أثير- مكتب أثير بتونس
حاوره : محمد الهادي الجزيري
احترت في تقديمه ..فلجأت إلى تقديم قديم ..إذ أجريت معه في جانفي 2017 حوارا لأثير ووصفت إنسانه المدهش الاستثنائي ..كالتالي :
” أن تنفصل عن بلادك صغيرا وتدمن الحنين إليها أكثر من أربعين سنة ، أن تنجب ما شاء الله من الأبناء رغبة منك في إنشاء شعب بديل لشعبك المحاصر المتروك للحقد الصهيونيّ ، أن تذبل عيناك من فرط القراءة ويضجّ دماغك بزحام الكتب ، أن تجرّب أشكال الكتابة الشعريّة وتختار على كبر قصيدة نثريّة موغلة في التجريب والمغامرة ، أن تتلو قصيدتك المغايرة للطقس الشعريّ العام بطريقة منبريّة لا تخلو من صهيل ، دون الاكتراث بأحد سوى القارئ الاستثنائي الذي رسمته في ذهنك ، أن تكون أنت وتصرّ على ترك بصمتك على الطاولة ، هذه بعض ملامح ضيفنا اليوم “..ملامحه القديمة الجديدة ..إنّه الشاعر الفلسطيني جميل حمادة …
تماما مثلما أؤمن بالله الواحد الأحد ، وكما أؤمن بأن أمتنا هذه هي أمة واحدة ، ولابدّ من أن تستعيد مجدها ، طال الزمن أم قصر ، ومهما تعددت المعاهدات والاتفاقيات ومسارات التطبيع اللامشروع، ومهما تكالبت وتداعت علينا الأمم..
ــ هل ما تزال ليبيًا بالتقادم ..أم صرت تركيًا مقتفيا آثر العائلة ..، أم أنّك (كما كنت سابقا) تحلم بغزّة وبتقبيل قبر والدك المرحوم ..؟ كم أنتَ ؟ وإلى أين تسير بك الحياة ؟
والله يا أخي لا صرت ليبيا ولا تركيا ولا أي شيء ، ولكنني ذلك العربي الحالم الضائع الهائم المشرد في أصقاع الارض العربية ، أحاول ان ألملم شتات أسرتي في أي مكان في العالم..وأنا أرى أحلام الفقراء في الأمة تتهاوى تحت ضربات سيوف الاعداء وسنابك خيلهم وتطاولهم وعنجهيتهم. ولا أخفيك ؛ مازلت أحلم بغزة الصامدة وهي مسقط رأسي ومراتع طفولتي وصباي وفتوتي…
كان الزمان أخي
كنا نمضي معا نمضي الى الشاطيء
نقرأ شعر الطفولة وآية الصبا
لأطفال ناصعين/ ونغني معا
لفيروز ” وقف يا أسمر ” وتحبنا في الشتاء
أتوق إلى زيارة قبر أبي وأمي ، وتقبيلهما ، وعمتي الشهيدة “الخضراء” التي قصفتها طائرة العدو، تصور أمّ..ذاهبة لتطهو لأبنائها تقصفها الطائرات الحربية الصهيونية وترديها قتيلة ، وابن شقيقتي ” محمود حسن حمادة ” الذي قصفته الطائرات الاسرائيلية الجبانة وهو يتمشى مع أصدقائه قريبا من بيته.. وهو ليس مقاتلا ولم يكن يحمل سلاحا.. وإنما مجرد فتى في شارعه..!
