أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
تحتفل سلطنة عمان بيوم الشجرة الذي يصادف الحادي والثلاثين من أكتوبر، في ظل تقليده المعهود وخصوصية الاهتمام الذي يحظى به في مجتمع التعليم والبرنامج الدراسي بالمدارس والكليات والجامعات الحكومية والخاصة، ناهيك عن المؤسسات المعنية بالثروة الزراعية والنباتات والبيئة الفطرية والأمن الغذائي وإستراتيجيات الغذاء، فإن ما يصاحب هذا اليوم من فعاليات وبرامج وأنشطة ومشروعات، ومبادرات، وقفة تأمل والتقاط الانفاس، وتقييم الجهود الوطنية الموجهة نحو الشجرة والغطاء النباتي بكل مفرداته وتعظيم القيمة المضافة للشجرة عامة والنخلة باعتبارها أحد أهم الأشجار التي لها أبعادها الاقتصادية والاجتماعية في حياة الانسان العماني، لاستنهاض الحس الإيجابي لدى النشء حول الشجرة عامة والنخلة بشكل خاص، وتلمس الاهتمام بهذا المورد الوطني الثري وتشجيع الطلبة على زراعة وغرس أنواع مختلفة من الأشجار والمحافظة عليها، نظرا لما باتت تكتسبه من قيمه اقتصادية في مواسم انتاج العسل أو بعض المنتجات الصحية والدوائية والطبية والغذائية وغيرها، حيث ينشط خبراء هذا المجال من أصحاب المزارع والمبادرات الزراعية والمهندسين الزراعيين وأصحاب المشاتل الزراعية والأكاديميين والطلبة في تخصصات علم النبات وغيرهم من المعنيين بالشأن الزراعي في تقديم تجاربهم والتعريف بمبادراتهم وتقديم البرامج التوعوية والتثقيفية للطلبة بشأن هذا اليوم، وبدورها تنفذ بعض المدارس والجامعات زيارات تعريفية واستكشافية وبحثية لبعض المزارع النموذجية والمشاتل المتكاملة للتعرف على واقع العمل والفرص الابتكارية المتاحة في هذا المجال.
والحديث عن الشجرة اليوم بما توفره من قيمة اقتصادية واستثمارية داعمة للأمن الغذائي يعيد إلى الصورة قيمة النخلة كمورد حضاري واقتصادي واجتماعي اعتمده العمانيون على مر التأريخ وما زالت حاضرة اليوم وبقوة في كل بيت ومع كل أسرة ، يعيد إلى الذاكرة جملة النُهُج التي اعتمدتها السلطنة في الاهتمام بالشجرة، ويستحضر دور عام الزراعة في تشكيل خصوصية هذا النهج، يضاف إليه احتفالات وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بيوم الزراعة العربي وغيرها من المناسبات الإقليمية والدولية والوطنية إيمانا بالدور الانتاجي للقطاع الزراعي في تحقيق الأمن الغذائي الوطني، وأثمرت هذه التوجهات والجهود عن نتائج نوعية، ظهرت في التقدم المستمر لسلطنة عمان في تقرير مؤشر الأمن الغذائي العالمي منذ عام 2012 حيث استطاعت سلطنة عمان أن تتقدم بمقدار (13.8) درجة في مؤشر الأمن الغذائي وجاءت في الترتيب الـ(35) وفقًا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2022م، محققة (71.2) نقطة من أصل (100)، فقد جاءت السلطنة في المؤشرات الرئيسية للتقرير ، في المرتبة الـ(21) في مؤشر قدرة الحصول على الغذاء، والمرتبة (34) في مؤشر لوفرة الغذائية، والمرتبة (42) في مؤشر جودة وسلامة الغذاء، وحلت في المرتبة (60) في مؤشر الاستدامة والتكيف.
وعليه فإن هذه الاستحقاقات تعد مرحلة مهمة في قراءة الجهود الوطنية الموجهة نحو استدامة الأمن الغذائي وابتكاريته والبحث عن خيارات أوسع وبدائل أدوم لضمان قدرته على تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040 فيما يتعلق بالتنويع في مصادر الدخل ، وتعزيز الاستدامة المالية ، وصناعة الغذاء، وهو ما يضعنا اليوم أمام استحضار لبعض مشروعات الأمن الغذائي الزراعي التي تم إنجازها في الفترة القريبة الماضية والتي من المؤمل أن يكون لخها حضورها في تحقيق الإنتاج الغذائي ، حيث تم اشهار الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة والشركة العمانية لإنتاج وتعبئة التمور إحدى الشركات التابعة للشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة؛ لإنشاء مصنع لإنتاج وتعبئة التمور في ولاية بركاء، وستة مراكز لتجميع التمور في بعض ولايات السلطنة.
