د. سالم بن سلمان الشكيلي يكتب: حقّت البيعة، ووجب السمع والطاعة

أثير- د.سالم بن سلمان الشكيلي

رغم هول المصاب وضخامة الحزن والألم، الذي يعتصر القلوب ويُخيّم على الأمكنة، كان أعضاء مجلس الدفاع الموقر ، وأفراد العائلة الكريمة كبارا – كعادتهم – في التعاطي مع الحدث الجلل ، على إثر وفاة المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيّب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته؛ إذ كانت المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم جسيمة ، فهي تتعلق بمصير وطن ووحدة أمة ، وحماية مكتسبات ، أفنى الفقيد حياته من أجلها ،ولكنهم – وفي قوة عجيبة – سيطروا على حزنهم وأساهم وصدمتهم ، لفقدهم رمزًا وزعيما وعاهلا وسلطانًا وحكيما ، تعلموا في مدرسته ، ونهلوا من حكمته واستحضروا جلَده وصبره ، فأثبتوا أنهم عند حسن القابوس بهم لمواجهة هذا الموقف الصعب ، الذي قدّره وآمن به ، فترك رسائله لمجلس العائلة الكريمة ولمجلس الدفاع الموقر ، يشير فيها لمن يخلفه في ولاية الحكم ، وهذا يدل على إيمان جلالته غفر الله له بالموت والحياة ؛ فلا خُلد لمخلوق في هذه الدنيا .

كلها سويعات لا تتعدى الأربع ، منذ إعلان نعي جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ، كانت كفيلة أن تبرهن للعالم أجمع بأنّ حضارة عمان راسخة في أعماق الأرض شامخة في علياء السماء ، تطاول الشمس مجدا وعزًّا ، راسخة كرسوخ وشموخ جبالها السّمّ ، شمس والأخضر والقمر وسمحان ، وأن أرضها لا تلد إلا رجالا صيدا أشاوس هم أهل للشدائد والمحن ، خاصة عندما يتعلق الأمر بتراب الوطن ووحدته وسلامته وعزته ومنعتِه ، فالناس كل الناس راحلون ، أيًّا كانوا ، لكنّ الوطن باقٍ حيّ لا يموت مادامت السموات والأرض ، وعمان أولى بذلك البقاء وتلك الديمومة لا تنكسر ولا تنحني مهما كانت شدة العواصف ، كشجرة اللبان التي قامت عليها حضارات عدة تؤتي ثمرها من اللبان الحوجري لكل الأجيال المتعاقبة ، أرض لا تنبت إلا طيبًا ، نعم ، هي سويعات أربع ، لخصت عمق التاريخ والتراث التراكمي الذي لا ينضب ، بل يزداد عمقا ورسوخا ، مع كل حدث ، أكان خيرًا أم مصيبة ألمّت بالوطن ، فطارت رسائل عمان إلى أنحاء المعمورة لتعطي دروسًا في البذل والفداء والتمايز الفريد في كل شيء ، في مشهد لم يعرف العالم له شبيهًا في فرادة تمايزه ، ومنها : –

١- الرسالة الأولى : موقف العائلة المالكة الكريمة الذي تجسّد في لُحمتها وتماسكها وتضامنها في القول والفعل ، إذ أكدت الولاء والانتماء لعمان ، والوفاء والعرفان والإجلال لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور رحمة الله عليه ، فاتفقوا وتوافقوا على الاحتكام إلى من أشار به في وصيّته ، ليكون سلطانًا جديدًا للبلاد ، وهذه حكمة لا تؤتى إلا لأسرة يعود إرثها وحكمها المتجذّر لمئات السنين ، وهم بذلك غلّبوا مصلحة عمان وشعبها ونبذوا المصالح والأطماع الشخصية ، إِنْ وُجدت ، في رسالة واضحة جليّة ، ردّت بشكل حاسم وحازم على كلِ الأبواق التي تحدثت خلال الثلاثة الأسابيع الماضية ، في محاولة التشكيك واللغط حول ما سيحصل بعد رحيل السلطان قابوس ، فكاد الردّ الصّارم ، أنه عندما يتعلق الأمر بتراب الوطن ووحدته فلا خلاف ولا اختلاف لا بين أفراد العائلة المالكة ولا بين العمانيين ، فجلالة السلطان قابوس علّمنا بأن عمان فوق الجميع ، وهي عشقنا ومجدنا وأسطورتنا ، وأمامها تتكسر كل المطامع فيكون الواحد جمعا ، ويكون الجمع واحدًا .

