أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
طوال سنوات حكمه التي امتدت لحوالي 50 عامًا، وبرغم قلة اهتمامه بالظهور في وسائل الإعلام المختلفة؛ إلا أنه ونظرًا للشخصية القيادية المثقفة التي كان يتمتع بها، وللأدوار الكبيرة التي لعبها في تناول العديد من القضايا التي كانت تمر بها المنطقة والعالم؛ وللتجربة الفريدة في إدارته لشؤون البلاد وتعامله مع الأوضاع والقضايا من حوله؛ فقد حرص العديد من وسائل الإعلام العالمية والإقليمية، والعربية المختلفة على إجراء حوارات ومقابلات مع السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيّب الله ثراه للحديث حول قضايا وموضوعات شخصية، ومحلية، وعالمية.
“أثير” تستعرض في هذا التقرير أبرز الحوارات التي تمت مع جلالته خلال شهر يناير، وتستخلص أهم النقاط التي وردت في هذه المقابلات اعتمادًا على مؤلف مهم تناول هذه الحوارات وهو كتاب “صحفيون في بلاط صاحب الجلالة” لناصر أبو عون، مع العودة إلى أرشيف بعض تلك المطبوعات الإعلامية.
“أثير”
جريدة السياسة اللبنانية
أدلى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيّب الله ثراه – بحديث صحفي إلى الأستاذ فاروق البربير رئيس تحرير جريدة “السياسة” اللبنانية الأسبوعية بالسيب في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء 11 يناير ونشرته جريدة (عمان) في 26 يناير 1974م، تناول فيه العديد من القضايا والموضوعات، وفيه تحدث الصحفي عن جلالته حيث وصفه بأنه ” شابٌ عربيّ أسمر اللون يعتمر عمامة جميلة اللــون”، كما أشار الصحفي إلى أن جلالته – طيّب الله ثراه – تضايق من كثرة الصور فأومأ بيده للمصور بالخروج.
كما أشار الصحفي البربير إلى أن جلالة السلطان قطع صمت البدايات الذي دام لثوانٍ سرعان ما قطعه السلطان سائلا الصحفي: هل هذه هي أول مره تزور عُمان ؟ وعندما أجابه بأنها المرة الأولى أضاف جلالته معلّقًا بابتسامه:” نرجو أن تتكرر في المستقبل”.
تناولت المقابلة التي دامت أكثر من ساعة ونصف العديد من القضايا والموضوعات التي بدأت بالحديث عن أحلام المستقبل وعن مدى رضا جلالته عما حققه خلال السنوات الأربع من عمر النهضة فأجاب جلالته – طيّب الله ثراه – “عندما نبدأ ببناء بلد كما بدأنا هنا في عمان ،لابد من وجود طموح. إن العزلة التي كان يعيشها الشعب هنا كانت قاسية ومريرة.. إنني أطمح لتحقيق الكثير”، كما أكد جلالته أنه مهما فعل ومهما حقق فلن يكون راضيًا “ولذلك مهما فعلت ومهما حققت فلن أكون راضيا ولكنني مرتاح”، كما أكد جلالته على أنه “ليس المهم ما يقوله العالم عنا، ولكن المهم أننا سائرون على الطريق الصحيح، والسليم”
كما أشار جلالته إلى أن المواطن يجب أن يشعر وأن يلمس التقدم، وأن المواطن في عمان بدأ يشعر وبدأ يلمس المشاريع التي نفذت، ولهذا السبب يشعر بالارتياح ، وأكد كذلك أن
” نجاحنا متوقف على مساهمة أكبر عدد ممكن من المواطنين في عملية التغيير”.
ونوّه جلالته إلى إعلانه – طيّب الله ثراه – أن أبواب عمان مفتوحة للجميع بدون استثناء وبالفعل رجع المئات من المواطنين الذين كانوا في الخارج وبدأوا في عملية التغيير، وساهموا مساهمة بارزة في النهضة.
كما أكّد تركيزه الخاص على التعليم حيث قال “إننا نركز بشكل خاص على التعليم وهذه ظاهرة أصبحت ملموسة هنا، بدون ثقافة وبالتالي بدون وعي وطني لا نستطيع أن نحقق شيئا”.