ــ قصائدك المكتوبة في العقد الأخير ، توغل في نثريّة جليّة ، وتتعمّد جرد الأماكن والأسماء والأشياء ، هل ترى أنّ بإمكان صدر الشعر أن يتّسع لما تقترفه من محاولات لشعرنة النثر؟
جميل ؛ سؤال جميل وذكي ، أقول لك هذه الحكاية البسيطة ، عندما كنت أدرس في القدس كان لي زميل من جنين ، وكان هو أيضا شاعر ، اسمه فيصل ، هو كان يؤمن بالحركة التجديدية في الشعر وبالشعر الحر ، ونازك الملائكة والبياتي وبلندر الحيدري ونزار قباني، وخاصة كتاب نازك الملائكة “قضايا الشعر المعاصر”، أما انا فكنت على النقيض..متمسك بالشعر العربي القديم وبالقصيدة العربية العمودية وبحور الشعر..وكنت اعشق المعلقات وأحاول ان أحفظها عن ظهر قلب.. الآن هو في قطر وصار مدير شركة ، وارتد عن تبني قصيدة الحداثة الى القصيدة العروضية ، ولم أره منذ تخرجنا ، وبحثت عنه وقرأت مجموعاته الشعرية التي اصدرها فوجدتها جد ركيكة وساذجة ، تشبه أناشيد الاطفال في المرحلة الابتدائية ، أريد أن أقول أنني أعوّل كثيرا على الامكنة ، لدرجة أن أحد النقاد في فلسطين سمى قصيدتي “قصيدة المكان” وهو الدكتور نبيل أبوعلي، وكذلك سفيرنا في اليمن يحي رباح سمع العديد من شعري فقال فعلا هذه قصيدة الأمكنة، ولكن جرى توظيفها بشكل ما لتصب في مصلحة القصيدة النضالية او الشعر المقاوم ، ولكن لا بدّ لي من الاقرار بأنني أزاوج في القصيدة بين التفعيلة والنثر ، فأحيانا أبدأ القصيدة بتفعيلة ووزن ، وكأنها ستهرب مني وتتجه الى صدر وعجز ، فأحوّلها فورا الى تفعيلة ، ثم ادخل النثر عليها..في سياق إيقاع ما يحفظ للقصيدة موسيقاها وجمالية جرسها الإيقاعي.. وفي النهاية انت تعلم أنّ القصيدة هي التي توجهك نحو شكلها وبنيتها وليس العكس…
ــ أقرأ من حين إلى آخر جديدك ، وأشعر أنّك تريد قول العالم في نصّ واحد ، نصّ محتشد بالأماكن والتفاصيل .. ، بنساء ورجال من جهات مختلفة من العالم ،كأنّك تحاول أن تجعل الذائقة الشعريّة العربيّة جاهزة لتقبّل نصّ مغاير كهذا أو ماذا ؟
نعم.. هذا منصف تماما ، تعلم أنّ العالم أضحى الآن قرية كونية صغيرة ، والشعب الفلسطيني تشرد في كل أصقاع الأرض ، فأنا مثلا لديّ أصدقاء فلسطينيين في البرازيل ، وفي فنزويلا ، وكولومبيا ، ولي أصدقاء وأقارب في كوبا وتشيلي ، ونعرف أن تشيلي هي بلد الشاعر العظيم بابلو نيرودا.. لذلك كيف أتجاهل كل هذا الشتات وهذه البلاد والمدن والمسافات ، ليس عليّ إلا ان أجمعها في قصيدة أو بضعة قصائد ، ثم كانت العديد من البلدان في السبعينات متضامنة مع فلسطين من فيتنام الى كوبا إلى نيكاراغوا ، أنا وثقت بعض هذه اللحظات النضالية في أشكال وبنيات شعرية جمالية كما أزعم ، تجعل منها أيقونة للنضال الفلسطيني عبر العالم..
ــ هل لديك مجموعة جديدة أو كتاب سرديّ جاهز للنشر..فأنت لا تتوقف على الكتابة أبدأ ؟
لدي بضعة مجموعات شعرية أجمعها عن انتفاضة الحجر ، ومجموعة اخرى بعنوان “الليل الفلسطيني” وأخرى بعنوان “مراثي الشرق” وهناك كتاب سياسي أزعم أنه مهم بعنوان “في انتظار هرم ـ مقالات في السياسة، وربما اطبعه هنا في تونس الحبيبة، وكتاب ” قراءات نقدية في الأدب ” وآخر مازلت اجمع مادته الجاهزة حول ” المدونة الشعرية التونسية ” وثلاثة كتب أخرى لدى وزارة الثقافة الليبية. كما أشتغل الآن على روايتين، أمل ان أكمل احداهما في الاشهر القليلة القادمة بحول الله
..اشكر لك انبهارك بهذه القصيدة الصغيرة ، وأنت الذي طالما ابهرتنا بالكثير من القصائد الجميلة الفاتنة…
من أنا؟
غير يد ضئيلة
تلوح في سماء البلاد
لشعب لا يرى
من انا سوى أسطورة باهتة
تاهت في شتاء الغيم…