أثير – ناصر الحارثي
تضع دول الخليج في إستراتيجياتها الوطنية الاهتمام بالقطاع الصناعي كإحدى الأولويات الرئيسة، لكن عند النظر إلى البيانات والإحصاءات نجد أن تأثير القطاع الصناعي محدود جدا ولا يعطي هذه الصناعة أرقاما جيدة إلا صناعات البتروكيماويات والتعدين، ونحن بعيدون كل البعد عن الصناعات المتقدمة ذات القيمة التنافسية في السوق العالمي.
إن النمو في القطاع الصناعي لا يتحقق بالأمنيات؛ فهو قطاع يعتمد على الكثير من العوامل الداخلية والخارجية وكذلك على خبرات تراكمية، فلا يمكن بناء قاعدة صناعية متقدمة بضخ الأموال فقط، وهذا ما يجعل دول الخليج بعد أكثر من خمسة عقود دولا مستهلكة في القطاع الصناعي بامتياز، ولنفهم هذا الأمر علينا أن ندرك بأننا لا نستطيع حرق المراحل والوصول إلى الثورة الصناعية الرابعة مباشرة، بل علينا أن نمتلك المعرفة والخبرة اللازمة التي مرت بها الأجيال الصناعية وهي كالآتي:
– الثورة الصناعية الأولى: بدأت مع نهاية القرن الثامن عشر عبر تحويل العمل اليدوي إلى التصنيع الآلي وأبرز أمثلتها صناعة المنسوجات وإنتاج الحديد والآلة البخارية
– الثورة الصناعية الثانية: بدأت مع أواخر القرن التاسع عشر وتزامنت مع توليد الكهرباء ومن أبرز تطبيقاتها إنتاج الصلب وتكرير البترول والكيماويات وصناعة السيارات
– الثورة الصناعية الثالثة: بدأت إبان الحرب الباردة في الستينيات وتسمى أيضا الثورة الرقمية وارتبطت بالتقنيات الرقمية وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت والاتصالات
– الثورة الصناعية الرابعة: التي نرى يوما بعد يوم ظهور منتجاتها المدهشة والمعتمدة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي كالسيارات ذاتية القيادة وإنترنت الأشياء والطابعات ثلاثية الأبعاد
نجد من خلال هذا المسار الزمني أن معظم صناعاتنا تتركز في الجيلين الأول والثاني، والصناعة كما أسلفنا تراكمية لذلك من الصعب جدا الانتقال مباشرة إلى الجيل الرابع مباشرة وذلك لأن كل صناعة تعتمد في تطورها على صناعة الجيل الذي يسبقه، لذا من الأهمية بمكان عند وجود أي خطة أو إستراتيجية للتطوير الصناعي أن نتسلح بأدوات أساسية وهي: امتلاك المعرفة اللازمة، ووجود عمالة ماهرة، والبنية الأساسية اللوجستية القوية، والبيئة التنظيمية المحفزة على التنافس الصناعي، وامتلاك الدولة للتكنلوجيا المقدمة، والأهم وجود مراكز بحثية تطوير قوية ترفد القطاع الصناعي وتدعمه، وهي عملية مكلفة تخشى الدول النامية الدخول فيها والمخاطرة؛ لأن نتائجها غير مضمونة والتنافس العالمي قوي عليها، بالإضافة إلى أن جميع الصناعات المتقدمة تعتمد على مجموعة كبيرة من الدول والشركات حتى تكتمل عملية التصنيع.