على أن وضع هذه المبادرات والمشاريع الاستثمارية والإنتاجية أمام مراجعات وتقييمات دورية تضمن تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها السامية في تحقيق الأمن الغذائي ، وفي ظل التحولات والتحديات التي يشهدها قطاع الغذاء والتنمية الزراعية ، والتوجهات العالمية في توظيف التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في تنشيط انتاج الغذاء بجودة عالية ، يؤكد الحاجة إلى حضور البحث العلمي، لما يوفّره من قيمة مضافة تضع المقومات والفرص البيئية للسلطنة محل اختبار وتجريب وتطوير وتحسين مستمر، في سبيل توليد مفردات لبيئة منتجة للغذاء تتسم بالجودة والكفاءة، وتعميق جانب الاكتشاف والتجارب في مجالات التربة والمياه والمحميات النباتية والزراعات النسيجية وبحوث المياه، وبحوث النخيل، وتوفير الحلول المتكاملة والاكتشافات الدوائية والعلاجية لأمراض النباتات، والتوسع في مراكز البحوث النباتية ، وتعزيز انتشارها وإيجاد مرجعيات تطويرية فنية متخصصة لعمله، وتوسيع نطاق البحث والتجارب المخبرية فيها، بما من شأنه تقليل الهدر والفاقد الإنتاجي الناتج عن الآفات الزراعية وأمراض النباتات، وغيرها، من خلال دعم البحث العلمي في القطاع الزراعي والنباتي وتشجيع المتخصصين لتنفيذ الدراسات الاستشارية والأنشطة الاستثمارية التطويرية والنماذج الواعدة في القطاع الزراعي والنباتي.
وإذا كان الأمن الغذائي معادلة التوازن في عمليات الانتاج في القطاعات الثلاث الزراعية والحيوانية والسمكية، معززا ببناء القدرات والابتكارية في الادوات عبر شبكة متناغمة من الاجراءات الثابتة في توفير الغذاء وامكانية الحصول عليه واستخدامه بشكل آمن، فإن معطيات الواقع العماني تؤكد اليوم الحاجة إلى مزيد من الشراكة والتكامل في الجهود الموجهة للقطاع الزراعي سواء في عمليات الإنتاج أو التسويق أو تشخيص واقع التحولات البيئية والمناخية والحيوية وتوفير البيئة الآمنة المساندة، وثقافة الممارسين والمستخدمين لها- الاستغلال الجائر للأيدي الوافدة للمزارع- ، وعلاقتها بالإنتاج الزراعي، والموقع الذي يحتله في منظومة الامن الغذائي بالسلطنة، هذا الامر يستدعي بالإضافة إلى ما اشرنا إليه، وجود رؤية وطنية واضحة في تسويق الإنتاج الزراعي داخليا وخارجيا، وخلق الفرص لقيام القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بدور محوري في الاستثمار في هذا القطاع ، وتشجيع الشباب نحو الانخراط في هذا القطاع وتوسيع الخيارات فيه، وتبسيط الإجراءات، ورفع درجة المحفزات التمويلية والفنية، ودعم المزارع العماني بالبرامج التدريبية والتأهيلية وتوفير المياه واستخدام أنظمة الري الحديثة وإتاحة استخدام التقنيات المتطورة وغيرها، لما من شأنه تحقيق التنافسية في صناعة الغذاء النباتي وانتاجه بما يحقق معادلة الامن الغذائي القائمة على الوفرة والجودة والسلامة.
أخيرا يبقى الاحتفال بيوم الشجرة العماني مناسبة سنوية مهمة يتم فيها تسليط الضوء على ما تحقق من جهود، وما يواجه هذا القطاع من تحديات، والتفكير معا من خلال حشد الجهود الوطنية والاهلية والمؤسسية والخبرات والتجارب والشركات الطلابية في تعظيم القيمة المضافة للإنتاج الغذائي للشجرة وتعزيز الدور الريادي الاقتصادي والاجتماعي لأنواع متجددة من الأشجار بات لها حضورها في الاستهلاك العالمي والمحلي والصناعات الغذائية في مواجهة أزمة الغذاء وارتفاع أسعاره التي يعيشها العالم ، بالإضافة إلى إيجاد حلول للأمراض والآفات الزراعية التي باتت تواجه خلالها الشجرة خطر الموت بسبب الحشرات أو الفطريات أو البكتريا التي اضرت بمزارع المانجو والليمون ومزارع أشجار النخيل في مختلف محافظات السلطنة.