الأولى

من أين جاءت عادة إعطاء العيدية في الأعياد؟

العيدية

رصد - أثير

إعداد - ريما الشيخ

تُعدّ “العيدية” من أبرز مظاهر البهجة التي ترافق أعيادنا، خاصة لدى الأطفال الذين ينتظرونها كل عام بشوق وفرح.

ومع أن الكلمة تبدو مألوفة وبسيطة، إلا أن لها تاريخًا طويلًا يرتبط بالتحولات الاجتماعية والدينية، ويكشف الكثير عن علاقة الناس بالعطاء والاحتفال.

البداية من العصور الإسلامية الأولى

ترجع جذور العيدية إلى العصور الإسلامية المبكرة، وتحديدًا إلى عهد الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، حيث كان الخلفاء يحرصون على توزيع ما يُعرف بـ“التوسعة” على العامة بمناسبة العيد، وهي منح مالية أو هدايا تُعطى لتوسيع الرزق وإدخال الفرح على الناس في هذه المناسبة المباركة.

كانت التوسعة تشمل نقودًا وحلوى وكسوة تُمنح لموظفي الدولة وعامة الشعب، كنوع من إشعار الجميع ببركة العيد، وربط المناسبة الدينية بالقيمة الاجتماعية، وكان الأمراء والوزراء يتسابقون في تقديم الهدايا والعطايا أيضًا، فتوسّعت العادة لتشمل كل طبقات المجتمع.

من “الرسوم” و“التوسعة” إلى “الجامكية”

مع الانتقال إلى الدولة المملوكية، أخذت العيدية شكلًا أكثر تنظيمًا، فبدأ يُستخدم مصطلح “الجامكية” للإشارة إلى الرواتب أو المخصصات التي تُمنح في العيد، وكانت هذه المخصصات تُقدّم للموظفين والجنود وكبار المسؤولين كمكافآت موسمية، وفي هذا السياق بدأت تظهر عادة تقديم مبالغ رمزية للأطفال والنساء من قبل الأسر الغنية، كتقليد يُحاكي ما يجري في القصور والمجالس الرسمية.

العثمانيون ونشر التقليد الشعبي

خلال الحقبة العثمانية، استمرت عادة منح العطاءات في العيد، لكنها خرجت من الإطار الرسمي إلى الإطار الشعبي، حيث انتشرت بين عامة الناس، وأصبحت العيدية جزءًا من طقوس العيد داخل الأسرة، وتحوّلت من عادة سلطانية إلى تقليد عائلي، ومع الوقت، ترسّخ هذا التقليد، وانتقل من جيل إلى آخر، ليصبح أحد مظاهر الفرح الأساسية في كل بيت عربي وإسلامي.

من أين جاءت كلمة “عيدية”؟

من الناحية اللغوية، تُشتق كلمة “عيدية” من الجذر “ع-ي-د”، الذي يدل على التكرار والرجوع، كما في “العيد” الذي يتكرر كل عام.

وعند إضافة “-ية” إلى “عيد”، يصبح المصطلح دالًا على ما يُنسب إلى العيد أو يُمنح بمناسبته، ومع شيوع الاستخدام الشعبي، ترسّخت الكلمة في الوجدان العربي، وأصبحت تشير تحديدًا إلى النقود التي تُمنح للأطفال أو الأقارب في العيد.

الثقافة والمجتمع: العيدية بين الماضي والحاضر

لم تعد العيدية مجرد مبلغ نقدي، بل أصبحت طقسًا اجتماعيًا يحمل في طيّاته رمزية كبيرة، فهي وسيلة لإدخال السرور، وتعبير عن الكرم، وتعزيز للروابط الأسرية، ففي بعض المجتمعات، تُقدّم العيدية في مغلفات ملوّنة ومزيّنة، تُمنح من الكبار إلى الصغار، أو من المتزوجين إلى غير المتزوجين، بل وحتى من المديرين إلى الموظفين أحيانًا.

كما أن طقوس العيدية تختلف من بلد إلى آخر؛ ففي بعض الدول تُقدّم مع التمر أو الحلوى، وفي أخرى تُرفق بكلمات مباركة أو ألعاب صغيرة.

أما قيمتها فتبقى رمزية في غالب الأحيان، حيث لا يُنظر إلى المبلغ بقدر ما يُنظر إلى دلالته ومناسبته.

Your Page Title