أثير – محمد الـعـريـمـي
في صباح السابع من ديسمبر الجاري صُدم المجتمع العماني بحادثة اعتداء مواطن على مواطنة بالسلاح الأبيض نتج عنه وفاة المعتدى عليها، ولم يمر أسبوع على الحادثة الأولى إلا ونفجع بحادثة أخرى لمواطن اعتدى على مواطنة طعنًا بسلاح أبيض مما أفضى إلى وفاة المعتدى عليها، تلتها حادثتا طعن خلفتا إصابات، وكل ذلك خلال أقل من شهر!
فهل تُعد الـ4 حوادث طعن ظاهرة، وهل بحاجة لإجراءات أخرى أيضًا؟ نقلنا هذه الأسئلة للدكتور خليفة الهنائي – قاضٍ ومحكّم سابق ومحامٍ بالمحكمة العليا- ليقدم لنا قراءة نقدية في التعامل القانوني الحالي مع قضايا جرائم القتل، وما إذا كانت الإجراءات كافية أم بحاجة إلى إجراءات أخرى.
أكّد الدكتور خليفة الهنائي بأن موضوع الطعن لا يشكل ظاهرة فالموضوع الذي يشكل ظاهرة لا بد أن تتابع الأحداث في أكثر من مكان وفي فترة زمنية ممتدة وليس مجرد أحداث تظهر فجأة ثم تختفي، وقد تتزامن بعض الوقائع في فترة زمنية محددة ثم ينتهي الأمر.
وفصّل الهنائي ذلك عبر ثلاث نقاط:
أولًا: هذا الأمر أشبه بحالات الوفاة التي تحدث في القرى أو المناطق؛ ففي بعض الأحيان يمر عام كامل دون حدوث وفيات، بينما تحدث عدة وفيات في فترة زمنية متقاربة، فهل يعني هذا أن هنالك ظاهرة بحاجة إلى مراجعة، وهل يستدعي الأمر إثارة الشكوك بتفسيرات مجافية للمنطق؟ لا بطبيعة الحال، فمثل هذه الأحداث تتزامن عرَضًا، ولا يُعد ذلك ظاهرة من الظواهر.
أولًا:
ثانيًا: المجتمع العماني لا ينفصل عن المجتمعات الأخرى الخليجية والعربية أو العالمية، هذه المجتمعات وطبيعتها الإنسانية تتعدد فيها كل فئات المجتمع، إذ يعيش فيها الصالح والفاسد، ويكون البعض معتديًا، والآخر معتدى عليه، وقد يعاني البعض من أمراض، وهذه الأمراض جسدية ونفسية، فهل من الممكن أن تقود بعض الأمراض النفسية إلى ارتكاب جرائم؟ بطبيعة الحال نعم، وهذا مؤكد علميًا وغير قابل للجدال، بدليل وجود تخصصات في الطب السلوكي معنية بالطب الجنائي السلوكي، لأن الجناية قد ترتكب بسببٍ يتعلق بالسلوك والإدراك واختلال في صحة العقل، ولكن هذا لا يشمل الكل، إذ تكون الحالات المرتبطة بالجانب المرضي قليلة، ولذلك فإن القضاء يحيل المتهمين للمختصين في الطب السلوكي، حتى لا يفلت مجرم من العقاب، ولا يعاقب من كان فاقد الإدراك لمرض ابتلي به، ولا دخل له فيه.
ثانيًا:
ثالثًا: هذه الأحداث تختلف من أحداث مبيت لها النية وهو ما يسمى بسبق الإصرار والترصد لارتكاب هذه الجرائم، وقد تكون أحداثًا عرضية تنشأ نتيجة الاختلاف، ولا يوجد خلل تشريعي في معالجة كل هذه الأحداث.
ثالثًا:
هل هنالك حاجة لإجراءات أخرى، وماذا عن التعامل القانوني الحالي؟
أكد الدكتور خليفة بأن قانون الجزاء العماني يغطي مثله مثل جميع القوانين الأخرى ويغطي كافة الوقائع بتصنيفاتها وملابساتها وحجم الجرم أيا كان نوعه ومبرراته، ويغطي كذلك العقوبات التي تمتد من السجن 3 سنوات حتى تصل إلى الإعدام، وبين الـ 3 سنوات والإعدام مدد متعددة من مدد الحبس حسب نوع الجرم وطبيعته.
وبيّن الهنائي: المشرع الجزائي غطى كل هذه التوصيفات الجرمية، وأعطى لكل وصف جرمي العقوبة المناسبة له، وقانون الإجراءات الجزائية العماني ضمن كل الإجراءات التي تكفل التحقيق وإثبات الجريمة والمعاينة وغيرها.