كما أشار جلالته عندما سأله الصحفي فاروق البربير عن الوسيلة لوضع حد للنزاع الدائم بين أبناء الوطن الواحد “في ذلك الوقت والذي يستنزف قسماً كبيرا من موارد السلطنة بأن وجهة نظر جلالته أن “نكون على حسن جوار مع الجميع بدون استثناء بابنا مفتوح للجميع.. ونؤمن بأسلوب الإقناع”.
وفي سؤال عن المبادئ التي يرتكز عليها جلالته في الحكم أجاب – طيّب الله ثراه – أن التعليم والثقافة والوعي ، هو حجر الأساس، وأن المهمة الأولى هي بناء المدارس وتثقيف المواطنين وفتح النوافذ للحضــــــارة ، كما أضاف:
“نحن نتمسك بالعدالة الاجتماعية كطريق لنا، إذا أردت أن تقول اشتراكية عربية أو إسلامية فليكن. . ونحن نسعى إلى المشاركة الحقيقية لجميع العمانيين بدون استثناء.
كما أشار جلالته إلى اهتمامه بالزراعة بالرغم من وجود البترول . . لقد وزعنا مساحات شاسعة من الأراضي، وفي الوقت نفسه سعيه إلى رفع مستوى التدريب والقوة القتالية للجيش العماني ، وإدخال المزيد من العمانيين إلى صفوفه.
وتناول الحوار الدور الذي لعبه البترول في عمان، حيث أكّد جلالته أن البترول لعب دورا في مشاريع التنمية، وأنه المورد الأساسي لمشاريع التنمية لكن هناك مشاكل وتحديات من بينها خلق جهاز بشري عماني قادر على استيعاب وإدارة هذه الثروة الجديدة.
وحول علاقات حسن الجوار أكّد جلالته بقوله “نسعى باستمرار إلى إقامة علاقات حسن جوار مع الجميع بدون استثناء، نحن ضد الأحلاف أو التكتلات مهما كان نوعها ولكننا لسنا ضد المساعدات، إن معظم دول العالم تتلقى مساعدات مختلفة، علاقتنا بجميع الدول العربية حسنة ماعدا الدول التي تساعد الثوار .. بالطبع نحن نسعى لمزيد من القوة ولمزيد من التضامن العربي لقد دخلنا الجامعة العربية وأصبحنا عضوا في هيئة الأمم، وليس من شك بأن عمان بساحلها وداخلها، دولة واحدة”.
نسعى باستمرار إلى إقامة علاقات حسن جوار مع الجميع بدون استثناء، نحن ضد الأحلاف أو التكتلات مهما كان نوعها ولكننا لسنا ضد المساعدات، إن معظم دول العالم تتلقى مساعدات مختلفة، علاقتنا بجميع الدول العربية حسنة ماعدا الدول التي تساعد الثوار .. بالطبع نحن نسعى لمزيد من القوة ولمزيد من التضامن العربي لقد دخلنا الجامعة العربية وأصبحنا عضوا في هيئة الأمم، وليس من شك بأن عمان بساحلها وداخلها، دولة واحدة”.
كما تنبأ – طيّب الله ثراه – بقيام مجلس التعاون الخليجي عندما قال : “سنسعى إلى المزيد من التضامن والاتحاد بيننا وبـــين إخواننا العرب على ساحل الخليج لأننا نعتبر أنفسنا وحدة كاملة.. المستقبل كفيل بوضع اللمسات الاخيرة لأي نوع من الوحدة والاتحاد”.

كما أكد – رحمه الله –أن الوحدة أمل العرب بشرط إرساء الأساس السياسي والاقتصادي والثقافي أولًا، “وعلينا ان نكشف ذاتنا لنتحول إلى قوة فعالة تستطيع في المستقبل القريب إن شاء الله أن تمارس دورها البنّاء الايجابي في المحيط العربي”.
صحيفة (البلاد) السعودية
في الرابع من يناير عام 1987م أجرت صحيفة “البلاد” السعودية لقاءً مهمًا، ومطولًا مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم نشرته الصحيفة في السابع من يناير، وأعادت جريدة عمان نشره في ذات اليوم، تحدّث فيه عن أوضاع المنطقة العربية، وما تواجهها من صعوبات، وأحداث مؤسفة.
