أثير- الدكتور بدر المسكري، كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس
من المبادئ المهمة التي يتعين دراستها، والنظر إليها بإمعان مبدأ المعاملة الوطنية، ومبدأ الدولة الأولى بالرعاية، ومبدأ المعاملة بالمثل، ذلك أن هذه المبادئ تؤدي إلى ترسيخ العلاقات الدولية، وتحقيق ثمار التعاون بين الدول في شتى المجالات.
ويعد مبدأ المعاملة بالمثل من أهم المبادئ المعروفة في القانون الدولي الخاص، ومن الأساليب التي يتعين مراعاتها في مجال معاملة الأجانب، والبحث عن حقوقهم في الدول التي يقيمون عليها.
ويهدف هذا المبدأ إلى إيجاد معاملة مماثلة للأجانب على إقليم الدولة، والتي تسعى بدورها إلى البحث عن حصول رعاياها على ذات المعاملة. كما يمثل حافزا للدولة لزيادة الحقوق المقررة للأجانب على إقليمها، أملا في زيادة حقوق مواطنيها على أقاليم الدول الأخرى التي يقطنون عليها أو يعملون بها.
ويقصد بالمعاملة بالمثل تعليق الاعتراف للأجنبي بالحقوق على أرض الدولة، على اعتراف الدولة الأخرى التي ينتمي إليها بذات الحقوق لمواطني الدولة الأولى. خذ مثلا، أن تعلق سلطنة عمان حقوق اليابانيين على إقليمها على شرط مفاده حصول المواطن العماني على ذات الحقوق على الأراضي اليابانية ، ومنها الحق في العمل.
فالهدف في النهاية زيادة حقوق الأجانب، من أجل إيجاد الفرص للمواطن في الدول الأخرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي، والتشجيع على تبادل الخبرات وزيادة فرص الاستثمار الأجنبي وغير ذلك وبدون شك يسهم مبدأ المعاملة بشكل فعال في التنمية الاقتصادية والتكنولوجية وتبادل الخبرات، ولهذا أضحى من الأهمية بمكان في مجال العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي.
ومن المعلوم أن لمبدأ المعاملة بالمثل دورا بارزا في مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية، حيث يؤدي إعاقة تنفيذ الأحكام الأجنبية إلى تعطيلها أيضا في الدول الأخرى، ولهذا يتعين أن تحرص الدولة على إرساء ذات المعاملة بالنسبة للأحكام النهائية التي لا تتعارض مع النظام العام فيها.
والتحليل الفاحص للمادة 352 للفقرة (ه) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني الصادر بالمرسوم السلطاني 29/2002 يبين أن البلد الذي صدر فيه الحكم المراد تنفيذه يقبل تنفيذ أحكام المحاكم العمانية في أراضيه، ومنه يتضح أن محاكم السلطنة لا تنفذ الأحكام الصادرة من دولة أجنبية إذا كانت تلك الدولة الأجنبية لا تنفذ أحكام السلطنة على أراضيها. والمتأمل في قراءة المادة المذكورة سلفا يجد أن هذا الشرط منطقي ويجب توفره، حيث لا يمكن لمحاكم السلطنة أن تنفذ أحكاما أجنبية دون تنفيذ تلك الدول لأحكام محاكم السلطنة على أراضيها.
وقد أكدت المحكمة العليا العمانية على اشتراط مبدأ المعاملة بالمثل في أحد أحكامها (تنفيذ الحكم الأجنبي بالسلطنة. شرطه . الشروط المحددة قانوناً لم تتضمن وجود اتفاقية أو معاهدة . حال وجود اتفاقية تكون هي الأولى بالتطبيق دون النظر للشروط القانونية . القانون الألماني يخضع اختصاص المحاكم الأجنبية لقواعد الاختصاص العام المباشر بينما السلطنة للاختصاص العام غير المباشر. مؤدى ذلك . اختلال شرط المعاملة بالمثل) ولكن عند التدقيق والنظرة الفاحصة لشرط المعاملة بالمثل خصوصا عند الحديث عن معاملات خاصة ذات عنصر أجنبي، يتضح أن الشرط بحاجة إلى مراجعة وأن هناك الكثير من المثالب التي من شأنها تقويض هذا الشرط والنيل منه. فنجد أن من مثالب إعمال هذا الشرط أن يضع القاضي أمام صعوبات كثيرة منها على سبيل المثال إلمامه وإحاطته بموقف القضاء الأجنبي إزاء كافة الأحكام الصادرة عن القضاء العماني حين يراد تنفيذها في قضاء تلك الدولة وهذا بالتأكيد من شأنه وضع الكثير من المشقة والجهد على القاضي.
وكذلك عند تحليل هذا الشرط نجد أنه ذات طابع سياسي حيث يبدو كوسيلة زجر للدول التي لا تعترف بأحكام الدول الآخذة بهذا الشرط وذلك كمحاولة ضغط للدول التي لا تنفذ الأحكام الصادرة من المحاكم العمانية لتعديل موقفها وقبول الاعتراف بتلك الأحكام، غير أن النظرة الفاحصة لهذا الشرط من جانب القانون الدولي الخاص نوضح أن هذا الشرط لا يخدم العلاقات الخاصة الدولية وقد يؤدي إلى إهدار حقوق الأفراد الخاصة ويحد من فكرة التعاون الدولي والتعايش المشترك.
ونجد كذلك أن إعمال شرط المعاملة بالمثل في تنفيذ الأحكام الأجنبية قد يؤدي إلى تطبيق أنظمة تنفيذ مختلفة (نظام الدعوى الجديدة ونظام الأمر بالتنفيذ) بينما نجد أن كل دولة لديها نظام تنفيذ واحد ولا يمكن أن تتبنى أنظمة تنفيذ مختلفة حسب الدولة الصادر الحكم منها. كما نجد أن هذا الشرط ليس من مصلحة المواطن العماني ولا الدولة العمانية في عدم تنفيذ حكم صدر لأحد العمانيين من محكمة ماليزية ضد أحد الماليزيين وأراد تنفيذ الحكم على أموال الماليزي الموجودة في السلطنة حيث إن القاضي سيرفض تنفيذ الحكم الماليزي وذلك لأن المحاكم الماليزية ترفض تنفيذ الأحكام العمانية.
مما تقدم، يتضح أن شرط المعاملة بالمثل شرط أساسي من الشروط الواجب توافرها لتنفيذ الأحكام الأجنبية، لكن تطبيق هذا الشرط قد يكون عائقا في تنفيذ الكثير من الأحكام الأجنبية وأنه لا يخدم العلاقات الخاصة الدولية وتشجيع الاستثمار الأجنبي وفكرة التعايش المشترك بين الدول وعليه نرجو من المشرع العماني مراجعته وتعديله .