فضاءات

“أم أحمد”.. كفاحٌ من أجل الأبناء..وفراقٌ بعد تأدية الأمانة

“أم أحمد”.. كفاحٌ من أجل الأبناء..وفراقٌ بعد تأدية الأمانة
“أم أحمد”.. كفاحٌ من أجل الأبناء..وفراقٌ بعد تأدية الأمانة “أم أحمد”.. كفاحٌ من أجل الأبناء..وفراقٌ بعد تأدية الأمانة

مسقط-أثير
إعداد:علياء الجردانية


ونحن في خضم الاحتفال بيوم المرأة العُمانية الذي صادف أمس السبت 17 أكتوبر، نستذكر قصصًا مُلهمة، بها عنوانٌ للكفاح والصبر، ومن ذلك قصة “أم أحمد” التي فارقت الحياة قبل أشهر عديدة، بعدما عاشت وقاست كثيرًا في سبيل إسعاد أبنائها وتأمين مستقبلهم.

أم أحمد (٤٨ سنة) التي توفيت مؤخرًا إثر إصابتها بمرض السرطان -بعد اكتشافه في وقت متأخر- أم لأربعة أبناء وبنت واحدة، تزوجت في عمر ١٤ ربيعًا رغمًا عنها، في حقبة زمنية لا يؤخذ فيها رأي المرأة خصوصًا إن كان الرجل من أهلها.

كانت أم أحمد تبتسم رغم ما تواجهه من مصائب جمة متوكلة على ربها، فلولا تمسكها بدينها لكانت في صفوف المصحات النفسية، إثر ما تواجهه من ضرب وقذف بشكل يومي.

كانت صامدةً ومتحمّلة العنف الذي تُلاقيه من زوجها، فمنذ بداية زواجها كانت تلجأ إلى بيت أهلها، لكن دون جدوى نظرًا لكبر سن والديها وحالتهما المادية.

استمرت معاناتها، لكنها ظلت مُحتسبة أمرها لربها، فقد كانت تخفي مشاعرها عندما يتم الحديث عن معاملة زوجها لها وتستبدل حديثها بابتسامة هادئة مرددة :”صبرٌ جميل والله المستعان”. ولا تدع مجالًا لأحد للإفصاح عما بداخلها.

كافحت أم أحمد وضحتْ بالكثير حيث كانت تغطي تكاليف أبنائها اليومية ومصاريفهم ببيع ذهبها أو الاقتراض من جاراتها، متعففة وواثقة أن الله سيجازيها عن صبرها، فأولادها هم وقود الأمل لها ولمستقبلها.

شاءت الأقدار وقد أصيبت أم أحمد بحادث شنيع تم نقلها إلى المستشفى ووضعها في قسم العناية المركزة، كانت تردد “يحيي العظام وهي رميم”، وبعد شفائها كانت تقول:” من كان سيتوقع أنني سأشفى مما كنت عليه، حيث مكثت شهراً كاملاً في المستشفى، لولا فضل وقدرة ولطف رب العالمين”.

في أثناء تلك الحادثة قرر زوجها الزواج عليها، فكانت هذه المأساة الثانية لها، لكن توكلها على ربها كان الضوء الذي تستنير به.

مضت السنين وقد كبر أبناؤها وعملوا في وظائف مرموقة، وعوضوها بالكثير؛ فكانت الفرحة تغمرها وترتسم على وجهها ابتسامة فخر ورضا.

في يوليو ٢٠١٩ كانت أم أحمد طريحة الفراش لآلام في بطنها منعتها من الحركة أو فعل أي شيء، وعندما ذهبت إلى المستشفى، كانت الصدمة بأنها أُصيبت بمرض السرطان وهو في درجته الأخيرة.

سارع أبناؤها بنقلها إلى مستشفى حكومي لأخذ العلاج اللازم، وبينما كان الجميع في حالة خوف وقلق، كانت تقابلهم بابتسامة ورضا تام.

“إن الله مع الصابرين” ترددها وهي تبتسم، وتحتسب أمرها وتردد الآيات الدالة على الصبر ، وتقول:” هناك أطفال صغار مصابون بهذا المرض وفتيات أيضا” فكانت تشفق عليهم متناسية نفسها.

ظلت أشهرًا عديدة، ثم ازدادت حالتها سوءًا، وعند احتضارها كانت تستلقي على ابنتها وتمسك بيدها بشدة، وتنظر للأعلى وكأن ملائكة الرحمن في انتظارها، رفعت قدميها قليلا ثم أخفضتهن، مودِّعة.

ذهبت أم أحمد مودعةً أبناءها التي كافحت كثيرًا لأجلهم، تركتهم وهي مطمئنة بأنهم قد كبروا وكونوا أسرًا، وكأنها قد أنهت جميع واجباتها اتجاههم.

هي قصةُ صبر وكفاح، ونموذج مُشرِّف لأمهاتنا اللاتي سهرن ويسهرن على راحتنا، فرحم الله المتوفيات منهن، وغفر لهن، وحفظ لنا مَن هُن على قيد الحياة.

Your Page Title