هل يوجد خلل في الجانب التشريعي؟
لا يوجد خلل في الجانب التشريعي على الإطلاق والإجراءات التي تقوم بها الضبطية القضائية ويتبعها بعد ذلك الادعاء العام هي إجراءات غاية في الدقة والمسؤولية باعتبار أن القائمين على هذه الإجراءات هم من المختصين بمثل هذه الجرائم علاوةً على ذلك فإن أثر هذه الجرائم ومسؤوليتها وانعكاساتها على المجتمع كبيرة ولذلك يتم التعامل معها بمنتهى الدقة والالتزام والانضباط في الإجراءات، والمحاكمات أيضا تأخذ مجراها وتغطي جميع الجوانب الإجرائية المتعلقة بالقضية أو بالواقعة وكذلك العقوبات التي تصدر بعد ذلك تكون عقوبات متناسبة مع درجة الفعل ومع التوصيف القانوني الصحيح للواقعة.
لكل قضية احتمالات عديدة، فما الإجراءات المتبعة؟
قال الدكتور خليفة: من المهم الإشارة إلى أنه عند وقوع جريمة قتل يثور المجتمع مباشرةً وهناك من يطالب بتوقيع عقوبة الإعدام هكذا مباشرة وكأن المسألة انتقام من الجاني بعواطف جياشة دون أن يلتفت أكثر أفراد المجتمع إلى حقيقة الواقعة؛ فقد يكون للمعتدى عليه دور في وقوع الجريمة عليه، واحتمالات هذا الأمر عديدة، كأن يكون المعتدى عليه هو المبادر في الاعتداء، وقد يكون المعتدي في إحدى حالات الدفاع عن النفس، ثم يحدث التجاوز بعد، وهذه الاحتمالات الكثيرة والعديدة لا يمكن أن تصل فيها القناعة إلى الدرجة الأقرب إلى الكمال إلا بعد دراسة الموضوع دراسة تفصيلية يتاح من خلالها للمتهم الدفاع القانوني عنه، وكذلك يتاح لأولياء الدم المطالبة بحقوقهم قانونًا، ويقوم الادعاء العام بتولي الدعوى العمومية على وجهها الأكمل، وبعد ذلك تبقى الكلمة الفصل للقضاء، وفي مثل هذه القضايا تنظر الدعوى محكمة الجنايات، ويتم الطعن على الحكم إذا صدر بالإعدام بقوة القانون من قِبل الادعاء العام، ومن قبل محامي المتهم، والمحكمة العليا تنظر في صحة الحكم ودقة الإجراءات، وهنا من الممكن أن ترفض الطعن، أو تقبله عند وجود خلل في الإجراءات أو في تطبيق القانون، بما يستلزم بعد ذلك إعادة الدعوى إلى هيئة مغايرة مشكلة من 3 قضاة آخرين في محكمة الجنايات للنظر في القضية مجددا بكامل إجراءاتها، وبعد ذلك يصدر الحكم ويتم الطعن عليه مجددا إذا صدر بالإعدام أمام المحكمة العليا من قِبل الادعاء العام، ويحق لمحامي المتهم الطعن عليه أيًا كانت نتيجة الحكم الصادر من محكمة الجنايات.
كيف تصنف ردود أفعال المجتمع في قضايا القتل، وهل ذلك يؤثر على الأحكام؟
أكد الدكتور خليفة قائلًا: القضاء دائما يتجرد من آراء المجتمع ولا يلتفت إلى ردود أفعال الجمهور حول أي واقعة من الوقائع باعتبار أن أوراق الدعوى وحدها هي المرجع بالنسبة للقاضي في أحكامه، أما الانطباعات الخاصة أو ما يصل للقاضي بحكم كونه إنسانا أو فردا من أفراد المجتمع فإن هذا الأمر لا يتجاوز مرحلة المعرفة السطحية فقط، ولا ينتقل إلى التطبيق القضائي، لأن للمحاكمات الجزائية قواعد وأصولا يجب على القاضي أن يتبعها، والقاضي أقسم على احترام تطبيق القانون فلا يمكن أن يتأثر بردود أفعال الجمهور وردود الفعل العاطفية التي أحيانا تهول من أي فعل وعلى النقيض تماما في بعض الوقائع تقلل أو تضعف أهمية أي فعل، ويبقى دائما ميزان العدالة هو الذي تحتكم إليه تلك الوقائع بحيث تصدر الأحكام مجردةً من العواطف ومن الآراء الشخصية.
وبيّن: لا تصنف ردود أفعال المجتمع بأنها جاهلة وإنما تصنف بأنها إنسانية وطبيعية لأن الشعور العام دائما ينفر من السلوك غير القويم فكيف إذا كان هذا السلوك هو الاعتداء على حياة إنسان، ومشاعر الناس مبررة ومقبولة وتصنف ردود الأفعال أيضًا عاطفية إذ تستجيب مع الفطرة الإنسانية ومع الطبيعة البشرية التي تأبى السلوك المشين ومسلك الاعتداء في كل الأحوال، فكيف إذا كان الاعتداء مؤديًا إلى إزهاق روح إنسان.