعم المولى ونعم المجيب…

وكل عام والجميع بخير
‏ وعيدكم مبارك


 

 

*الصورة من الأرشيف

Your Page Title