قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي

قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي

أثير – مكتب أثير في تونس
إعداد: محمد الهادي الجزيري


النشيد الوطني الجزائري المحفّز للهمم، الطافح بالقيّم، الهادر المتدفّق كالنهر الجارف، من منّا لم يردّد بعض الأبيات منه، إذا عُزف في مناسبة ما، ولكن من كتب هذه العاصفة الشعرية، هذه الأنشودة الوهّاجة اللاهجة بالإنسان التائق للحرية والانعتاق؟، إنّه شاعر المغرب العربي الكبير، إنّه ضيفنا في هذه المقالة المتواضعة، إنّه ولا شكّ في ذلك مفدي زكريا.

قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي

ولد سنة 1908 ببني يزقن بوادي مزاب بغرداية في جنوب الجزائر، ولقّبَهُ أحد زملاء الدراسة بـ “مفدي”، فأصبح لقبه الأدبي مفدي زكريا الذي اشتهر به، كما كان يوَقَّع أشعاره “ابن تومرت”، بدأ حياته التعلمية في الكتاب، بمسقط رأسه فحصل على شيء من علوم الدين واللغة، أمّا تعليمه الأوّل فكان بمدينة عنابة حيث كان والده يمارس التجارة، ثم رحل إلى تونس وأكمل دراسته بالمدرسة الخلدونية ثمّ الزيتونية ونال شهادتها، عاصر الشعراء التونسيين المعروفين وارتبط بهم مثل الشاعر محمد العربي الكبادي وأبي القاسم الشابي، وعاد بعد ذلك إلى الوطن، كانت له مشاركة فعالة في الحركة الأدبية والسياسية، ولما قامت الثورة انضم إليها فكان شاعر الثورة الذي يردد أناشيدها وعضوًا في جبهة التحرير، مما جعل فرنسا تزجّ به في السجن مرّات متتالية ثم فرّ منه سنة 1959، فأرسلته جبهة التحرير الجزائرية خارج الحدود فجال في العالم العربي وعرّف بالثورة الشعبية في الجزائر، ووافته المنية بتونس سنة 1977، ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه فكان هو شاعر الثورة…

قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي

قبل أن نخوض في حياة ومسيرة الشاعر والمناضل مفدي زكريا، ونستدلّ بما كُتب عنه وما قيل فيه، نعرض عليكم مقطعين من نشيد الجزائر الذي يهزّ النفوس:

“قسما بالنازلات الماحقات
والدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…

قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي

لهذا النشيد قصة عناد مع التلحين، فأوّلا طلب عبان رمضان (أحد القادة آنذاك) من مفدي زكريا كتابة نشيد وطني يعبّر عن الثورة الجزائرية..”وخلال يومين فقط جهّز شاعر الثورة “قسماً بالنازلات الماحقات”، وانتقل شاعرنا إلى تونس لنشره في صفوف جبهة التحرير، وكان الفنان محمد التوري أول من قام بتلحين النشيد، ورفضت هذه النسخة لعدم توفر الروح الثورية والشروط المطلوبة، ثمّ قام الموسيقار التونسي محمد التريكي بتلحينه وكان أوّل تسجيل في مقر البعثة التعليمية الجزائرية بتونس شارع ابن خلدون، إلاّ أنّ لحن التريكي رُفض لكونه يحتوي على لحن لكل مقطع أي بنحو خمسة أناشيد، وهو ما دفع بمفدي زكريا، تنفيذاً لأمر عبان رمضان بنقله معه إلى القاهرة لإعادة تلحينه من جديد، وقد تبرّع الموسيقار المصري محمد فوزي بتلحين النشيد “هدية للشعب الجزائري” واقتنعت أخيراً جبهة التحرير باللحن الجديد، واعتبرته قوياً وفي مستوى النشيد…

قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي

“أجِبريلُ هلّل بأيّ الظفرْ وكبّرْ وخُطّ جليل الخبرْ
ورتّل على الجيش إن تنصروا الله ينصركمُ ببلوغ الوطرْ
و أبلغْ رسول البرية أحمد هادي الشريعة بادي البشرْ
بأنّ الهلال على أفقِ العزّ و المجد بعد الأفول ظهرْ
هنيئا بنِي الريف قدْ فُتحت لكمْ جنة الخلد من يبتدرْ”


قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي
قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي قامات مضيئة عبر “أثير”: مفدي زكريا؛ شاعر الثورة الجزائرية ورمز المغرب العربي

من أشهر ملاحمه الشعرية “إلياذة الجزائر”، وهي طويلة جدّا وفيها كلّ مشاعر النخوة والعزّ والثورة على الظالمين، خلّد فيها مفدي زكريا بلاده الجزائر وأكرمها كأحسن ما يكون، ونحن لا نستطيع طوال هذه القصيدة سوى أن نقتطع منها القليل -وإذا رغب أحد القرّاء في الإطلال عليها- ما عليه سوى اللجوء إلى  “غوغل” فيقرأها كاملة وفيها شرح لمعانيها:

“جَزائر، يا مَطلعَ المعجزات
ويَا حجَّة الله في الكائنات
ويَا بسمَةَ الرَّب في أرضهِ
ويَا وجهَه الضاحكَ القسمات
ويَا لوحةً في سجلِّ الخلودِ
تموج بهَا الصُّور الحالمات
ويَا قصَّةً بثَّ فيهَا الوجود
مَعاني السُّموِّ بروعِ الحيَاة
ويَا صَفحةً خط فيهَا البقا
بنارٍ ونورٍ جهَادَ الأبَاة
ويَا للبطولاتِ تغزو الدُّنا
وتلهمُها القيمَ الخالدات
اللازمَة
شَغَلْنا الورى، ومَلَأْنا الدُّنا
بشعرٍ نرتِّله كالصَّلاة
تسابيحُه من حَنايا الجزائر”









منذ عودته من تونس، لم تنفك سلطات الاستعمار تلاحق مفدي زكريا الذي رماها بمقالاته وأشعاره اللاذعة، فحكمت عليه بالسجن في كل مرة ينادي فيها الجزائريين للمقاومة أو يمدح الثوار، وفي الأول من نوفمبرمن العام 1954 انطلقت الثورة الجزائرية المسلحة، فكانت كالنار المقدسة لم تستطع فرنسا إخمادها، مثلما فشلت في إخماد لهب الحماس في صدر مفدي زكريا الذي أصبح زائرا مألوفا للسجون الفرنسية في الجزائر، وقد رأى فيها أحدَ رفاقه يُعدم على المقصلة، فكتب قصيدته الجميلة “الذبيح الصاعد” في القاعة عدد 9 في سجن بربروس ليلة 18 يونيو من العام 1956، ومنها نقتطف هذه الأبيات:

“قام يختال كالمسيح وئيدا يتهادى نشوانَ، يتلو النشيدا
باسمَ الثغر، كالملائك، أو كالـطِفل، يستقبل الصباح الجديدا
شامخًا أنفُه، جلالاً وتيهًا رافعًا رأسه، يناجي الخلودا
رافلاً في خلاخلٍ، زغردت تمــلأ من لحنها الفضاء البعيدا!
حالمًا، كالكليم، كلّمه المجـدُ، فشدّ الحبالَ يبغي الصّعودا
وتسامى كالروح في ليلة القدرِ، سلامًا، يشِعُّ في الكون عيدا”
وقد حفظ زكريا ذلك القسم في صدره ولم يخنه لأنّه مؤمن بثورة الجزائر وبأهدافها السامية، حتى أنه أثار غضب الرئيس الجزائري هواري بومدين في العام 1975 بسبب مواقف وصفها الشاعر الجزائري بأنها تضرب وحدة شمال أفريقيا، حينها اختار مفدي زكريا منفاه الاختياري في تونس التي كتب لها في مقدمة ديوانه “ظلال الزيتون” ما يلي:




“إلى التي صنعت فكري وغمرت روحي معرفة ونورا وحقيقة وجمالا، إلى الشجرة المباركة التي أضاء زيتها جوانب قلبي، إلى فتاة أحلامي وأخصب مصادر إلهامي: تونس الحبيبة”

في السابع عشر من أغسطس من العام 1977، على هذه الأرض انطفأت النار التي اتقدت طيلة أكثر من نصف قرن، وأعلنت صحيفة لوموند الفرنسية باقتضاب عن وفاة الشاعر الجزائري مفدي زكريا الذي انسحب بهدوء مخلفا وراءه قسما مُقدسا بأن تحيا الجزائر، رحمه الله وجازاه خيرا على ما قدّمه للجزائر والمغرب العربي من تضحيات وما أضاف للشعر من قصائد خالدة.

Your Page Title