زعيم بن ناصر الشعيبي – باحث ماجستير بكلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس
تشكل جريمة غسل الأموال خطرًا على الدول في مجالاتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وهي تعد من الجرائم ذات الطبيعة الخاصة كونها من الجرائم المنظمة العابرة للحدود. وعلى ضوء ذلك فقد سارعت الدول إلى سن التشريعات لمكافحة هذا النوع من الأنشطة، وفي هذا المقال سوف نتطرق إلى بعض القواعد القانونية المتعلقة بتجريم هذا النوع من الأنشطة في المجال الرقمي.
لقد كانت سلطنة عمان سباقة في هذا الجانب باتخاذ خطوة للأمام لمكافحة هذا النوع من الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المرسوم السلطاني رقم (34/ 2002) بعدها أصدرت تعديلات لاحقة عليه في المرسومين: المرسوم السلطاني (79/ 2010) والمرسوم السلطاني رقم (30/2016) ليكون أكثر شموليةً ويغطي جوانب جديدة لم تكن مشمولة في القانون السابق، ولقد تطرق القانون محل الدراسة؛ عن ماهية وصور الأفعال التي من شأنها أن تعد جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والالتزامات والتصرفات التي تصدر من المؤسسات المالية وغير المالية والجمعيات والمؤسسات غير الربحية فيما يتعلق بتطبيق الضوابط والأحكام التي أتى بها القانون.
إن المشرع العماني قد وضع للأموال تعريفاً خاصاً باعتبارها محلاً للجريمة في المادة (1) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي أشار الى الأموال موضوع الجريمة بأنها: “أي نوع من الأصول أو الممتلكات بصرف النظر عن قيمتها أو طبيعتها أو طريقة حيازتها، أياً كان شكلها إلكترونية أو رقمية، وسواء أكانت موجودة في سلطنة عمان أم خارجها، وكل ما يتأتى منها من أرباح أو فوائد مستحقة أو موزعة بشكل كلي أو جزئي، وتشمل العملة الوطنية والعملة الأجنبية، والأوراق المالية، والتجارية، أو العقار أو المنقول المادي أو المعنوي، وجميع الحقوق أو المصالح المتعلقة بها، والصكوك والمحررات المثبتة لكل ما تقدم، كما تشمل الائتمانات المصرفية والودائع والحوالات البريدية والحوالات المصرفية وخطابات الائتمان، أو كل ما تعتبره اللجنة مالا لأغراض هذا القانون”. وفي ذات المادة تم تعريف جريمة غسل الأموال بإشارة للأفعال المنصوص عليها في المادة (6) من ذات القانون والتي جاءت على سبيل الحصر وهي كالآتي:
“يعد مرتكباً لجريمة غسل الأموال كل شخص، سواء أكان هو مرتكباً للجريمة الأصلية أم شخص آخر، يقوم عمداً بأحد الأفعال الآتية، مع أنه يعلم، أو كان عليه أن يعلم أو يشتبه بأن الأموال عائدات جريمة:
أ- استبدال أو تحويل الأموال بقصد تمويه أو إخفاء طبيعة ومصدر تلك العائدات غير المشروعة، أو مساعدة شخص قام بارتكاب الجريمة الأصلية للإفلات من العقوبة.
ب- تمويه أو إخفاء الطبيعة الحقيقية للأموال أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها.
ج- تملك الأموال أو حيازتها أو استخدامها عند تسلمها”.
فمن خلال النص السابق نرى بأن المشرع عدّ الأصول أو الممتلكات بصرف النظر عن قيمتها أو طبيعتها أو بغض النظر عن ما إذا كانت بشكلها التقليدي أو بشكلها الرقمي فهي تدور في نطاق طبيعة الأموال، وكذلك الأمر ينصرف في كل ما يأتي من هذه الأموال من أرباح أو فوائد مستحقة أو موزعة، كما هو الحاصل في منصات التداول للعملات الرقمية باعتبارها محل هذا التداول، وكونها عملات مشفرة مجهولة الطبيعة وغير معروفة المصدر، وما يحصل من تداول في نظام البلوك تشين من سرية تامة حول عدم إفشاء أسماء المتداولين أو أصحاب المَحافظ أو أصحاب العملات، وعدم إمكانية تتبع مصدر عملية شراء العملة من أجل التأكد من حيث مشروعية المعاملات من عدمها، مما يجعل الأمر في محل اعتبار لوجود شبهة جنائية لجريمة غسل الأموال، وهنا نتحدث عن طبيعة الوسيلة المستخدمة لهذا النوع من عمليات البيع والشراء.
