فضاءات

حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار

حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار
حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار

أثير – مكتب أثير في تونس
حاورها: محمد الهادي الجزيري


متكلّمة حاذقة، يعكس سردها مدى تكوينها العلمي وخبرتها في الحياة، قادتني إليها الصدفة وأنا أبحث عن تونسيين أقاموا وما يزالون في ظفار أو عُمان، ألقيت عليها أسئلة عن إقامتها وتدريسها وموهبتها، فجاء الردّ بإسهاب ومعرفة ودراية، حقّا إنّها سفيرة بلدها ويحقّ لأهلها ومن يحبّونها أن يفخروا بها ، أقدّم لكم اليوم السيدة مفيدة جاء بالله وهي كاتبة وشاعرة وناقدة ومتحصلة على الأستاذية في اللغة الأنجليزية وآدابها لتحدّثنا عن تجربتها المهنية والحياتية في مطلع الشمس.

حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار
حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار

*في صائفة 2014 قررت أن التحق بزوجي الذي يعمل أستاذا في مدارس ظفار بسلطنة عمان، كان ذلك القرار واحدا من أجمل القرارات التي اتخذتها في حياتي، فالمعروف عني أني أتعلق بالأماكن وأني محبة لحياتي في جنوبنا على بساطتها، ولكن تعلق ابنتي الوحيدة بأبيها وهبني الجرأة على أن أترك الأهل والوطن والتحق بزوجي بالسلطنة، أذكر أنني وصلت مرهقة بعد رحلة طويلة فاستقبلتني ظفار بالطيب، ولا عجب في ذلك فهي أرض اللبان والبخور، في مطار صلالة يستقبلك عون الجمارك بابتسامة، ويرحب بك كأنك ضيفه الخاص ويقول لك: “نورتوا السلطنة إخوتنا التوانسة”. كانت هذه أول عبارة أسمعها في أرض عمان.

حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار
حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار

*لا تكمن الصعوبة في التأقلم مع العمانيين بحد ذاتهم، بل الصعوبة في ترك ما تعودت عليه لسنوات طويلة من أرض وأناس وروابط مع الأرض التي نشأت وترعرعت عليها، فالمهاجر لا يقطع فعليا مع ما تركه وراءه بصورة فجائية، وبذلك لا يحل المحل الجديد في نفسه بشكل تلقائي، ثم إني أحمل في داخلي بذرة الروح التونسية القادرة على التأقلم والتمازج مع أي وافد جديد إلى حياته، يتميز التونسي عادة بإتقانه لعمله وأدائه العالي، وهو ما أكسبه ثقة بين الإخوة العمانيين وبقية الجاليات العربية الأخرى، أما في ما يخص الحياة العامة، فالظفاريون مجتمع يتشابه في نسيجه الاجتماعي والثقافي وفي موروثه مع حياتنا في جنوب تونس، فلم أواجه صعوبات في التأقلم تذكر.

حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار
حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار

ـ هل لديك أصدقاء عُمانيين تتعاملين معهم في الأدب وفي نوادي الثقافة؟

*خلقت بطبعي ألوفا، ومع ذلك لم أسعَ أبدا لتكوين علاقات مع العمانيين لمجرد ملء الفراغ أو إحاطة نفسي بالناس، بل اكتسبت علاقاتي معهم في عملي في مجال التدريس، وفي المجال الثقافي، من خلال فرض الاحترام في الاتجاهين، فأنا احترم خصوصية الغير وأتعامل مع الطرف الآخر محترمة جوهره الإنساني مهما اختلف عني سواء أكان عمانيا أو غير عماني، ولا أسمح لأي أحد تحت أي ظرف أن يتجاوز حدوده معي، أفعل كل ذلك بطريقة لبقة وهادئة ويعود ذلك لسببين: الأول يعود لشخصي؛ فأنا أؤمن أن الاحترام والمعاملة الراقية تلزم الطرف المقابل بمستوى عال كذلك من المعاملة الراقية، والثاني يعود إلى أن العماني شخص يتمتع بذكاء عاطفي عال، وله القدرة على تتبع التفاصيل وتحليلها والحكم عليها، فمتى تعاملت معهم بإنسانية ورقي وراعيت خصوصية ثقافتهم ونسيجهم الاجتماعي، قبلوك صديقا وأخا عزيزا، وباتباعي لهذه القاعدة البسيطة، كونت صداقات لا فقط مع العمانيين، بل أيضا لي أصدقاء أعزاء من مصر والأردن واليمن والفلبين وبنغلاديش والمغرب، أتبادل معهم الأفكار ونستعرض ملامح الحياة؛ لا فقط في مجال الثقافة، بل كذلك نتمازج في أوجه الحياة اليومية؛ فنعلمهم ونتعلم منهم الطبخ وطريقة اللباس والاحتفال وبعض التفاصيل اليومية الأخرى، ولا عجب في ذلك فالسلطنة تضم جنسيات كثيرة.

حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار
حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار حوار مع الأستاذة التونسية مفيدة جاء بالله وتجربتها الحياتية في ظفار

ـ هل لديك أصدقاء عُمانيين تتعاملين معهم في الأدب وفي نوادي الثقافة؟

*بدأ نشاطي في ورشة الكتابة القصصية في سنة 2019، عندما حدثتني صديقتي الأديبة التونسية دلندة الزغيدي عن الورشة المقامة في مديرية التراث والثقافة، ذهبت في البداية بدافع الفضول لا غير، غير أني تفاجأت بدفق غزير من العطاء الإنساني والأدبي في شخص مدربنا الأديب نصر سامي، المتميز بشخصية معطاءة وارفة وكادحة ومؤمنة بالحياة في جوهرها الإنساني، آمن أني شاعرة وكاتبة منذ بدايات حضوري، شجعني ورفاقي على مواصلة الدرب، قدمني وكتاباتي إلى مجلات عربية معروفة، وشجعني على النشاط في الحياة الثقافية داخل ظفار، فكتبت القصة القصيرة، وتدربت لشهور على أنماط الكتابة، وعرفت من خلال الممارسة الأسبوعية كيف أكتب تحت ثيمة معينة؟ وكيف أحمل الوصف ملامح الشخصيات والمواقف؟ وكيف أتلاعب بالسرد؟ وكيف أرفع التوتر داخل القصص؟

ـ ألديك مشاهد طبيعية محبّبة للنفس في ظفّار، خاصة في فصل الخريف؟

*أحب ظفار في حرّها وقرها، أحبّ شموخ شجر النارجيل في مزارع القرض، أحب شجر البيذام النابت بين البيوت في الحافة القديمة، أما سهل إيتين فلي معه حكاية عشق؛ أزوره كلما اشتقت أن أستمتع هناك بالشاي السليماني والقهوة التركية، وهناك أقرأ وأكتب.

أتهيّب بحر العرب وأجده أسطوريا بكل معاني الكلمة، فجماله طاغ ومتعال، ومع ذلك لا أملك إلا أن أحمل كرسيا أضعه على شاطئ الحافة لأجالسه كلما راق لي ذلك. أفعل ذلك على شواطئ “حينو” بمرباط، وعلى “صخرة طاقة”، وكذلك منطقة “البيوت السبعة “، ولأني أحب التصوير أحتفظ لكل مكان أزوره بصورة.

ـ نودّ الاستماع إليك وأنت تجردين مجموعتك القصصية، في أي المواضيع خضتِ؟

*كتبت مجموعتي القصصية الأولى وجمعتها وصححتها وهي جاهزة منذ فترة للطباعة، كما أشارك في كتب جماعية ضمن ورشة الكتابة التابعة لمجلس إشراقات الثقافي، ولي ورقات نقدية قدمتها في مناسبات عديدة، وأشارك في الأمسيات الشعرية، أما عمّا أكتب؟ فإني لا أتقيد بلون محدد، فأنا أكتب الحياة كما أراها، أعري الوجع، وأنظر وأنتظر من خلال كتاباتي أن تتغير الحياة للأجمل ولو قليلا، فالكتابة مسؤولية ليست هينة، والكاتب هو من يحمل مصابيح الطريق.

ـ هل تشتاقين إلى تونس؟ وهل صفاء الإخوان والأحبة العمانيين يخفّف من ذلك؟

*أشتاق إلى مدينتي “مدنين”، وإلى “حومة آل جاء بالله” وهو الحي الذي أسكنه بمنازله العتيقة حيث لعبت وكبرت وتعلمت، أكاد أراها كلما أغمضت عيني، ببئرها المهجورة منذ أزمان، وزيتونات الوادي حيث كنت ألعب، أشتاق لكأس الشاي من يد أمي عصرا، ولصوت أبي يصلي في باحة الحوش، أشتاق لجلساتي مع إخوتي وأخواتي، ومرحنا الذي كبرنا وتفرقنا ولكن ما نسيناه، نعود له أطفالا كلما عدنا إلى بيت العائلة والتقينا. فالوطن ليس الأرض ولا هو جواز السفر وبعض الحقوق والواجبات فقط، بل هو أيضا حيث تحط فيه الأرواح رحالها لتستريح مطمئنة، هناك بين أمي وأبي وإخوتي فهم وطن داخل الوطن.

Your Page Title