فضاءات

هل أصبح زمن التعلم هو العصا السحرية في تخليص التعليم المدرسي من ترهلاته؟

هل أصبح زمن التعلم هو العصا السحرية في تخليص التعليم المدرسي من ترهلاته؟
هل أصبح زمن التعلم هو العصا السحرية في تخليص التعليم المدرسي من ترهلاته؟ هل أصبح زمن التعلم هو العصا السحرية في تخليص التعليم المدرسي من ترهلاته؟

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

أصدرت وزارة التربية والتعليم الموقرة قرارا وزاريا رقم (146/2022) بشأن تنفيذ امتحانات النقل للصفوف (5-11) ضمن اليوم الدراسي من أجل استثمار زمن التعلم المحدد، واتخذت في ذلك سلسلة من الإجراءات لضمان التطبيق ومن بينها إحاطة مكاتب المحافظين والولاة بهذا القرار بهدف حث الأهالي على استثمار اليوم الدراسي بعد تأدية الامتحانات، وأنه سوف يتم تفعيل لائحة شؤون الطلبة فيما يتعلق بانقطاع الطلبة عن الحضور حتى تاريخ 19/ يناير/ 2023؛ ومع ما أثاره القرار من تبرير التوجه نحو المحافظة على زمن التعلم، إلا أننا نعتقد بأن هذا الموضوع رغم كثرة الحديث عنه في أروقة الوزارة منذ أكثر من عقدين من الزمن ، وما زال يدور إلى يومنا هذا في حلقة مفرغة، نظرا لعلاقة زمن التعلم بالخصوصية التعليمية من جهة، وما يتطلبه من ممكنات وجاهزية تصنع له قيمه في حياة الطالب وسلوك المعلم، فالمسألة ليست مجرد قرارات تضع الميدان أمام الأمر الواقع، بقدر ما هي ممكنات وموجهات واولويات ومشتركات من العمل، يتطلبها تحقيق مسار زمن التعلم وفق مبادئ العدالة التعليمية وتكافؤ الفرص وحق الطلبة في الحصول على تعلم عالي الجودة، وإلى أي مدى استطاعت الممارسة التعليمية أن تبني في الطالب ثقافة الاستثمار في وقت التعلم وقدرته على ترجمتها في الواقع، ومدى مرونة منظومة تقييم الطلبة وقدرتها على استيعاب البنية الفكرية والنفسية والإنتاجية للطالب؛ وعليه فإن قراءتنا لهذا الموضوع تأخذ في الاعتبار جملة الموجهات الآتية:
قياس زمن التعلم بعدد الأيام والساعات التدريسية الكمية التي يدرسها الطالب ليس العصا السحرية، وليس مؤشرا حقيقيا على جودة التعلم، والوصول به إلى أعلى مستويات الكفاءة، ذلك أن زمن التعلم والمحدد ب 180 يوما، يشهد تباينا في تطبيقه بين الأنظمة التعليمية العالمية، نظرا لاختلاف الظروف والعوامل الاجتماعية والمتغيرات البيئية والاقتصادية التي ينمو فيها النظام التعليمي، حيث تركز الأنظمة التعليمية ذات الأداء المتطور على مبدأ المرونة في النظام واستجابته للاحتياجات الوطنية، وتركيزه على تنمية دافعية الطلبة وتطوير خبراتهم التعليمية، ولأن مجتمع السلطنة له خصوصيته وظروفه وعوامله خاصة ما يرتبط منها بفترة الصيف والإجازات الوطنية والدينية والاجتماعية والاسبوعية والاستثنائية، فإن المفترض تطويع زمن التعلم بما يتناسب مع هوية المجتمع العماني وخصوصيته التعليمية .
إن ما يطرح حول مخرجات الدبلوم العام ونمط التدريس القائم، وتدني امتلاك الطلبة للمهارات الحياتية والمهارات الناعمة، والكثافة الطلابية في الصفوف الدراسية وخفض زمن الحصة الدراسية في المدارس ذات الفترتين، وعدم استقرار المعلم العماني في ولايته، ووجود المعلمين بالأجر اليومي، والتراكمية الكمية والمعرفية في المناهج الدراسية وتعددها، وارتفاع سقف المسابقات والمشاركات والأنشطة الخارجية والفعاليات التي يمارسها الطالب والمعلم خارج إطار المنهج والصف الدراسي وما يتبعها من هدر لوقت التدريس واختزال زمن التعلم ، ناهيك عن بيروقراطية الإجراءات والاوامر التنفيذية التي تلقى على كاهل المداس بدون مشاركتها في رسم معالمها وصناعة أدواتها، وعدم وضوح منظومة الصلاحيات والحوافز، وغياب مساحة الأمان النفسي للطالب، وحجم ما يمنح له من وقت للمشاركة، والتعبير عن ذاته وإدارة واقعه ، ونقص التشريعات المرتبطة