وقد وصف رئيس تحرير الصحيفة الذي أجرى الحوار اللحظات الأولى من مقابلته للسلطان الراحل – طيّب الله ثراه – بقوله:”وقد أذهلني تواضع هذا الزعيم، وبساطته، وابتسامته التي كان جلالته يتلقى بها أسئلتي مما أغراني بالاستزادة في الوقت، وقد كان جلالته يلمح في تلك الرغبة، فلم يمانع من إعطائي الفرصة التي شعرت بأنني وإن اغتنمها، فإنني لا بد وأن أسرع، فأنا أمام رجل دولة، وزعيم يفكر، ويخطط، ويعمل من أجل عمان، ومن أجل عالمه العربي والإسلامي يكفي هذا الشرف بهذه الساعة التي قضيتها في مكتب جلالته”.
كانت بداية الحوار حول الوضع الذي يعيشه العالم العربي حيث قال جلالته – طيّب الله ثراه -“حقيقةً الوضع العربي للأسف ومن يتابع التطورات التي تجري على الساحة العربية يشعر بالأسى والأسف للأحداث الدائرة على هذه الساحة، وإن كنت أتمنى وأدعو الله سبحانه وتعالى أن تنقشع هذه السحب وأن يتبدل الوضع إلى وئام وصفاء بين الأشقاء”.
وعندما سأله المحرر عن كيفية الوصول إلى ما ينشده جلالته من وئامٍ وصفاء، أشار – رحمه الله – إلى أن العرب مطالبون بوضع خلافاتهم جانبا، وأن يهتموا بما يفيدهم، وهذا لن يتأنى إلا إذا صارت هناك ثقة متبادلة.
وأكد جلالته أن تحكيم العقل والنظر إلى المصالح التي تربط الشعوب العربية بعين الحقيقة، ثم ترك الحساسيات الشخصية عوامل تصل بنا في الطرق السليمة، وتنهي أزمة الثقة الموجودة بين بعض البلدان العربية.
وأشار جلالته إلى أن الأخطار دائمًا توحد أي أمة سواء كانت أمة بلد بذاته أم أمة مثل الأمة العربية، والمفروض أن يحدث مثل هذا، لكن الوعي أحيانا عند البعض لم يصل إلى الحد المطلوب لإدراك هذه الأهمية القصوى.
كما أشار جلالته إلى أن من أسباب الانقسامات بين العرب هي ترسبات وتأثيرات من الماضي، وهذه الترسبات وتلك التأثيرات التي توجد في مختلف مناطق العالم العربي تتعلق بالنواحي الثقافية، كما تتعلق بالنظرة إلى الأمور السياسية وهذه الترسبات وتلك التأثيرات هي التي تجعل من عالمنا العربي لا ينظر إلى الأمور بنظرة جماعية مشتركة.

وحول موقف السلطنة من القضية الفلسطينية أكد جلالته أن “موقفنا نحن لم يتغير أصلا من القضية الفلسطينية، نحن نرى أن الشعب الفلسطيني يجب أن تسترد حقوقه، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره على أرضه، ونحن مع كل بادرة تحقق هذا بالطرق السلمية، ونرى أن الطريق السلمي لتحقيق هذه الحقوق هو الأفضل من الطريق غير السلمي الذي تنشأ عنه سلبيات في العالم الآخر في أوربا أو في أمريكا أو دول العالم الشرقية أو الغربية”.
كما أيّد جلالته الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإقرار السلام في الشرق الأوسط لأنه هو الطريق السليم الذي يجعل العالم يقول كلمته، وبالتالي يستطيع الشعب الفلسطيني وإخوانهم في العالم العربي أن يلتمسوا الطريق الصحيح، وسيكون له مردود إيجابي بشرط أن يتم الإعداد له بشكل كامل وأن تكون كل الأمور التي تؤدي إلى نجاحه مهيأة.
وحول سؤال عمّا إذا كان لسلطنة عمان سياسة عربية خاصة، أو وجهة نظر عربية خاصة، أجاب جلالته أنه “من المعروف أن لكل بلد وجهة نظر خاصة به وليس هناك شك في ذلك شريطة أن تكون وجهة النظر هذه لا تتعارض مع المصالح الكبرى للشعوب العربية، ومن هذا المنطلق فإن لكل بلد وجهة نظر خاصة وقاعدة خاصة في الطريقة التي ينتهجها إزاء القضايا والمتغيرات والظروف التي يعالجها”.
