أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
هي متفوّقة في الأدب عموما وإن كنت مدّخِرا لها في مجال الشعر ..، إذ أعد روعتها الشعرية ( ستُصدر قريبا في أكاديمية الشعر في أبو ظبي ) مفاجأة لعشّاق القصيدة العربية ولكن اليوم أخصّصه لمجموعتها القصصية ” متحف النساء ” المتحصلة على المركز الأول في جائزة الشارقة..، متمنيا لنور الموصلي كلّ التوفيق والنجاح في مسيرتها الواعدة …
اختارت الكاتبة أن تبدأ القصّ بقصتها ” متحف النساء ” وفيها تنتقد سلطة المجتمع ومضايقته لحريّة المرأة وحشرها داخل أربع حيطان ..بدعوى الخوف عليها وصونها من مخاطر الشارع ..، تقول القصة بأنّ والدا كان يتعلّل برحابة البيت كلّما طلبت إحدى الصبايا الخروج إلى الهواء الطلق ورؤية العالم ، وفي داخل الدار متحف للنساء ..، عبارة عن دمى عملاقة معلّقة على الجدران ..لا يتكلّمن أو يقمن بحركة ..يابسات كالصلد والحجر ، وفي نهاية المتن السرديّ الرافض للظلم ..تتجرّأ الأخت الكبرى على محاولة الخروج من البيت وتختفي عن الأنظار ، لكنّ الأمّ تنفي ما جرى جملة وتفصيلا :
” تقول أمّي إنّها عادت سريعا ، لكنّي منذ ذلك اليوم لم أجد لها أثرا ولم أعد أسمع صوتها، كلّ ما تغيّر في بيتنا حينها أنّ نساء المتحف زدن واحدة ، بوجه مقلوب وشعر مسدلٍ على الظهر وأقدام لا تطأ الأرض “
أمرّ إلى قصّة موالية عنوانها ” سلالة ملعونة ” تحكي على أسرة تمشي على أربعة أطراف، ومردّ ذلك لعنة حلّت بالجدّة حين مشت بطولها الفارع أمام شيخ الحيّ ( المنزّه من الخطأ القريب إلى العلوّ الشاهق ) ، وأخطر ما ورد في هذه القصة أنّ الساردة حين وقفت على قدمين اثنين بعد طول عناء وصبر ..رآها زوجها فحبسها لمدّة شهر في غرفة صغيرة ضيّقة بسقف واطئ ، فعادت إلى حالتها القديمة ..أيّ تمشي على أربعة أطراف ..، والجميل ما ختمت به الكاتبة حكايتها تقول :
” ..أنا الآن سعيدة جدّا أضع يدي بطني وأتحسّس حركات وليدي القادم بعد أيّام والفرحة تغمرني ، وأطوي له ثيابه الجميلة وأنمّقها في خزانته ، بقي عليّ أن أعدّ له غرفته الصغيرة الضيقة بسقف واطئ “
قصص مطرّزة محبوكة بها الكثير من الصنعة والدربة وفَهْم اللعبة السردية ، وأجدني مجبورا على اختيار قصة أخيرة لأختم بها هذه المقالة الخاطفة الهادفة إلى التعريف بكتّاب العالم العربي ..، على كلّ ثمّة أقصوصة بعنوان ” زائر منتصف الليل ” شدّتني وشوقتني وأدهشتني في خاتمتها ، فالقاصة تقول لنا جميعا ..لا تضيعوا الوقت والفرصة ..فقد تضيع إن طال ترددكم في اقتناصها وقد تذهب أمامكم للآخرين :
” طوال الأعوام الثلاثة لم أفكّر أن أفتح له ، ولم يملّ هو من زيارته اليائسة .
هذه الليلة تركت الباب مفتوحا ووقفت خلفه أنتظر ، فسمعت باب الجيران يُقرع ..”
وأترككم قرّاء أثير مع المقطع الأخير لقصيدة ” فرسٌ دمشقيَّة ” التي كانت من ضمن مشاركتها في ” أمير الشعراء “..، ففيه بعض ما سأنقله لكم حين تُصدر نور الموصلي مجموعتها الشعرية ..:
” إنَّما زارني الشعرُ يوماً، وعلَّمني من رؤى الغيب ما تجهلونْ
حطَّ عن كتفيَّ رداءَ القبيلةِ، رجعَ نداء المقدَّسِ فيها
قطيعَ الصغار، قدورَ العشاء، رضا سيدي
ثم أطلقني في مجاهلِ هذا الفضاءْ
قال لي: كلُّ ما خلف تلك الكهوفِ سماءْ
فاستعدِّي وقولي لأجنحة الحلْم: كوني -ولا تجزعي- فتكونْ “