بجودة الحياة المدرسية والحماية الاجتماعية للطالب والمعلم والكادر الإداري، إذا أصبحت هذه المعطيات مشتتات فكرية وذهنية ترهق كاهل الطالب والمعلم إلى حد سواء وتقلل من الدافعية والرغبة لديه، كما ساهمت في ارتفاع معدلات الظواهر السلبية بين الطلبة في بيئات التعليم سواء من حيث زيادة معدلات الانقطاع والرسوب وظاهرة التنمر، وتكريس لغة الفوقية والنخبوية للطلبة ذوي التحصيل الدراسي المرتفع، كل ذلك وغيره انتجت فاقدا كبيرا وهدرا في عمليات التعلم واختزالا فعلا لجودة الممارسة الصفية؛ الأمر الذي أسهم في زيادة الدعوات نحو إعادة هيكلة التعليم وتصحيح بنيته وتقييم محتواه وضبط السلوك التعليمي للحد من جراثيم التعليم ذلك أن الحفاظ على زمن التعليم بحاجة إلى جملة من المحفزات ، وأول هذه المحفزات يكمن في إزالة الجراثيم التي باتت تؤثر سلبا على جودة التعليم وكفاءته الداخلية.
ومن منطلق أن الطالب يعيش في يومه الدراسي ما يقترب أو يزيد عن 6 ساعات، وهي كفيلة إن أحسن استثمارها وتوجيهها وضبط الممارسات فيها وهندسة البرنامج التعليمي بما يحقق أولويات التعلم ، وعبر الاستغلال الأمثل لليوم الدراسي، والاستثمار في زمن الحصص الدراسية ووقت التمدرس الذي يقضي فيه الطالب هذه الفترة ، كيف تتم إدارته، وكيف يتم استغلاله، وما نصيب الطالب منه، أين موقع الكفايات والمهارات والتجارب والمواهب فيه، وما مستوى تحقيق العدالة التعليمية لجميع الطالب ، وما نوع البرامج والفرص والأنشطة الاثرائية التي تمنح للطالب في بيئة الصف الدراسي لترفع من المنتوج الفكري والنفسي لديه، ومستوى حضور مسارات الابداع والابتكار والتفكير والإنتاجية واستغلال تفاصيل اليوم الدراسية لصالح تعلم منتج ، ثم ما مدى التزام بيئة التعلم ومكوناتها بتحقيق جودة الحياة وتوفر الابعاد الجمالية والنفسية والصحية والغذائية والابتكارية فيها، كداعم للطالب في العيش في بيئة نموذجية جاذبة تصنع لحضوره قوة، وهل الخطة الدراسية لصفوف التعليم الأساسي وما بعد الأساسي تستجيب للمعطيات الوطنية ، إذا ما أردنا تحقيق تعلم منتج قادر على صناعة طالب يمتلك المهارات الناعمة ومهارات الحياة ، وبالتالي تمثل هذه المعطيات مؤشرات يجب أن يبني نظام التعليم عليها مرتكزات عمله وبرامجه وخططه، فإذا ما أردنا قياس زمن التعلم الكمي فنعتقد أننا بحاجة في الأساس إلى قياس مدى تحقق هذه الغايات في حياة الطالب.
أخيرا إذا كان توجه وزارة التربية والتعليم في تطبيق زمن التعلم يرجع إلى ما أشارت إليه دراسات البنك الدولي والدراسات التقييمية التي نفذتها بيوت الخبرة حول نظام التعليم بسلطنة عمان، ففي تقديرنا الشخصي أن طرح هذا الموضوع في هذا الوقت التي ينتظر منه المجتمع من مؤسسات التعليم بسلطنة عمان ومنها وزارة التربية والتعليم، إصلاحات في سياساتها وخططها وبرامجها، وأولها وضع التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بشأن تنويع المسارات، وإعطاء المزيد من الاهتمام بالأبعاد الفنية والمهنية ، وتعزيز القيم والهوية العمانية، وتأكيد دور التعليم في بناء المهارات وتحقيق الإنتاجية، كما ينتظر منها إصلاحا يتجه إلى تكريس الجهود نحو اصدار قانون التعليم، وتوفير التشريعات والقوانين التي تحفظ مؤسسات التعليم وتنظم عملها، وتؤسس لمنظومة متكاملة من الصلاحيات والحوافز والحماية الاجتماعية والممكنات والفرص لتوطين الكفاءات التعليمية، والحد من الممارسات التعليمية المتكررة التي باتت ترهق التعليم وتتسبب في رفع مستوى الهدر والفاقد فيه. فأيهما الأولى: هل التمسك بمفهوم زمن التعلم الكمي واتخاذ قرارات غير صائبة نحوه؛ أم تجويد الممارسة في الميدان لتصنع لزمن التعلم قيمة وحضورا في ثقافة الطلبة وسلوك المعلمين وقناعة أولياء الأمور وفقه المجتمع بأكمله؟



Your Page Title