٢- الرسالة الثانية : ذلك التماسك والشموخ ورباطة الجأش الذي ظهر به مجلس الدفاع الموقر ، فحملوا الأمانة وأدّوا الرسالة على أحسن وأكمل وجه ، وكانت هذه المواقف الشجاعة مصدر فخر واطمئنان لأبناء عمان وهي وسام شرف على صدورهم ، ستذكر الأجيال اللاحقة ملحمتهم التي سطّروها في ذلك الموقف العصيب.

٣- الرسالة الثالثة : الجلسة المشتركة بين مجلس عمان ومجلس الدفاع ، وتلك السلاسة والتنظيم في عملية قسَم جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم ، وإجراءات المبايعة من مجلس العائلة المالكة وأعضاء مجلس عمان وأعضاء مجلس الدفاع والوزراء دون أن يحدث خطأ واحد .

وإذا كان أهل الحل والعقد المتمثل في مجلس العائلة المالكة ومجلس عمان ومجلس الدفاع ، قد بايعوا جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم، فإن كل العمانيين يبايعون جلالته ويعاهدونه : –

١- على السمع والطاعة ، امتثالًا لقول الله عز وجل : ” وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ” لن نخلف وعدا ، ولن ننكث عهدًا، ولن نقطع وصلا .

٢- سيسير العمانيون خلف جلالته أيده الله ، صفا واحدًا أياديهم متشابكة وقلوبهم متآلفة في حب عمان الوطن ، وسلطانها المعظم حفظه الله .

٣- سنعمل خلف قيادته الحكيمة بإرادات صلبة ، وعزائم لا تلين ، وهمم عالية تبني وتشيد ، وكما العهد بنا سنقهر الصعب ، ونهزم المستحيل ، ولا مكان لليأس في قلوبنا .

٤ – سنعلي من شأن وحدتنا الوطنية التي تكمن فيها هويتنا وقوتنا وبأسنا ومنعة وحصانة بلدنا من الفتن والعصبيات البغيضة ، من أي نوع كانت مذهبية أم قبلية أم مناطقية ، فنحن الآن أحوج ما نكون إلى هذه اللُّحمة ، ويجب علينا ألا نسمح لمتطفل أو حاقد أو حاسد بدسّ سمومه بيننا وسنلجم كل ناعق ينعق بما لا تهوى نفوسنا .

٥- إذا دعا الداعي ستكون أرواح العمانيين كل العمانيين رخيصة للدفاع عن وطننا والذود عن حياضه ، ولن نفرط في حبة رمل حتى ولو اصطبغت بدمائنا ، فإما الحياة بعزة وشرف وكرامة أو نيل الشهادة ، فيحيا الوطن عزيزا .

٦- سنحافظ على كل المكتسبات التي تحققت في عهد السلطان الراحل طيّب الله ثراه ، فهي كلها ملك للأمة تحققت بجهود المخلصين من أفراد هذا الشعب الأبيّ الذين يجب أن يرفعوا رؤوسهم فخارا وعزة وأنفة .

جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم ، إن أنظار العمانيين اليوم وهي تمضي خلفكم ، تدعو الله أن يوفقكم في قيادة عمان وشعبها إلى مزيد من الرقي والتقدم والازدهار ، وهم يأملون ويتطلعون – وفق رؤيتكم الثاقبة – إلى تطوير وتحديث في المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية والثقافية من خلال جهاز إداري جديد قادر على معالجة كافة القضايا الداخلية ، التي تهم معيشة المواطن ، والجميع على ثقة بأن هذا الأمر سيكون من أولى الأولويات لدى مقامكم السامي .

وليس لدينا أدنى شك بأنكم يا صاحب الجلالة السلطان المعظم ستوجهون الأجهزة الرسمية ذات العلاقة لتكثيف جهودها من أجل مكافحة الفساد كيف وُجد وأينما وُجد ، وإعلاء مبدأ المساءلة والمحاسبة لكلِ مقصر أو مخطئ ، فالمرحلة جد حساسة ودقيقة في كل بلاد العالم.

سيدي سلطان البلاد المفدى ، نجدد العهد والبيعة لكم في اليسر والعسر ، ونسأل الله أن يكلل جهودكم بالتوفيق والسداد ، وأن يحقق على يديكم طموحات وتطلعات شعبكم الوفي ، وأن يحفظكم ويديم عليكم نعمة الصحة والعافية والعمر المديد ، وأن يبارك في عهدكم الميمون ، وليحفظ الله عمان آمنة مطمئنة ، وأن ينعم شعبها بالأمن والأمان والاستقرار والازدهار .

وفي ختام هذا المقال المتواضع ، أسأل الله مسبب الأسباب أن ينال شرف الاطلاع عليه من لدن مقام جلالته .

Your Page Title