لقد ظهر في الآونة الأخيرة نمط جديد لغسل الأموال وهو التداول في العملات الرقمية عن طريق الأموال المتحصل عليها من جريمة غسل الأموال وتحويلها في عدة حسابات لتجنب معرفة مصدر هذه الأموال وفي بعض الأحيان إنشاء عملات رقمية جديدة لهذا الغرض، إلا أن أغلب الدول من بينها السلطنة كان لها موقف صريح وحازم في مسألة عدم مشروعية العملات الرقمية، فالعملات المشفرة ليست نقداً مقبولاً ومضموناً وفق القانون المصرفي (114/2000) في السلطنة، كما أنها غير منظمة كوسيلة دفع تحت قانون نظم الدفوعات الوطنية (8/2018).
فقد وقع بعض الأشخاص في شرك عمليات غسل أموال المشبوهة والتي تم التحذير منها من قبل البنك المركزي العماني حول عمليات الاحتيال التي تقوم بها بعض منصات التداول من جمع الأموال نتيجة عمليات البيع والشراء للعملات الرقمية المشفرة، ومن هذا المنطلق ظهرت تساؤلات قانونية حول مدى مشروعية هذه المنصات والعمليات المالية التي تصدر منها، ومدى وجود تنظيم قانوني خاص يتعامل مع هذه العملات من جانب، ومن جانب آخر مدى قيام المسؤولية الجزائية على الأشخاص الذين يتداولوا العملات وكانت هذه العمليات مصدرها أنشطة غير مشروعة، فوفقاً للمادة (6) من قانون مكافحة غسل الأموال يكون مرتكباً لجريمة غسل الأموال متى ما توافرت الأركان الأخرى.
واستناداً إلى المادة (21) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات التي وضعت الشخص المتداول في دائرة التجريم؛ إذا ثبت قيامه بتحويل الأموال غير المشروعة أو نقلها أو إخفاء أو تمويه مصدرها أو في اكتساب الأموال أو الممتلكات أو حيازتها مع علمه أو كان عليه أن يعلم أو يشتبه بمصدرها غير المشروع.
ومن التجارب العملية العربية التي برزت في مكافحة هذا النشاط الإجرامي هي السعودية فقد قامت بتشكيل إدارة يطلق عليها (بإدارة التفتيش البنكي) “وتعنى بتحليل العملات البيتكوين عبر إرشادات ورقابة مشددة لإعطاء نظرة ثاقبة لأساليب المجرمين الذين يعملون على إخفاء عائداتهم غير المشروعة”، في حين أن هناك الكثير من الدول تواجه صعوبات وإشكالات حقيقية في التعامل مع هذا النوع من العملات حيث لا يوجد لها سلطة رسمية أو غطاء قانوني أو قيمة ملموسة، فيكون المجتمع ضحية لعصابات إلكترونية وخاصة في الدول الفقيرة والتي تكون عاجزة عن مواجهة هذه الجرائم منفردة بل تحتاج لتكاتف من قبل المنظمات والبنوك المركزية.
وفي النهاية تبقى إشكالات مكافحة جريمة غسل الأموال عن طريق العملات الرقمية قائمة ومحل بحث مستمر وتطوير في المنظومة التشريعية للدول، حيث تبقى المشكلة الأكبر في هذا النوع من الجرائم هو إثبات الجريمة، فإثبات الركن المادي يتطلب أن تكون الوسيلة المستخدمة لغسل الأموال مقننة ومعروفة ويمكن الوصول إليها ومراقبتها، فضلا عن أن إثبات الركن المعنوي يصبح هو الآخر أكثر صعوبة، فالاشتراك في منصات العملات الرقمية في حد ذاته غير كاف لتوافر القصد الجنائي في جريمة غسل الأموال حتى ولو لم يتم الاعتراف بهذه العملات كعملة رسمية.