وعن سؤال طُرِح حول مسيرة التعاون الخليجي أكّد جلالته على أن مسيرة التعاون تسير بخطى ثابتة، وأنه يشعر بالارتياح، ويشعر أن ما تحقق يجب ترسيخه،وأنه يجب النظر إلى المستقبل بصورة ثابتة وثاقبة وعدم الاستعجال في الخطوات القادمة لأن أي استعجال أحيانا لا يكون مردوده طيبا.

مجلة (المصوّر) المصرية
نشر هذا اللقاء الذي أجرته مجلة (المصوّر) المصرية، في الصفحتين الأولى والثالثة من جريدة (عمان) يوم الخميس الثامن من يناير 1987، وتناول عددًا من الموضوعات والقضايا من بينها: تأكيد جلالة السلطان المعظم على أن خطة التنمية في السلطنة تسعى إلى خفض متدرج لنسبة البترول في الدخل القومي.
كما أشار جلالته إلى خطوة تطوير المجلس الاستشاري بما يوافق ظروف عمان، وأكد أهمية مضيق هرمز، وأن المحافظة على سلامة ممرات العبور في يدخل في نطاق مسؤولية السلطنة، ولكن أمن المضيق مسؤولية دولية.
وأكّد جلالته أن العمانيون شعب لم يعتد على رفاهية البترول وما زال يمارس حرفه التقليدية وأنشطته الاقتصادية في كل أنحاء السلطنة.
كما نوّه جلالته بأن القدرة الذاتية لدول المجلس لا تتحقق بامتلاك أفضل الأسلحة، بل باستيعاب تلك الأسلحة وقدراتها، وأكّد – طيّب الله ثراه –ضرورة التمسك بفكرة الحوار لإنهاء الحرب العراقية الايرانية، وأن السلطنة حاولت عبر العديد من المؤسسات إيجاد صيغة ملائمة للسلام.
وأشار جلالته إلى أن العمل في حد ذاته قيمة ينبغي أن تتقدم كل القيم، ومن لا يعمل سيظل أبدًا في حالة اعتماد على الآخرين.
صحيفة (واشنطن تايمز) الأمريكية
تناول الحوار الذي أجرته صحيفة (واشنطن تايمز) الأمريكية، ونشرته جريدة (عمان) في صفحتها الأولى يوم الجمعة السادس من يناير 1995 عددًا من النقاط المهمة من بينها تأكيد جلالته على أن أعظم إنجازاتنا هو التحسن الكبير في مستويات المعيشة، كما أشار جلالته إلى أن قدرتنا على التحديث مع المحافظة على ثقافتنا وراء نجاح السلطنة في تحقيق الانجازات الكثيرة.
وأكد جلالته خلال اللقاء أن عمان لعبت دورًا إيجابيًا في السعي نحو السلام، وأن الشرق الأوسط يتجه إلى درجة كبيرة من الاستقرار أكثر مما هو معروف منذ الحرب العالمية الأولى.
وأشار جلالته إلى أنه بالنوايا الحسنة وضبط النفس يمكن تحقيق السلام الدائم والمشرّف للفلسطينيين، وأن المشاكل يمكن تسويتها عن طريق التفاوض لا الحرب وهذا لا ينطبق على الحكومات فحسب بل على الشعوب أيضًا.
وافتخر جلالته – رحمه الله – بقيام عمان بمسؤولياتها بمنطقة الخليج، كما أشار جلالته إلى أن علاقة السلطنة مع إيران قائمة على التعاون المشترك لمصلحة البلدين، وأنه لا يمكن قبول القول بأن إيران تشكّل خطرًا على الاستقرار على المدى البعيد.
المراجع:
- أبو عون، ناصر محمد. صحفيون في بلاط صاحب الجلالة، ط2،دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمّان، 2015.
- البوسعيدي، نصر. “جلالة السلطان قابوس لصحيفة البلاد السعودية: الوضع العربي يدعو للأسف، وعدم الثقة أوجد أوضاعا غير سليمة، موقع أثير الإلكتروني، الثلاثاء 15 سبتمبر 2015، https://www.atheer.om/archives
- موقع صاحب الجلالة السلطان قابوس، اللقاءات الإعلامية لجلالته، http://www.sultanqaboos.net/
- جريدة البلاد السعودية، السنة 56، العدد 8456، 7 يناير 1978.
https://www.atheer.om/archives
.