أثير – د. سعيد السيابي كاتب وباحث أكاديمي في جامعة السلطان قابوس
تأتي دورة معرض مسقط الدولي للكتاب في دورتها السابعة والعشرين نهاية هذا الشهر، ومع اقتراب هذا الحدث السنوي الكبير يكون الترقب لجديد الكُتاب العمانيين كل عام، وللإصدارات الجديدة التي تحط رحالها مع مشاركة دور النشر العربية والعالمية، وما للمعرض من فوائد في تقريب الكُتَاب من القراء، بل توفير بيئة قرائية متكاملة تحت مظلة هذا المعرض الذي يُحسب للقائمين عليه حرصهم على استقطاب معظم دور النشر العربية الكبيرة التي توجد بشكل سنوي في دورات هذا المعرض، وعلى مشاركة بعض الكتاب الخليجيين والعرب في أروقة المعرض والندوات والجلسات المصاحبة له.
القارئ العُماني وثقة دور النشر فيه، فقد تردد على مسامعي ولأكثر من مناسبة ما يثلج الصدر بأن القارئ العماني رقم كبير في حجم الحضور على المستوى الإقليمي، وبمعرض مسقط الدولي للكتاب على وجه الخصوص من حيث العدد ونسبة الشراء التي يقودها بمحبة كبيرة ومن مختلف شرائح المجتمع العمرية، وهذه القاعدة المتينة التي أرسى دعائمها تعلق الإنسان العماني بالعلم والمتعلمين على مر السنين متى ما كان إلى ذلك سبيلا، وهذه النزعة المعرفية تزيد ولا تنقص، وتتطلع ولا تمل، وتنادي بالمزيد من الاجتهادات وتقديم العديد من المبادرات لصالح أن يستمر هذا الشغف نحو القراءة والذي تتنازعه الآن العديد من الملهيات التقنية ووسائل التواصل الاجتماعية والبرامج التلفزيونية.
إن بعض الأرقام الدولية التي تُنشر في حجم المطبوع عالميا في كل دولة يحتاج إلى تأمل وتوقف محليا وعربيا، فعلى سبيل المثال نُشر تسعين ألف كتاب جديد في إسبانيا وحدها في عام 2021م وبمشاركة ثلاثة آلاف ناشر، وبلغ حجم نسخ الكتب المطبوعة مائتي مليون كتاب، فهذا الرقم مؤشر على حجم هذا القطاع الثقافي في هذا البلد ومدى إسهاماته في تزويد القارئ الإسباني بالمعارف والعلوم المتجددة وإعادة طباعة الكتب، واستمرار هذا النهج من قبل الدولة والقطاع الخاص فيها، لهو علامة على نهضة تتجدد فيها الأصول الرافعة لطرد ظلام الجهل وتستمر بداخلها حركة نشطة للتطور الحضاري ومواكبة المعارف التي تقود همة الإنسان نحو الترقي والتلقي المباشر وغير المباشر بما يضاف إليه ويقرب منه ويقدم له في أطباق الكتب اللذيذة والمتنوعة والخاصة والعامة والدسمة والخفيفة، فهذا القارئ محظوظ بامتياز لأنه أمام مواجهة مع الجديد وعوامل دافعة على مواصلة القراءة ومحفزة له على مواصلة التعلم بمختلف أنواعه، فمتى ما توفر الكتاب وكان حاضرا فقد توفرت الحظوظ المعرفية وأسهمت بدورها في إيجاد الوعي وتجديد الفكر وتسلح القارئ بزاد العون على طرد كل المشوشات التي تستهلك الوقت وتضيعه هباءً.
إن القارئ العُماني محظوظ وأنظاره شاخصة لموقع إقامة المعرض وتوقيته الذي يستمر لعشرة أيام محملا بالكثير مما تتوق نفسه له، وهذا العام فرصة المعرض كبيرة بأن يكون الحدث الأبرز بعد سنوات كورونا العجاف، فالإعلان القوي يصل للمتلقي في كل بيت ولمختلف شرائح المجتمع، والأمنيات أن يصاحب هذه الدورة أسعار مناسبة من أصحاب دور النشر تتناسب مع التضخم وارتفاع الأسعار الذي يعاني منها المواطن والمقيم، وفي المقابل على المؤسسات الخاصة العائلية والفردية والمؤسسات التعليمية على وجه الخصوص أن تكون إسهاماتها كبيرة في إنجاح هذه الدورة من المعرض، وأن تقوم بأدوار جديدة كتسهيل الوصول للمعرض بوسائل مجانية، وتقديم دعم شراء للطلاب ولأبناء الأسر المعسرة والمتوسطة دخلها، وشراء الكتب من دور النشر، وتزويد المكتبات الأهلية بالجديد من الإصدارات وذلك ليس بغريب على أبناء هذا المجتمع من المخلصين الذين وصلت بصماتهم للعديد من القضايا الاجتماعية والإنسانية، فالدور اليوم في التشجيع والدعم والعطاء للكِتاب وللقارئ العماني الأصيل.