أ.عائشة عبدالله المجعلية- باحثة تربوية
لم أشهد الحملة الشعبية والجماهيرية لمقاطعة اقتصاد الكيان الصهيوني التي أعقبتها حرب أكتوبر عام 1973، لكنني أستذكرها قليلا في أحداث الانتفاضة الثانية عام 2000م، وفي حرب غزو العراق عام 2003 شهدت المشهد كاملا، ثم انخرطت تماما في أحداث الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في 2005 ، والاستهانة بالقيم الإسلامية ونشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في أحداث فرنسا عام 2020، وصولا إلى العدوان الاسرائيلي على غزة في رمضان 2021م.
وفي العدوان الأخيرة عاد بريق المقاطعة الاقتصادية من جديد ، يقودها أفراد ونشطاء ومؤسسات شعبية، تسعى إلى المنع التام من التعامل مع المنتجات والبضائع الإسرائيلية والشركات والمؤسسات الداعم لاقتصادها وسياساتها، وكما ذكرت بأنها ليست بالجديدة لكنها تنشط في أوقات الذروة من الصراع العربي الإسرائيلي، ويعول عليها كثيرا لتكون سلاحا للضغط على الكيان الإسرائيلي للتراجع عن سياساته وقراراته العدائية.
أعلنت مجددا انضمامي لحملة المقاطعة الاقتصادية للمنتجات والشركات الداعمة للكيان الصهيوني ، أحسب نفسي في صفوف المقاومة الشعبية والجماهيرية التي هبت لنصرة القضية الفلسطينية كلٌ بطريقته وأدواته الخاصة.
كنت في الصف الأمامي لجبهة المقاطعة الاقتصادية وهي جبهة دفاع سلمية هدفها إرهاق العدو اقتصاديا، ولها قوتها الضاربة وتأثيرها المباشر الذي يطول المساندين والمؤيدين اقتصاديا للكيان المحتل. كما أنها جزء مهم من منظومة الدفاع عن المعتقدات والمسلمات .
متقدة مشاعري -كما الكثير من حولي- لانضمامي طوعا فيها، وأنا أعدد مزاياها اللا محدودة ، وأذكر بها غيري، كثيرمنها معلوم، وما جهل نستكشفه مع الأيام تباعا.. تعرفت على منتجات جديدة لدول صناعية ناشئة لم تحظَ بفرصة التجربة، وتعزز موقف المنتج الوطني ، حيث بدا أنه الاختيار الأنسب في رفوف العرض، أدركت قيمة الاكتفاء الذاتي للدول والاقتصاد المغلق وخطرالتبعية الاقتصادية وأهمية استثمار مخرجات هذه المقاطعة على صعيد السوق المحلي.
استشعرت أثر الحملة في مراكز التسوق الكبيرة ، رأيت كيف أنهم ينتقون السلع بعناية فائقة وكيف يتراجعون عن أخذ بعضها بعد قراءة بيانات المنتج والتأكد بأنه ضمن القائمة المقاطعة .شاهدت تكدسا لم أره من قبل لسلع السوق الرائدة ، شعرت بالفرح والنصر بأن الحملة أتت ثمارها وبأن فلسطين كقضية عربية وإنسانية انبعثت من جديد وعادت للواجهة في عالم الاقتصاد والاستهلاك، كنت أتابع بشكل يومي مدى تأثير المقاطعة على الكيان الصهيوني والارتداد العالمي لهذه الحملة ..
وكما غيري من المقاطعين، نلنا كفايتنا من التعليقات المحبطة ،ونظرات تنطق إلى متى؟ إنها حملة مؤقتة ستنطفئ جذوتها مع الوقت ، ستزاحمها الأخبار الأخرى وتستبقها حملات من كل نوع ويختلط معها الحابل بالنابل وستتراجع مع تراجع صفوف المقاطعين ..هكذا هم في الإقناع يقولون ما هم فاعلون !
ومع دخولنا الشهر الرابع من بداية الحملة، أجد نفسي وحيدة .. بدأت المنتجات تجد طريقها رويدا رويدا إلى منازلنا ومكاتب العمل .. تراجعت الصفوف وخمدت شعلة الحماسة ..ومصادر البيانات التي كنا نستلهم منها نتائج المقاطعة مؤشراتها تتعافى من الاضطرابات وتعود لحالها السابق..
أقر بأن حملات المقاطعة الاقتصادية قصيرة الأجل ليس لضعف قضيتنا وهشاشة قناعاتنا وليس لقلة المناصرين لها ، بل لضعف المساندة الدولية والرسمية لها ، ولأن العولمة الاقتصادية وضعتنا في شبكة معقدة يصعب التخلص منها فقرشها الأكبر (الاقتصاد الرأسمالي الغربي ) له الهيمنة والغلبة في محيط لا نجيد السباحة فيه .
وأقر أيضا .. بأن أثر مقاطعتي ليست إلا قطرة في محيطهم .. والريالات التي سأمنعها عن أسواقهم لن تذبذب مؤشرات اقتصادهم ولن توقف مد استيطانهم ..ومع هذا سأستمر حتى تحقق المقاطعة أهدافها ، فإن حققتها لن أعود مع العائدين ..بل سأنتهجه أسلوب حياة وفكرا استهلاكيا جديدا. وسأقف دون رأي في الحياة مجاهدا “إن الحياة عقيدة وجهاد”.